أعلن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، عن رغبته في تسليم السلطة نهاية شهر أكتوبر المقبل، مما طرح العديد من الأسئلة حول مصير السلطة في طرابلس. السراج الذي، تولى رئاسة حكومة الوفاق الوطني منذ تشكيلها في 2015 نتيجة لاتفاق سياسي دعمته الأممالمتحدة يهدف إلى توحيد ليبيا واستقرارها بعد الفوضى التي أعقبت انتفاضة 2011 التي أطاحت بالزعيم الراحل معمر القذافي، قال إن حكومته "لم تكن تعمل في أجواء طبيعية أو حتى شبه طبيعية منذ تشكيلها وكانت تتعرض كل يوم للمؤامرات داخليا وخارجيا"، وفق تعبيره ، وأن حالة الاستقطاب جعلت كل المباحثات الهادفة إلى إيجاد تسويات سلمية شاقة وفي غاية الصعوبة، متهما أطرافا، لم يسمّها، ب"المراهنة على خيار الحرب". استقالة السراج جاءت بينما أعلنت تركيا عن "الاقتراب" من الاتفاق بينها وبين روسيا على وقف لإطلاق النار في ليبيا، واليوم ، تتوجه الأنظار إلى ما سيكون عليه الوضع في ليبيا، وأثارت ردود أفعال وجدلا اقليميا ودوليا، حيث توقع محللون أن تزيد استقالته من حالة عدم اليقين السياسي في طرابلس أو حتى الاقتتال الداخلي بين الفصائل المتنافسة في التحالف الذي يهيمن على غرب ليبيا، في حين اعتبر آخرون أن ذلك يأتي في سياق تحرك نحو حل سياسي . استقالة السراج بين مواجهة المجهول والتفاؤل.. محللون سياسيون ، اعتبروا أن "الاعتراف بالفشل في إدارة المرحلة الانتقالية أولى آليات إيجاد الحلول، فليبيا لا تحتاج فقط تغيير الوجوه، ولكن أيضاً تغيير الهيكلية الدستورية للنظام السياسي، بما يضمن توسيع قاعدة المشاركة السياسية"، واستقالة فايز السراج، تعد بداية حل للأزمة الليبية، خصوصًا أن الفترة الماضية كان هناك رفض شعبي كبير للسياسات التي كانت تنتهجها حكومة السراج، وهي خطوة ستفتح مسارًا وأفقًا جديدة للتوافق على حل سلمي بين الفرقاء بشكل يحقق مصلحة الشعب الليبي ويحافظ على مكتسباته، فيما عبر آخرون عن رغبتهم في لو "أن السراج استقال اليوم بدل أن يقدم وعداً في أكتوبر المقبل لأنه تسلم قيادة الدولة من الناحية التنفيذية والبلاد تعاني، وبعد 4 سنوات، ضاعف المعاناة وأصبحت كوارث ويقول اليوم إنه تعرض لضغوطات وعمل في ظروف غير طبيعية". سياسيون ومراقبون ليبيون أكدوا أن استقالة السراج المشروطة، وإن كانت حققت أحد المطالب الرئيسية للعديد من الليبيين، فإنها لم تقترن باتفاق نهائي ورسمي على حكومة وسلطة جديدة، وهو ما يدخل البلاد من وجهة نظرهم في حالة من مواجهة المجهول السياسي ومن الغموض، واعلان التخلي عن السلطة جاء بعد أن أدرك أن الوضع المزري في ليبيا وصل إلى مرحلة الانفجار، والسراج نفسه من يتحمل العبء الأكبر في ذلك، وكذلك بعد تغيّر أهداف حلفائه في الداخل الليبي الذي أدرك من خلاله ضعفه حتى أضحى من الضروري اشتراكه في لعبة خلط الأوراق لعله يخرج بشيء من السيناريو القادم وإن خرج بسلامته، إلا أن البعض متفائل بمرحلة ما بعد السراج، حيث يتوقع أن يتم تدوير ما يسمى ب "النفايات السياسية الموجودة حاليا"، وتقاسم السلطة والنفوذ قبليا وجهويا وأيديولوجيا، ليبقى أساس الأزمة الليبية في استمرار سيطرة الميليشيات وبقاء المرتزقة الأجانب وانتشار السلاح والفساد وتدخل الأجنبي، لأن جميع من في المشهد الآن غير قادر على إيجاد حلول للمشكل الليبي لأنهم جزء منه. كما يرى مراقبون أن استقالة السراج أتت بمثابة ورقة ضغط للإسراع في عملية تشكيل سلطة جديدة، إلا أنها تفتح باب الغموض، خاصة أن نتائج الحوار السياسي بين مجلسي الدولة والنواب لا تزال غير واضحة، وفي ظل تعدد مسارات الحوارات وانقسامها بين المغرب وسويسرا، لأن الطرفين المعنيين بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة وهما مجلسا الدولة والنواب يتشاوران في المغرب، بالمقابل هناك حوار آخر مواز لذلك بين الأطراف الفاعلة في الأرض من تشكيلات مسلحة وممثلين عن النظام السابق وشخصيات القبائل الليبية في سويسرا، وهذه "اللخبطة" قد تساهم في تباين المواقف وتضارب النتائج، خاصة وأن النقاش مازال يتمحور حول تقاسم المناصب بين الأقاليم، فيما لم يتم بعد التفاوض حول الأسماء أو الشخصيات، ومن المُتوقع أن تؤول رئاسة المجلس الرئاسي القادم إلى الشرق، بينما تكون رئاسة الحكومة من نصيب منطقة الغرب، على أن يتم تقسيم باقي المناصب بين الأقاليم الثلاثة. توازنات اقليمية ودولية.. نشطاء سياسيون أكدوا أن السراج وضع الكرة في ملعب مجلسي النواب والدولة بإعلان تنحيه عن السلطة في حال توافق المجلسين على تعديل المجلس الرئاسي كما هو منصوص عليه في الاتفاق السياسي ووفق مخرجات برلين، وهذه التطورات تعطي انطباعا عن حدوث ضغوط وتوافقات دولية وداخلية جعلت السراج ومعسكره يتخلون عن فكرة التمسك بانتخابات عامة في مارس القادم، والتي تبدو خطوة غير واقعية في ظل الانقسام السياسي والمجتمعي الحالي وفي ظل الاستقطاب والتخندق الحاصل، والاقتناع بالحاجة إلى مرحلة انتقالية قصيرة تتوحد فيها البلاد بمؤسساتها خاصة الأمنية والعسكرية ومرحلة يسود فيها الاستقرار والتهدئة ونوع من المصالحة الوطنية، وإيجاد قاعدة دستورية تؤدي إلى مرحلة دائمة، وربط السراج تنّحيه بتوافق المجلسين يوحي أيضا بتنحٍّ مشروط ومرتبط ارتباطا وثيقا بما سيحصل قبل نهاية أكتوبر، فانفراج الأزمة الليبية في المستقبل القريب مرتبط كذلك بمواقف القوات الفاعلة على الأرض، ومنها القيادة العامة للجيش في الشرق وقوات حكومة الوفاق في الغرب. استقالة فايز السراج تعد، حسب البعض، خسارة كبيرة لأردوغان وميليشياته، ولم تأت من فراغ بل كانت نتيجة لتراكمات عديدة في الداخل الليبي والتظاهرات الحامية الوطيس اعتراضا على سياسة حكومته، والاستقالة تمثل خطوة ايجابية نحو الوصول لحل ليبي ليبي، كما ستنعكس بالسلب على الجانب التركي خاصة وأن السراج كان دمية أردوغان في ليبيا وفق تعبير بعض المحللين، مما يهدم أطماع المحتل التركي وما يحلم به في ليبيا وشرق المتوسط، وجميع الاتفاقيات التي تمت بين الجانب الليبي والتركي هي والعدم سواء . الاتحاد الأوروبي من جهته ، اعتبر أن ليبيا تمر حالياً بفترة "حاسمة" ومحملة بالآمال برؤية التزام قوي من قبل كافة الأطراف الفاعلة للعمل على تحقيق حل سياسي للنزاع، وأنه منخرط في دعم الحل السياسي للازمة الليبية ونتابع عن كثب التطورات المختلة"، حسب كلامه، إلى ذلك، ينظر الأوروبيون بإيجابية إلى مختلف الحوارات التي جرت مؤخراً بين الليبيين سواء في مونترو السويسرية أو في بوزنيقة في المغرب. يرى العديد من المتابعين للشأن الليبي أن هذه الاستقالة جاءت بضغط أميركي لاسترضاء أطراف دولية منزعجة من الاتفاقيات التي وقعها مع تركيا، لاسيما اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تثير غضب الأوروبيين بشكل عام وفرنسا واليونان بشكل خاص، جاءت اتساقا مع المشروع الدولي لليبيا، كما أن القراءات السياسية المُصاحبة لهذا التطور تُجمع على أن السراج تعرض لضغوط قوية لها علاقة بترتيبات دولية يجري التحضير لها في عدة عواصم غربية، وخاصة منها واشنطن، لتسوية الملف الليبي عبر إعادة صياغة المشهد السياسي قبل الانتخابات الأميركية.