«قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الحجيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم»، حديث نبوي روي عن أبي هريرة. هذه بشرى للمؤمنين الصادقين، فهل من فطن فهيم يعطر هذه البشرى بالكلمة الطيبة ويشيع فحواها بصور جذابة، لعل مضمونها يغير ما بأنفس الضالين، ويستفيق المغضوب عليهم ليتوبوا توبة نصوحا كما وجههم ربهم لصالحهم بقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار» (التحريم آية 8) فهل من مطيع يتقيد بهذه السلوكيات النافعة، والحامية، والحافظة، ليفوز برضاء الله، ففي الحديث النبوي «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزئ به والصيام جنة، كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، ولا يجهل، فإن شاتمه أحد، أو قاتله، فيقل إني صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم، أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح وبفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» روي عن أبي هريرة، فإضافة الصوم إلى الله إضافة تشريف، هذا الحديث بعضه قدسي وبعضه نبوي، فالنبوي من قوله: والصيام جنة» إلى آخر الحديث و»جنة» أي مانع من المعاصي، و»الرفث» هو الفحش في القول، و»لا يصخب» أي لا يصيح، و»لا يجهل» أي لا يسفه، و»الخلوف» تغير رائحة الفم بسبب الصوم ومن مقاصد الصوم الترغيب في كسب الخير واقصاء الشر، ففي حديث روي عن عرفجة قال «كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحد عن رمضان قال: فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فلما رآه عتبة هابه، فسكت، قال: فحدث عن رمضان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في رمضان « تغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، وتصفد فيه الشياطين» قال: «وينادي فيه ملك: يا باغي الخير أنشر، ويا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان» وأفادنا خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام بخبر مسر، مطمئن، يشرح الصدور، ويبعث الأمل في حديثه الشريف روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وليس غريبا هذا بعدما سمعنا أمر الله تعالى لرسوله «قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمه الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم» (الزمر آية 50) فلا مثيل للصوم وقراءة القرآن في الشفاعة، ففي الحديث النبوي عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني به، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيشفعان» أي تقبل شفاعتهما ويستحب للصائم مراعاة آداب الصيام كالسحور، روي عن أنس، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تسحروا فإن السحور بركة» وسبب البركة أنه يقوي الصائم ويهون عليه الصيام، وتعجيل الفطر فيستحب للصائم أن يعجل الفطر، متى تحقق غروب الشمس، روي عن سهل بن سعد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» وينبغي أن يكون الفطر على رطبات وترا، فإن لم يجد فعلى الماء، والدعاء عند الفطر وأثناء الصيام، روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» والكف عما يتنافى مع الصيام ففي حديث أبي هريرة قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» أي أن الله لا يقبل صيامه. والسواك يستحب للصائم أن يتسوك أثناء الصيام، روي عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «السواك مطهر للفم مرضاة للرب» والجود ومدارسته القرآن مستحبان في كل وقت إلا أنهما أوكد في رمضان، روي عن ابن عباس قال «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة» أي في الإسراع والعموم، والاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان، روي عن عائشة «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل، وأيقظ أهله وشد المئزر» وفي رواية مسلم «كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره». هذه بعض الفوائد القليلة من خصوصيات شهر رمضان المعظم، لعلها تخرج الغافلين والضالين من الظلمات إلى النور، وتهدي المنحرفين من الشر إلى الخير، وتنقل المجرمين من المعصية إلى الطاعة فقد بشرنا رب العالمين بسعة رحمته وهدايته في قوله تعالى «ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر، والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون» (الحجرات آية 7) والله يهدي إلى ما يرضيه سبحانه جل شأنه فشهر رمضان شهر يقظة ومراقبة النفس.