في خطابه الأخير يوم 16 سبتمبر 2020 و الذي يتزامن مع ذكرى استشهاد عمر المختار قال السراج حرفيا " أعلن عن رغبتي في تسليم السلطة للسلطة التنفيذية الجديدة بنهاية شهر أكتوبر " مؤكدا أنّه " منذ توقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر سعينا بين كلّ الأطراف الموجودة على الساحة السياسية لتوحيد مؤسسات الدولة، و المناخ السياسي لا يزال يعيش حالة استقطاب، جعل كلّ المباحثات الهادفة إلى ايجاد تسويات سلمية شاقة و في غاية الصعوبة " و بالتالي أثار خبر استقالة " فايز السّراج " الكثير من اللغط في الأوساط السياسية فمنها من يرى في هذا الخبر تلهية للرّأي العام الليبي، وذلك في ظل احتقان الشارع الليبي الذي بدأ يضجر من الوضع الاجتماعي و الاقتصادي المتردّي فضلا عن عدم الاستقرار السياسي، و بالتالي لابدّ من حركة تغيّر وجهة هذه الموجة الغاضبة و تبعد المجتمع الليبي و لو مؤقتا عن الاهتمام بهذا الوضع السيء خاصة على مستوى الخدمات العامة من الانقطاع المتواصل للكهرباء إلى الشحّ المالي و انتشار الجريمة؟ في حين قرأ البعض الآخر و أنّ الإعلان عن استقالة السّراج هي نتيجة حتمية للانشقاقات التّي بدأت تنخر مجلس الرئاسة الليبي و الصراعات على المناصب و المراكز خاصة بينه و بين وزير الداخلية باش آغا. الذي له طموح سياسي حسب بعض المحللين في تبوأ منصب رئاسة مجلس الرئاسة خلفا للسراج فضلا عن توجه القيادة التركية لعدم المقامرة ربما بحصان خاسر ( السراج ) في المرحلة القادمة بعد هذه المرحلة الانتقالية و التي بدأ العدّ التنازلي لها. مبكرا.؟ ومحاولة منّا لفكّ شفرة هذا الخبر حول الاستقالة المزعومة لفايز السّراج سنطرح سؤالا مركزيا لعلّ الإجابة عليه تكون على الأقل مدخلا و محاولة لفهم هذا الوضع الليبي المعقد - و الذي زاده خبر استقالة السّراج تعقيدا على تعقيد -، و فحوى السؤال يقول هل استقالة السّراج هي خطوة تكتيكية من السّراج حتّى يعرف وزنه الحقيقي في عيون " تركيا" أوّلا و في نظر الشعب الليبي ثانيا أم انتهاء صلوحية لهذا الأخير لا أكثر و لا أقل، باعتبار و أنّ في عالم السياسة لا قيمة للأشخاص أمام المصالح..؟ و للإجابة عن هذا السؤال نقرّ من البداية و أنّ الإجابة عنه تحمل الافتراضين معا الذين تضمنهما السؤال ( تكتيك أو انتهاء صلوحية ) كيف ؟ لسائل أن يسأل و لذلك نقول: بالنسبة للجانب الأوّل أي هل هي خطوة تكتيكية؟ نعم يمكن أن تكون كذلك من قبل السّراج لمعرفة وزنه الحقيقي أوّلا لدى القيادة التركية و هو الذي منحها فرصة التواجد على الأراضي الليبية و منحها ما لم تحلم به خاصة أمام تردّي الأوضاع الداخلية التركية اقتصاديا و اجتماعيا حتّى تخفف من حدّة الوضع الاجتماعي و الاقتصادي المهتز داخل تركيا و ذلك قصد معرفة مدى تمسك الجانب التركي به و مؤازرته في ظرف معقد للغاية تعيشه ليبيا خاصة في وجود لاعبين آخرين على غرار روسيا و مصر فضلا عن الأطراف التي تراقب الوضع الليبي من بعيد كالولايات المتحدةالأمريكية و فرنسا و ايطاليا. و أيضا على المستوى الداخلي الليبي، يريد السراج ربما أن يعلم وزنه الحقيقي لدى الشعب الليبي و انطلاقا من هذا الوزن قد يقرّر الخطوات السياسية المقبلة له و التي ستكون على ضوء نتائج وجهة نظر الشعب الليبي و وزنه لديه. و قيمته في أعين القادة الأتراك، و هذا يعتبر تكتيك من جانب السراج لمعرفة وزنه الحقيقي سواء في الداخل الليبي أو في عيون القيادة التركية و على رأسهم أردوغان. أمّا القسط الثاني من الإجابة على السؤال السابق و المتعلق بمعنى انتهاء صلوحية السراج و ربما انتهاء دوره و تأثيره على الساحة و بالتالي لم يعد الحصان الرابح لدى تركيا و على تركيا تحصين مصالحها، التي قد أصبحت تراها مهدّدة في وجود السّراج وربما في هذا الجانب نرى و أنّ استقالة السراج ليست برغبة منه شخصيا بل دفعته إليها القيادة التركية كضربة استباقية لما قد ينتج عن إعادة هيكلة السلطة التنفيذية بليبيا مستقبلا على أساس تنفيذ ما سبق الاتفاق عليه بين مجلسي الدولة و النواب من تقليص عدد المجلس الرئاسي و تشكيل حكومة منفصلة عنه تكون مهمتها معالجة الأوضاع و الأزمات الداخلية و بالتالي تهيئة البلاد للاستفتاء على مشروع الدستور و إجراء انتخابات برلمانية و رئاسية و انهاء هذه المرحلة الانتقالية و في المحصلة ربما لا ترى القيادة التركية و أنّ فايز السراج هو رجل هذه المرحلة القادمة و من هنا نفهم النوايا في تفضيل وزير الداخلية باش آغا ليكون رجل المرحلة القادمة و ذلك حتى تضمن مصالحها باعتبار و أنّ تغيير الوضع الحالي أصبح رهن تفاهمات اقليمية و دولية إمّا أن تجعل ليبيا تمرّ إلى مرحلة البناء و الاستقرار أو تتحوّل ليبيا إلى ساحة حرب و يكون - لا قدّر الله - مصيرها الدمار و الخراب لنختم هذه الورقة – سواء بوجود السراج أو بدونه – بأن نرى الشقيقة ليبيا يسودها الاستقرار و بالتالي المرور إلى مرحلة التأسيس للمؤسسات الدستورية باعتبار أوّلا و أنّ ليبيا ليست دولة محتلة بل دولة مستقلة و لها سيادة رغم كلّ الأطماع من هنا و هنالك و ثانيا فإنّ في استقرار الشقيقة ليبيا استقرار لكل جيرانها و و في مقدمتهم تونس نظرا للروابط الأخوية و الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية و الجغرافية التي تجمع بين تونس و ليبيا منذ عقود و ليست وليدة اليوم و نحن على يقين و بفضل أحرار و حراير ليبيا و شرفائها و رجالها و نسائها ستندمل كلّ جراح الشقيقة ليبيا و تتعافى و ترجع البلد المستقر و المزدهر بفضل عزيمة و إرادة أبنائها الصادقين. و الوطن الذي يحلو فيه العيش ...