فشلت حَرَكَةُ «النّهضة» في الإقْنَاعِ بأَنَّهَا تغيّرت أو هي قَدْ تَتَغيّرُ في يومٍ من الأيّام .. ولا نعتقد أنّ ما يَرْشَحُ عَنْها وعَنْ زَعِيمِهَا أو رئيسها أو شَيْخِهَا راشد الغنّوشي يُسَاعِدُ المُواطن التّونسي على الاقتناع بأنّ هذه الحركة أو الحزب أو الجَمَاعَةِ تَتَّجِهُ نيّتُها لأن تكون حركة مدنية وكفى. وآخِرُ هذه «التَّقْلِيعَات» تَصْرِيحَاتُ شَيْخُ «النَّهضة» التّي تُلْزِمُ تونس باستقبال جُموع الإرْهَابيينَ الذّين تَتَعَلّقُ بالبعضِ مَنْ في «النّهضة» ومَنْ جاورها شُبْهَةَ تَرْحِيلِ أو تَبْرِيرِ تَرْحِيلهِمْ أو تَشْجِيعِ ذلك. رئيس حركة «النّهضة» قال مخاطبا «أنصارَهُ» في غَفْلَةٍ مِنَ التُّونِسِيينَ «يجبُ أن تَتَحمّل تُونس عَوْدَةَ الارهابيين من العراق وسوريا ولا ينبغي أَنْ نُحَمِّلَ أَيّ جهة هذه المسؤوليّة». ... التونسيون يتساءلون : هل يَعِي شيخ «النّهضة» جيّدًا كلامه هذا الذي رَمَى به في وَجْهِ هذا الشّعب المسكين ؟!! والكَلاَمُ مُقتبسٌ عن تدوينة لصديق افتراضي يُسمّي نفسه «سلامة». الجواب في تقديرنا وَاضِحٌ : هو يَعِي جَيِّدًا ما يَقُولُ وهُوَ قَوْلٌ فِي انْسِجَامٍ تَامٍّ مع أَقْوَالِ وَمَواقِفَ سابِقَةٍ .. ففي أكتوبر 2016 وصف «الدّواعش» ب «المسلمين الغاضبين» وشدّد على أنّه «لا يمكن تكفيرهم» أو«تجريم» أَعْمَالِهِمْ. وفي سنة 2012 تَمَّ تَسْرِيبُ شريط فيديو مثيرٍ للجَدَلِ ذكر فيه أنّ «الجيش والأمْنَ غَيْرُ مَضْمُونَيْنِ» .. وكان ذلك خلال لِقَائِهِ بمجموعة مِنَ السّلفيين ولَمْ يُمانع حِينَهَا وخلال هذا اللّقاء مِنْ إقامَةِ الخَيْمَاتِ الدَّعَوِيّةِ بَلْ هو شَجَّعَهَا على خلفيّة إعْتِبارِ ذَلِكَ يَدْخُلُ في إطار التّصَدّي للعِلْمانيين الذّين يَضَعُونَ أَيْدِيهِمْ على مؤسسات وَهَياكِل الدّولة. في 2012 لا يُمْكِنُ أَيْضًا التغاضي عن تصريح الغنّوشي لجريدة «الخبر» الجزائرية الذي ذكر فيه أنّ «مُعْظَمَ السّلفيين يُبَشّرون بثَقَافة جديدة، ولا يُهَدّدون الأَمْنَ العام».. وفي فيفري 2012 استقبلت حركة «النهضة» المُتطرّف والدّاعية للارهاب وجدي غنيم والكُلّ يعْلَمُ أنّه صَالَ وجَالَ في البلاد وقَامَ ب «التّبشير» لِثَقافة لَسْنَا مِنْهَا وليْسَتْ مِنّا وَلَمْ يَجِدْ «شَيْخُ» النّهضة أيّ حَرَجٍ الأَحد الماضي في الاعْتراف بأنّهم أخطأوا باستدعاء واستقبال واحْتِضَانِ هؤلاء الدُّعاة المتطرفين والتكفيريين .. هو وغيره لا يجدون غضاضة في «الاعتراف» بأخْطَائِهِمْ ولكن بَعْدَ فوات الأوان أو بَعْدَمَا «يُوحلْ الفَاسْ في الراس» كما يُقال .. ويذهب بنا الظّن الى أنّ هذا يَدْخُلُ في بَابِ مُمَارسَة «التّقيّة» أَكْثَرَ مِنْهُ إعترافا بخطَإ أو بِذَنْبٍ .. وفي ذات السِّياسة وذات الممارسة فإنّه إذَا أَقَرَّ الشّيخُ ذات يَوْم بأنّ هذا «الشّباب» الذي يُذكِّره بشبابه هو مجرّد مُسْلِمٍ غاضِبٍ فانّه يتعيّن على الدولة والمجتمع إزالة أَسْبَابِ الغَضَب حتّى يستقيم حَالُ الغَاضِبِ وبالتّالي وَجَبَتْ مِنّا الاستجابَة لبَعْضِ أو لِكُلِّ طلبَات الغاضبين من «المسلمين» وذلك في سِيَاق «التّوافق» والقَبُولِ بالرأي الآخر .. وَجَبَ اذن القبول بهؤلاء الارهابيين القتلة الذين اعتنقوا ثقافة الموت والقتل والدّمار كمُخْتَلِفين عَنَّا أو «كَغَاضبين أو مرضى وجَبَت الاحاطةُ بِهِمْ». فالنّهج الديمقراطي يفترض فيما يفترض القبول بهؤلاء الارهابيين وإدماجهم والرضوخ للبعض مِنْ طلباتهم وإنْ أَمْكَنَ الأمرُ الى كلّ طلباتهم لَعَلَّ ذلك يُسَاهِمُ في التّخفيف عَنْهُمْ وفي شفائِهِمْ الذي لَنْ يَتِمَّ إلاّ بفَنَائِنَا أو بإصابتنا نَحْنُ بشتّى العاهَاتِ والأمْراضِ. هذا هو النّهج الدّيمقراطي الذي يُبشّر به شيوخ الفِتنة رغم أنّنا نريد ايجاد الاعذار لشيخنا والكلّ يُقَدَّمُ تحت شِعَارِ «الديمقراطية» .. فَهُمْ تَرَكوا «الاسلام السياسي» لحِينٍ واعتنقوا «الاسلام الديمقراطي» ونَحْنُ نَعلَمُ عِلْمَ اليقين أنّ الديمقراطية تعني بالنسبة اليهم «الشّكْلَ المَقْبُولَ لِلوُصُول الى الحُكْمِ» كما قال أحَدُهُمْ ذات يَوْمٍ وكَمَا يُفَكِّر معظمهم في ذلك .. .. شيخ «النّهضة» يُقَدر أنّنا بهذا التّوجُّهِ نُوَاصِلُ في نفس النّهج الديمقراطي وأَبَدًا لَمْ «يُخْطِئ» بالقول ذات يوم «النّهج المدني» لتنظيم الدّولة والمجتمع .. ونرى ويرى مَعَنَا مَنْ آمَنَ بالخيار المدني لتنظيم الدولة والمجتمع أنّ ما تَطرحه «النّهضة» هو طَرِيقٌ سالكة لجعل تونس مأوى ووطنا بديلا للارهاب والارهابيين وأنّ الديمقراطية بالمَعْنَى الذي يُقدّمه شيوخ الاسلام السياسي تؤدّي حتما الى نَفْيِهَا بل أجازف بالقول أنّه لا وجود لمنطقة وسطى بين الديمقراطية والاسلام الذّي نشأنا عليه ناهيك عن «الاسلام» الذي ينادي به شيوخ الفتنة مِنْهُمْ .. واذا كانت هذه هي الديمقراطية فانّ التّونسي الذي نَشَأَ على التّسامح وأحب الآخر ونَبْذِ العُنْفِ ليس ديمقراطيا بهذا المعنى. هذا المقال لا يعبر عن رأي الموقع