تشوهت سحنة المدينة العتيقة بسوسة، وتغيرت ملامح البناءات بها، لتتحول هذه المدينة التي كانت بمثابة متحف ينبض حياة لفن العمارة والفنون الزخرفية إلى مدينة مسلوبة "الهوية". فهي لا عتيقة ولا حديثة ما حدا بمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إلى التهديد بسحبها من قائمة التراث الإنساني التي كانت مدرجة فيها منذ سنة 1988. وجاء في تحقيق اجرته وكالة تونس افريقيا للأنباء أن الدور والمحلات القديمة الاصلية كادت تتلاشى وتندثر لتتصاعد مكانها أبنية متعددة الطوابق في مخالفة صارخة لمثال التهيئة العمرانية الذي ينص على ألا يتجاوز أي مبنى داخلها طابقا ارضيا واخر علويا. ولا تقف الاعتداءات عند هذا الحد بل تجاوزتها إلى تغيير صبغة بعض المساكن إلى محلات تجارية وإلى استعمال اشكال والوان دخيلة على النمط المعماري المميز للمدينة العتيقة. كل هذه "الجرائم " العمرانية دفعت "اليونسكو" الى الاصداح بان مدينة سوسة العتيقة اضحت "تراثا عالميا في خطر " وهددت بسحبها من قاىمة التراث العالمي في أزقة المدينة: صراع بين الأصيل والهجين يضرب فيصل عبيد رئيس جمعية " سوسة غدا " كفا بكف وهو يتحدث عن الاعتداءات في حق " المدينة العربي" ويأخذنا في جولة عبر ازقة وانهج مدينة سوسة العتيقة لنشهد ان تشويه الطابع العمراني للمدينة تجسد كذلك في كثرة الكتابات العشوائية على الحيطان وتركيز غير متناسق للوحات إشهارية طمست كثيرا من زخرف المدينة وأحجارها وخصائصها المعمارية. تومئ نجاة النابلي رئيسة الدائرة البلدية بمدينة سوسة العتيقة برأسها تبدي موافقة على كلام فيصل عبيد لتضيف قولها "ان التجاوزات داخل سور المدينة العتيقة تُعدّ أخطر من تلك الواقعة خارجه لأنّ المنازل داخل السور صغيرة ويضطر أهلها إلى التوسع عموديا". وهنا يشير رئيس جمعية "سوسة غدا" ببنانه الأيمن الى عدد من العمارات الشاهقة التي شيدت على بعد امتار قليلة (حوالي 60 مترا فقط) من سور المدينة من جهة الباب الغربي، مظهرا استنكاره للسماح ببناء هذه العمارات "في تحد صريح للقانون الذي يفرض ترك مسافة معينة (150 مترا)، مع الالتزام بارتفاع محدد لكل بناية تشيد على مقربة من الأسوار التي لا يتجاوز ارتفاعها 12 مترا" حسب قوله. ولعل ما عمق جراح المدينة استفحال ظاهرة الانتصاب الفوضوي لاسيما بعد الثورة وتعليق انواع من بضاعات رديئة موردة على أسوارها إلى جانب انتشار الاوساخ المتأتية من فضلات منزلية وبقايا أشغال البناء وهو ما أرجعه عدد من التجار والمتساكنين إلى ضعف امكانيات البلدية وافتقادها للمعدات القادرة على النفاذ للأزقة الضيقة في حين حمل عمر البلهوان احد السكان الاصليين والمتشبثين بالعيش خلف اسوار المدينة العتيقة مسؤولية تكدس الفضلات لبعض المتساكنين الذين لا يحترمون اوقات رفعها، داعيا السلط البلدية الى اعادة استعمال البغال والحمير لرفع الفضلات من الاماكن التي يصعب الدخول إليها. ومن جهته رفع وليد الورداني نداء الى وزارة الشؤون الثقافية يدعوها فيه الى تركيز اهتمام خاص ب"البلاد العربي" والحزم في وضع ضوابط دقيقة لكل تدخل أو أشغال تتم في المدينة العتيقة سواء من قبل القطاع العام أو الخواص وذلك حفاظا على خصوصياتها المعمارية الأصيلة . أما صلاح بن احمد رئيس لجنة الثقافة والرياضة ببلدية سوسة فقد خلص إلى القول ان " فكرة اعداد خطة مديرية ترسم بوضوح الشوارع التجارية والاحياء السكنية واقرار حوافز جبائية ومالية لفائدة المتساكنين واصحاب المحلات التجارية الذين يتعهدون بصيانة التراث العقاري حسب كراس شروط مضبوط الى جانب تعليق كل عمليات التفويت في العقارات داخل المدينة العتيقة واحالة الممتلكات الراجعة للدولة الى تصرف البلدية تبقى من الحلول المستعجلة والمتاكدة لانقاذ المدينة العتيقة التي ما تزال معرضة للشطب من قائمة التراث العالمي".