يموت المثقفون من رواد حركة الشباب التونسي ولا تموت أثارهم الأدبية والفكرية لتكون مادة صالحة لكل زمان ومكان تعبر عن الماضي والحاضر والمستقبل، كان هذا منطلق المخرج معز العاشوري ليبتدع إنتاجا مسرحيا جديدا بعنوان "مذكرات شاب مجنون" استقاه من مذكرات المؤلف والروائي التونسي محمد الدهماني ليقول في كتابة ركحية ما قاله الدهماني في الماضي المعبر عن هذا الحاضر من خلال سيرته الذاتية وما تحتويه من رسائل ومقالات موجهة. "لابد أن ابني شيئا يحيى من بعدي، لابد أن أضع شيئا وما يدريك أن الموت يفاجئني غدا ..لا بد ..لا بد" هي حيرة محمد الدهماني الذي عاش في العشرينات وأوصلته حيرته إلى الجنون ثم الموت وتركت سلسلة من المذكرات نشرها محي الدين خريف في كتاب "دموع القمر" الذي كتبه مصطفى خريف وأعاد محي الدين خريف تجميع هذه المذكرات والمقالات التي كتبها محمد الدهماني في أواسط العشرينات ولعلها تتحدث عن هذا الزمن. وقد ارتأى معز العاشوري تجسيد هذه المذكرات مسرحيا وفي ما قال عنها أنه لابد من العودة إلى التاريخ التونسي المتضمن لحيرة المثقف والتهميش الذي كان يعيشه مع الواقع الاجتماعي والسياسي والأسئلة المبهمة التي يطرحها حول واقعه وكان من الضروري من وجهة نظر المخرج العودة إلى ذلك الأدب المسرحي. كما تحدث مخرج "مذكرات مجنون" عن ضرورة اعتماد النصوص الأدبية في المسرح خاصة وأن مجموعة هذه المذكرات والرسائل التي تركها محمد الدهماني وهو من حركة الشباب التونسي ومعاشر للرفاق الأربعة مصطفى خريف ومحمود بورقيبة وجلال الدين النقاش وزكرياء بن سليمان "ذلك أننا في حاجة إلى العودة إلى المراجع التاريخية التي تتحدث عن تونس اليوم من خلال طرح الإنسان المبدع المفكر والمثقف الذي لا يجد صدى. ويبدو وأنه هناك امتداد كبير بين الشباب في عشرينات القرن الماضي وشباب اليوم وقد جعل العاشوري بداية المسرحية ونهايتها بمقولة محمد الدهماني "أن هذه البلاد لا تنبت الزعماء والأبطال الحقيقيين" وهو تصور الدهماني في ذلك الوقت وقد جسده ثلة من المسرحيين على غرار نورالدين العياري وسهيب الخماسي ودرة عمارة وجمال رضاونية وحاتم القصير. وأكد المخرج أن الثورة فتحت الأبواب للإبداع وطرحت الكثير من الأفكار أمام المبدعين لتبين أن الأفكار والتركيبة الاجتماعية والذهنية والنفسية في المجتمع التونسي لم تتغير منذ ذلك الوقت وعليها يكون طرح هذا العمل المسرحي وعلى لسان الأديب محمد الدهماني وبرؤية معز العاشوري لطرح جملة من الأسئلة الحقيقة التي تبقى في انتظار الأجوبة.