إعداد: إيمان الحامدي يصف خبراء الاقتصاد سنة 2015 بأنها من أصعب السنوات الاقتصادية التي مرت على تونس منذ استقلالها رغم النجاحات السياسية التي حققتها البلاد بعد تمكنها من اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وصفت بالناحجة. فبعد أن توقعت دوائر الاقتصاد العالمي وحتى الحكومة ان يتوّج الانتقال الديمقراطي الناجح بنتائج اقتصادية طيبة جرت الرياح بما لم تشته سفينة البلاد لتنتهي السنة بنسبة نموتقارب الصفر. وكانت الحكومة تطمح عند مناقشة ميزانية العام الجاري في ديسمبر 2014 إلى تحقيق نسبة نموفي حدود ال3 بالمائة وأن تتمكن من استرجاع ثقة المستثمرين الى جانب ضبط برنامج لاستقبال نحو5 ملايين سائح على الأقل. أزمة في السياحة ورغم أن الاشكاليات الاقتصادية التي تعيشها تونس لم تكن مستجدة بحكم الصعوبات التي تمر بها البلاد منذ الثورة فإن يوم 18 مارس 2015 كان الأقسى بالنسبة للقطاع السياحي بعد ان أدى الهجوم الارهابي على متحف باردو الى مقتل 23 سائحا أجنبيّا. ومباشرة اثر العملية الارهابية تتالت ردود فعل وكالات الأسفار العالمية بإلغاء الحجوزات والرحلات التي كانت مبرمجة للصيف الماضي. وقدر وزير المالية سليم شاكر خسائر تونس من الهجوم الإرهابي بأكثر من 700 مليون دينار غير أن خبراء ماليين قالوا إن الخسائر أكبر من ذلك بكثير وتتجاوز 950 مليون دينار باعتبار أن التداعيات السلبية للعملية كانت بمثابة «تسونامي» اجتاح أغلب القطاعات الاقتصادية والمؤسسات الصناعية المنتجة. لكن خسائر تونس هذا العام تجاوزت القطاع السياحي لتستنزف العديد من القطاعات الحيوية والمفصلية بالنسبة للاقتصاد إذ أكد وزير المالية سليم شاكر أن «العملية الإرهابية كان لها انعكاسات خطيرة على المستوى الاقتصادي بشكل عام لتضرب أغلب مؤسسات الإنتاج وتضرب أيضا قدرة تونس على جلب الاستثمار الخارجي». وعلى الرغم من أن أغلب الدول عبّرت عن تعاطفها مع تونس وأبدت استعدادا كبيرا لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب وفي إنجاح تجربتها الديمقراطية الناشئة والهشة، فإنّ هذا التعاطف لم يرتق الى مستوى المساعدة المالية ما جعل الحكومة تشعر بالاحباط. وكانت قمة قادة الدول الثماني الكبرى أوما يعرف بمجموعة الثماني قد تعهدت في 2011 بضخ مليارات الدولارات لدعم تونس في انتقالها الديمقراطي لكن بلادنا لم تحصل على تلك المساعدات حتى الآن ممّا اضطرّها في بداية السنة الى الخروج إلى السوق العالمية لطلب قرض رقاعي بقيمة مليون دولار رغم الانتقادات الكبيرة التي واجهتها الحكومة بسبب اسرافها في التداين الخارجي وفق خبراء الاقتصاد والعديد من الاحزاب المعارضة. ولم تكد تونس تستوعب تداعيات عملية متحف باردوالارهابية لتتلقّى في منتصف جوان 2015 ضربة أكثر وجعا من سابقتها بوفاة 38 سائحا على اثر استهداف نزل سياحي في سوسة القلب النابض للسياحة الساحلية وهوما أدى إلى ما يشبه الشلل في القطاع السياحي. وتظل الاشكاليات الاقتصادية في تونس مطروحة بشدة وفق الخبير الاقتصادي معز الجودي مادامت «آلة» خلق الثروة معطلة والذي يعتبر ان تواصل المطلبية الاجتماعية المشطة التي لا تراعي التوازنات المالية للبلاد ساهم بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي إلى جانب عامل آخر هو عدم وضوح الرؤية في ما يتعلق بمناخ الاستثمار. وقد خسرت تونس، بسبب تعطلّ إنتاج الفسفاط ومشتقاته نحو 4 مليارات دينار خلال السنوات الأربع الأخيرة نتيجة الاحتجاجات الاجتماعية المتكررة بمنطقة الحوض المنجمي المنتج لهذه المادة. ولم يكن القطاع الفلاحي خلال 2015 أوفر حظا من بقية القطاعات الاقتصادية بالبلاد حيث تسبّب انحباس الامطار بين أفريل وجوان 2015 وهبوب رياح الشهيلي في فترة مفصلية في الدورة الزراعية الى خسارة قرابة 40 بالمائة من المحصول الزراعي من الحبوب مما اضطر الحكومة إلى التوريد. عودة لكن وتبدوحظوظ الاقتصاد التونسي في التعافي العام القادم ضئيلة حيث اكد محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري ان عوامل الانكماش الاقتصادي لا تزال مستمرة مشيرا إلى ان الاقلاع لن يتحقق قبل سنة 2017»، متوقعا تحقيق نسب نمو تتراوح بين 4 و٪5. وتتأكد توقعات محافظ البنك المركزي بما يذهب اليه الخبير في الشأن الاقتصادي عز الدين سعيدان الذي يقر بأن السنة الجديدة ستكون صعبة على الاقتصاد التونسي، وان الصعوبات ستتواصل إلى ما بعد 2017. وقال عز الدين سعيدان إنّ تونس ستكون خلال سنة 2017 مطالبة بتسديد أكثر من 4 مليارات دولار من الديون الأجنبية في وقت يمر فيه اقتصاد البلاد بوضع انكماش. ويعتبر الخبير الاقتصادي ان الخلاص من الأزمة لن يتحقق الا عبر التعويل على الاستثمار غير ان الوضع الأمني في تونس لن يسمح بالتعويل على هذا الحل على المدى القريب نظرا للظروف الأمنية المحلية والاقليمية، وفق تقديره لافتا الى أن نسبة النموالاقتصادي ستكون خلال سنة 2016 في حدود 2.5 بالمائة. لكن رغم الصعوبات الاقتصادية وتواضع المؤشرات لا يزال بصيص الامل في تعافي الاقتصاد قريبا قائما خاصة مع اعراب الاستثمارات الخليجية المتوقفة منذ 2008 على غرار سما دبي ومدينة بوخاطر الرياضية رغبتها في استئناف مشاريعها المعطلة التي ستمكن من ضخ تمويلات هامة في الاقتصاد الوطني الى جانب مساهمتها في الرفع من نسبة النمو. الحراك الاجتماعي في 2015: من احتجاجات الجنوب إلى إضرابات المعلمين والأساتذة وحملة «وينو البترول» لم تشذ سنة 2015 عن سابقاتها من حيث الاحتجاجات الاجتماعية في تونس حيث مست الإضرابات جل القطاعات رغم التغير في هندستها ليحل القطاع التربوي محل المناجم متصدرا قائمة القطاعات الغاضبة . وقد مثلت الاحتجاجات في القطاع التربوي بأشكالها الثلاثة العفوية والتلقائية والعشوائية قرابة 70 بالمائة من جملة الاحتجاجات التي تم رصدها في شهر سبتمبر وحده مع اختلاف هذه النسبة من ولاية إلى أخرى بمشاهد متعددة ومتنوعة وبأحجام وأساليب مختلفة. و أدى غضب رجال التربية إلى تنفيذ إضراب يومي 21 و22 جانفي 2015 تشارك فيه ما يزيد عن 76 ألف معلم بالمرحلتين الإعدادية والثانوية للمطالبة بإصلاح المنظومة التربوية وزيادة الأجور وتجريم العنف بالمؤسسات التربوية، وفي 17 و18 فيفري تجدّد إضراب المعلمين لنفس المطالب لتجدّد حالة التشنج في القطاع أيام 26 و27 و28 ماي بإضراب أكثر من 63 ألف معلم ممن طالبوا بتحسين أجورهم , ورغم أن سنة 2015 كانت حافلة باحتجاجات المربين فإن العديد من الملفات لا تزال عالقة واحتمالات الاحتجاجات في القطاع التربوي قائمة. قطاع الصحة الذي يمثل ثقلا مهما من حيث عدد العاملين به كان أيضا على موعد مع سلسلة الاحتجاجات التي أدت إلى شلل القطاع وتوقف الخدمات الصحية بالمرافق العمومية الصحية بعد دخول أعوان الصحة بكافة المستشفيات العمومية في اضراب قطاعي يومي 28 و29 أفريل 2015 للمطالبة بالخصوص بتأهيل القطاع ووضع حد لتدني خدماته. الحراك الاجتماعي في 2015 سجل أيضا احتجاج أهالي ذهيبة بولاية تطاوين للمطالبة بالتنمية والتشغيل بعد وفاة شاب برصاص الحرس الوطني في المدينة . السبب ذاته كان وراء احتجاجات منطقة الفوار من ولاية قبلي التي شهدت بداية شهر جوان صدامات بين قوات الحرس الوطني وشبان محتجين، يطالبون بالتشغيل في شركات البترول بالمنطقة. حملة «وينو البترول»، التي أطلقها نشطاء على وسائل الاتصال الاجتماعي، للمطالبة بالشفافية في قطاع الطاقة، كانت أيضا من أبرز التحركات التي وسمت عام 2015 وهو ما جعل قادة من حركة «نداء تونس» يوجهون الاتهام ل«حراك شعب المواطنين» بقيادة الرئيس السابق المنصف المرزوقي «بافتعال المشاكل» . سنة الإنتحارات حالة التوتر الاجتماعي جعلت نسق الانتحارات يرتفع بدرجة غير مسبوقة بعد تسجيل معدل 30 محاولة انتحار في الشهر ليبلغ هذا الرقم أقصاه في شهر جويلية بتسجيل 50 محاولة منها 20 حالة انتحار فعلية. وتعتبر الشريحة العمرية ما بين 25 و35 سنة الشريحة الأكثر حضورا في حالات الانتحار إلى جانب ارتفاع نسبة حالات ومحاولات الانتحار لدى الذكور. كما تم تسجيل حالات الانتحار لدى الشيوخ نظرا لغياب هياكل التأطير والإحاطة بهذه الشريحة وفق المختصين في الشأن الاجتماعي .