أسبوع مازال يفصلنا عن أول زيارة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى العاصمة الأمريكية للقاء مسؤولي الإدارة الجديدة والتي سيكون لها علاقة مباشرة ومتواصلة مع الحكم وأحزابه في تونس على امتداد الأربع سنوات القادمة. الحديث عن العلاقات بين البلدين والصداقة التاريخية في هذه المرحلة تكرار ممل لحكاية يعرفها الجميع، والمهم اليوم كيفية صياغة هذه العلاقة خاصة في المستويات التي تعني عمل رئيس الحكومة مباشرة وتهم الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاستقرار في تونس ودول جوارها الإقليمي وخاصة الوضع المتأزم في الغرب الليبي. الزيارة التي تطبخ على نار هادئة سيرافقه فيها وزير الخارجية السيد خميس جهيناوي ووفد رفيع المستوى ستكون المحرار الحقيقي لمستقبل العلاقات الجيدة والمميزة وليس المهم فيها بالتأكيد ما فعلته الحكومة في الأشهر السابقة بل ما ستفعله في قضايا تعتبرها الإدارة الأمريكية الجديدة منهجية وأساسية في صياغة طبيعة علاقتها مع دول العالم والدول الصديقة أساسا. واشنطن التي تتحرك سياستها بحسب مصالحها ستنتظر قراءة يوسف الشاهد وتقييمه وتحليله للأوضاع الداخلية والإقليمية وكيف يرى سبل تعامل حكومته معها لتحدد شكل تعاطيها القادم مع تونس ضمن الإطار التقليدي الذي يحكم علاقات الصداقة بين البلدين. جهود إعادة انطلاق الاقتصاد التونسي وخروجه من مرحلة التعثر سيشكل تحدياً كبيرا خاصة وأن استمرار سياسة التعويضات وصناديق الدعم يعتبر معطلا كبيرا يعرقل نمو الاقتصاد ويشكل بوابة للفساد والإثراء غير المشروع عبر عدم توجيه الدعم لمستحقيه وهذا الموضوع سيشكل حجر أساس في الحوارات الاقتصادية سواء فيما يخص المؤسسات المالية الدولية أو الإدارات الأمريكية التي سيكون لها قراءة النتائج وسبل استمرار الدعم لتونس لتطوير اقتصادها وتعزيزه. الزيارة التي تنتظرها أطراف عدة في تونس منها من ينتظر نتائجها الإيجابية وما ستقدمه من مساندة ودعم سياسي وامني واقتصادي على أمل ان تساهم في تدعيم النتائج الإيجابية التي تحققت في الأشهر الست الماضية، ومنهم من يتمنى وينتظر ان يتعثر يوسف الشاهد ويفشل في أن يحقق ما يرجوه من أهداف حتى يسهل إبعاده من المشهد وتتوقف برحيله جهود محاربة الفساد التي أطلقها وحققت له مصداقية وشعبية كبيرة بينما يختبئ الكثيرون ممن تحوم حولهم اتهامات بالفساد وهم يأملون بأن يحقق الفشل ما لم يستطيعوا أن يحققوه في هجومهم المتواصل على شخص رئيس الحكومة ليبيا أحد المحطات الأساسية التي تعني واشنطن بشكل كبير في المنطقة ستكون فاصلة حاسمة في تحديد شكل العلاقات مع حكومة يوسف الشاهد وفي المتغيرات التي يشهدها المشهد الليبي بشكل متسارع يمهد لانتهاء وجود الجماعات المتطرفة والإرهابية في المناطق المحاذية لتونس ويسمح بإنهاء الحال المستمر منذ سقوط نظام العقيد القذافي. المساعدات العسكرية والاقتصادية لتونس ستكون محرار الزيارة الحقيقي فبعد الزيارة سيكون الموقف الأمريكي من إعادة دراسة هذا الملف الذي تقرر التخفيض فيها بنسبة كبيرة خاصة وأن واشنطن تتابع بدقة تطورات الوضع الأمني في حماية التراب التونسي ومواجهة الإرهاب وما يثلج الصدر ان الثقة كبيرة وثابتة بالكثير من ضباط الجيش والحرس الوطني ونجاح قوات الأمن في التصدي للإرهاب وارتباطاته في التهريب. يوسف الشاهد يسافر إلى واشنطن حاملا معه ملفات كبيرة ينتظر منه ان ينجح في التعاطي معها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب المختلفة في الأسلوب والمضمون عن كل الإدارات الأمريكية التي سبقت وبدأت بتشكيل الوجه الجديد لأمريكا بحسابات ورؤى مختلفة. البعض يوهم نفسه أن تونس تنتظر من واشنطن ما ستقدمه لها كمطالب واحتياجات متناسين ومتجاهلين عن عمد أن واشنطن هي التي تنتظر من رئيس الحكومة يوسف الشاهد ان يقدم له رؤيته المقنعة وأفكاره الجديدة وقراءته ليتم بعد ذلك تحديد شكل ومستقبل العلاقات بين البلدين. الشعر والأدب والبلاغة ثم الحديث في انجازات الماضي أمر لا يهم العقل الأمريكي المتجدد والمهتم بكيفية صياغة اهداف صغيرة مشتركة تحقق الفائدة والاستفادة السياسية والاقتصادية والأمنية للبلدين، وهذا سيكونم التحدي الأكبر ليوسف الشاهد في تفاعل مع رؤية أمريكية جديدة سيكون شعارها القادم محاربة الفساد والحوكمة الرشيدة لتثبت معاني الديمقراطية وحقوق الإنسان لإن لا ديمقراطية في ظل الفساد.