جامعة النقل: نسبة نجاح الإضراب بلغت 100%    الاتحاد العام التونسي للشغل: الشركات الجهوية للنقل ماهيش سيارات إسعاف    في أزمة النقل.. التونسي والتاكسي جماعي تجمعهما قصة حب اليوم!    بعد فرنسا وبريطانيا.. دول جديدة تمضي نحو الاعتراف بدولة فلسطين    موجات تسونامي تصل هاواي الأمريكية بعد أعنف زلزال منذ 2011    هل تونس في خطر؟ تعرف على المناطق المهددة بتسونامي بعد زلزال كامتشاتكا القوي    عاجل/ "تسونامي" يصل إلى اليابان وإخلاء محطة فوكوشيما النوويّة..    عاجل/ صانعة محتوى تتهم هذه الفنانة بالإتجار في الأعضاء البشرية..    بطولة العالم للسباحة سنغافورة: أحمد الجوادي ينافس اليوم على ذهبية سباق 800 متر سباحة حرة    مبابي يرتدي القميص رقم 10 في ريال مدريد بعد رحيل مودريتش    الإعلان عن نتائج الدورة الرئيسية للتوجيه الجامعي 2025..#خبر_عاجل    تنبيه/ رياح قوية وبحر مضطرب اليوم..#خبر_عاجل    "الشامي" يشعل ركح مهرجان الحمامات في أول ظهور له بتونس    وفاة الفنان المصري لطفي لبيب    العثور على "دقيقة مفقودة" قد تقلب الموازين في قضية إبستين!    النقابة الأساسية لسيارات الأجرة ''لواج'' بسوسة ترفض قرار وزارة النقل    السيسي يعلق على تصريحات ستارمر بشأن الاعتراف بدولة فلسطين    تاريخ الخيانات السياسية (30)...تمرّد المبرقع اليماني بفلسطين    سجنان .. إنقاذ حرّاقة    دعم التعاون التجاري مع ليبيا    مجلس وزاري ينظر في الملامح الأولية للميزان الاقتصادي لسنة 2026    بداية من اليوم... إضراب ب 3 أيام يشلّ النقل البري للمسافرين    الكتلة البرلمانية "لينتصر الشعب"تطالب السلطات التونسية بالتحرك والضغط من أجل إطلاق سراح حاتم العويني المحتجز مع طاقم سفينة "حنظلة"    عاجل/ وزارة النقل تعلن عن جملة من الاجراءات اثر قرار الاضراب بالمؤسسات العمومية..    حجز كمية من قوارير المياه معروضة تحت أشعة الشمس ومواد غذائية غير صالحة للاستهلاك بولاية نابل    تونس تحرز الميدالية الفضية لبطولة افريقيا لكرة الطاولة صغريات    بنزرت: تحرير 251 مخالفة إقتصادية وصحية ضد عدد من المنتصبين مؤقتا بمختلف شواطئ الجهة    بين سيدي حسين والزهروني: محاولة قتل بشعة في الطريق العام والقبض على الجاني    بنزرت: فرق المراقبة تُطيح بالمخالفين على الشواطئ وتسجيل 251 مخالفة في شهر واحد    تعريفات منخفضة وخدمات متطورة: التونسية للملاحة تُؤمّن عودة الجالية دون زيادات    عاجل: بأمر من رئيس الجمهورية: تقسيط ديون كل الجمعيات الرياضية على 5 سنوات    أدوية السرطان تُصنَّع في تونس: ثلاث شركات محلية تدخل المجال الحيوي    حادث أليم ببوعرقوب: قطار يصدم سيارة ويودي بحياة كهل ويصيب ابنه بجروح خطيرة    عاجل : آخر نهار للتوجيه الجامعي... ما تفيقوش كي يفوت الفوت!    وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي تحت مجهر البرلمان: مساءلة حول الفساد، المشاريع المعطلة، ودعم الفضاءات الثقافية    انتقدت تحويل المسلسلات الى عروض : عبد الحميد بوشناق يرد على النائبة بسمة الهمامي    شجار بين شابين ينتهي بجريمة قتل..وهذه التفاصيل..    الخطوط التونسية تسجّل ارتفاعًا ب4 بالمائة في العائدات رغم تراجع عدد المسافرين في النصف الأول من 2025    بالفيديو - نائبة لوزيرة الثقافة :مهرجانات ''بالوراثة''و هل نختزل الافتتاحات في شعبية المسلسلات؟ ؟    افتتاح الدورة 43 لمهرجان بوقرنين الدولي:زياد غرسة يقدم سهرة استثنائية امام شبابيك مغلقة    مباراة ودية: تركيبة طاقم تحكيم مواجهة النادي البنزرتي والمنتخب العراقي    إنتقالات: "خميس المعواني" يعود إلى الرابطة الأولى من بوابة فريقه السابق    إنتقالات: نجم المتلوي يكشف عن 9 تعاقداته الصيفية    بطولة العالم للرياضات المائية بسنغفورة - احمد الجوادي يتاهل الى نهائي 800م سباحة حرة بافضل توقيت في التصفيات    عاجل/ هذه حقيقة اعتماد جهاز قيس نسبة الكحول والمخدرات في الدم داخل الفضاءات العامة..    مهرجان قرطاج الدولي 2025: عرض "سهرة تونسية" فسيفساء أصوات تحيي الذاكرة وتثمن الموروث الموسيقي "    خطير/ رجل يتعرض لهجوم من 9 كلاب بيتبول شرسة..وهذه التفاصيل..    السياحة التقليدية تتلاشى.. نحو بدائل جديدة بتسويق عصري.    احذر الحزن القاتل... العلماء يدقّون ناقوس الخطر    كركوان تستعيد صوتها من تحت الركام في عرض مسرحي متكامل على ركح مهرجان الحمامات الدولي    الثلاثاء: رياح قوية مع دواوير رملية بهذه المناطق    تاريخ الخيانات السياسية (29) خيانة القائد أفشين للمعتصم    استراحة صيفية    وزارة الصحّة : الاتفاق على إحداث لجنة وطنية للصحة الدماغية    تحذير من وزارة الصحّة: التهاب الكبد يهدّد التوانسة في صمت!    مختصة: التغذية المتوازنة تقي من الإصابة بعدد من الأمراض النفسية..    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثرثرة_طيف #
نشر في الجريدة التونسية يوم 16 - 08 - 2018

تأملته طويلا محاولة فهم ما يدور برأسه و قد نحا به في آتجاه اللا شيء .. و عندما طال صمته و عيل صبرها ،سألته في عصبية
-هل يمكنني أقله أن أفهم سبب شرودك هذا و فيم تفكيرك ؟؟
نظر إليها في حيرة و كأنه اكتشف وجودها فجأة أو كأنه عاد من رحلة غريبة إلى عالم لا يلتقي معنا في شيء
-لقد عدت إلى بطن أمي
-ماذا؟ هل تسخر مني ؟
-لا و خالقي .. لقد مرت حياتي أمامي بكل تفاصيلها مذ حملت بي حتى لحظة تدخيني لتلك السيجارة التي رميتها
-و كيف رأيت شريطك الوثائقي الخاص؟
-أ تسخرين مني الآن ؟؟
-أبدا.. إنما يقتلني الفضول لأعرف
-لقد كنتُ متفرجا مستمعا و كان هو ذاك الأنا يحدثني بصوتي و قد بدأني وهو لازال أيضا في رحم الوالدة رحمها الله قائلا
" حين تقررت ولادتي لم يستشيروني ..لم يُعدّوني للقاء الحياة .. لم يقدموا لي كتيبا للاستعمال يشرح بالتفصيل الآلي ما سوف أواجهه في غد أيامي و كيف ألقاه .. لم أتجهّز لمقدمي كما يجب و لم أعرف أن أول شهيق أملأ به رئتي هواء سيؤلمني هكذا .. لذا بكيت ...
حين علّموني الكلام ، لم أختر لغتي التي نطقت ، لم أغيّر في ترتيب حروفهم ، لم أرفض أبجديتهم العصية الفهم و العتيقة الرسم ، لم أعبث بنظام كلماتهم التي آستهلكها اللسان حتى بليت ..و أعتصم بحبل الصمت .. بل تكلمت ..
حين أقرؤوني الإسلام دينا ، لم أفهم .. حدّثوني عن الإله كثيرا ، لم أؤمن .. جرّوني إلى خلافات عقيمة و نقاشات بيزنطية عن قضاياهم الغريبة .. لم أسأل .. أحفظوني الآيات عن ظهر قلب دون تفسير.. أجبروني على الوضوء و الصلاة دون تفكير .. عاقبوني على السهو و النسيان دون تبرير..لم أعترض و.. أسلمت..
قنّنوا تصرفاتي ،حرموني كل موهبة أعطنيها الرب ، حاكموني بكل تهمة و لأي سبب ، أضعفوني و قد ملكت قوة الحياة ..أسروني أنا المولود حُرّا .. أجلسوني على حجر الطاعة العمياء و سلبوني كل حق في الآختيار ..هم الذين آختاروا لي مصيرا مّعدًّا رسموا فيه طريقتي في المشي ، أسلوبي في الكلام ، أطباقي التي أتناولها ، ثيابي و كيف ألبسها ، أصدقائي الذين سأصحب ، كتبي التي سأقرأ ، دراستي التي سأتفوق فيها ، أحلامي التي سيرسمها نومي ، حبيبتي التي سأعشق .. حتى أنني كنت شبه متأكد أنهم يعلمون ساعة موتي .. و آعتقدت أنني إن تقبلت كل ما يكتبونه لي دون مقاومة سأهنأ بالحياة و أسعد .. لكن لم يحدث أن .. سعدت ..
كبرت . أثقلوني أوامرا ، أجهدوني علما ، أكثروني واجبات ، أفاضوني نصائحا ، ملؤوني فروضا ،و حمّلوني وزر تاريخٍ لا أذكر منه إلا أطياف أبطال ورقية ماتوا ليقتلوني بإنجازاتهم .. تقدمت بي السنوات و لكنهم ظلوا في جذبي إلى الخلف حيث تقبع تقاليدهم --المُغتصبة لحريتي – في بئر غائرة من الجهل ..و رغمهم قاومت .. رفضت كثيرا و طويلا .. حاربت كل ما فيهم من بلادة و غي بكل ما فيّ من تطلع و آنحراف .. بلغت حضيض اليأس الموجع كلما أدركت أنني أنازل وحشا يراه الناس ملائكة ..فأستسلم للُؤمهم ضاحكا مستهزئا ، أنظر في وجوههم البلهاء أبصق جهلهم و أعود لتمردي . رفضتهم بكل ما أوتيت من كره و مقت .. أعلنت العصيان و .. ثُرت ..
ركنتُ جانبا إلى عمري أنظر في ما مضى منه و فيمَ مضى .. أعدتُ تحليل حياتي لأتبين مذاق كل ما ناولوني إياه حتى التخمة ، فأفرز السائغ من الحنظل ، و الطازج من العفن ، و المستطاب من المكروه .. كان علي الصوم لفترة عن كل أطباقهم الفاسدة ..و صُمت ..
آخترتُ طريقا غير التي لي وضعوها .. فآهتاجوا ..تكلمت لغة غريبة عنهم لم يفهموها .. فكرهوا الحديث معي و عليّ حقدوا .. قادني فضولي إلى آكتشاف ديانات أخرى ، فقرأت غير قُرآنهم توراة و إنجيلا و زبورا .. نفضت الأتربة عن عقلي الذي ختموه بأوهام الدين الأوحد و الأفضل .. آستنكروا ذلك مني و نبذوني ..و لكني ما آهتممت ..
ولعت بالسفر و سبر أغوار العالم المترامي .. إرتحلتُ و فضولي نبني لنا منزلا في كل بقعة من الأرض .. و نُنشِأُ لنا عشيرة في كل رحلة .. و أدركت أن صلة الدم التي أغلّوني بها على حجر العائلة و اللقب المقدس و التاريخ العريق ، ليست إلا إفتراء على باقي العلاقات الإنسانية تأسرنا بآسم البرّ الأهوج للنسب .. أهداني الترحال إخوة من كل عرق و لون .. جُبت السماوات المكشوفة أعدّ النجوم على أصابع الجذل ..رقصتُ عاريا على شواطىء البِشر مع أطياف ملائكية فرّت من أساطير الأولين .. كنت طائرا ملأ الدنيا شدوا بعد أن فرّ من سجنه .. فقد .. تحررت .."
قال تلك الكلمة بصوتٍ جهوري تردد صداه في المكان الهادىء و بدا على غير رصانته طفلا عنيدا آفتك من أبيه وعدا بأن يترك له حرية آختيار ملابس العيد .. أضاءت عيونه بلمعان غريب و صرّ أسنانه كمن عزم على الآنتقام من صديقه المشاكس سرق لُمجته .. و تلوّن وجهه بآبتسامة جذلى دفعتني أيضا للآبتسام .. مددت يدي أريد أن أمسك وجهه الفتيّ أعانقه بنهمِ ، لكنه تبخّر في فضاء أفكاري كحلم أيقظني منه صوت المنبه اللعين .. و تركني وحدي أسبح مع صدى الكلمات المثرثرة و الضحكة المنتصرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.