الجريدة:إبراهيم بوغانمي في نفس هذه الفترة من العام الماضي في الأيام الأخيرة من شهر أوت 2013 أطلّ علينا شيخ حركة النهضة راشد الغنوشي على قناة نسمة التلفزيونية التي لم نألف منها حوارات لشيخ النهضة فكانت المفاجأة. بيد أن المفاجأة الأكبر التي بقي التونسيون متسمرين لها برهة من الزمن ليغرقوا بعدها في هستيريا من الضحك ملأت قهقهاتها جنبات تويتر وفايسبوك. المفاجأة نطق بها الغنوشي الذي قال وقتها في دفاعه المستميت على حكومة الترويكا أو بالأحرى حكومة حزبه: ''ما دمتم تتمتعون بالكهرباء وبالماء والرواتب تصرفها الحكومة في وقتها فالحكومة ناجحة والبلاد بخير'' يعني على التونسيين أن يحمدوا الله ويسبحوا بحمد الترويكا لأنهم كلما ضغطوا على زر إلا وأضاء المصباح الكهربائي وكأنه مصباح علاء الدين حيث يغفو المارد. غير أن المارد أفاق من غفوته وأطل علينا أمس لينفخ في الدارة الكهربائية للبلاد فيغرقها في ظلام دامس طيلة أكثر من ساعتين فُتحت خلالها كل أبواب التحليل والتأويل ووجدت نظرية المؤامرة حظا وافرا من بين التأويلات في ظل غياب معلومة رسمية مقنعة. إن صدقت نبوءة ''شيخ النهضة'' هل نتوقع انقطاعا للماء الصالح للشراب في الأيام القادمة؟ وهل نتوقع أيضا تأخرا في صرف الأجور والجرايات؟ وفي خضم التأويلات العديدة نتساءل هل هي فراسة يتمتع بها الغنوشي وموهبة في الاستشراف للمستقبل؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك بكثير؟ انقطع إذن التيار الكهربائي على أغلب جهات الجمهورية ثم عاد بعد حوالي ساعتين أو أكثر واستأنف التونسيون حياتهم العادية كأن شيئا لم يكن أو يكاد. أين المساءلة وأين المحاسبة وأين مبدأ تحميل المسؤولية. شُحّ واستهتار في تقديم المعلومة الدقيقة والمقنعة تماما كما كان زمن بن علي مما يفتح الباب لتأويلات كثيرة ثم غضّ للطرف عن جسامة وآثار ما حصل والخسائر المترتبة عنه وهذا ليس تماما كما كان يحصل زمن بن علي بل هو موروث من حكومة الترويكا التي كرست مبدأ اللامحاسبة واللامساءلة ويبدو أن حكومة مهدي جمعة ماضية على نفس الدرب. عندما يغرق بلد متحضر في الظلام الدامس تستقيل أو تُقال حكومة بأكملها بعد أن تُفتح تحقيقات تُعرض نتائجها على الرأي العام. ولكن يبدو أننا بتنا مضطرين للاختيار بين السيء والأسوإ ولا خيار ثالث لنا. فالأسوأ أن ينقطع التيار الكهربائي والسيء أن يعود بعد انقطاع ساعات فنحمد الله على عودته ولا ننام قبل أن نقول ''سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مُقرنين''.