تواجه الحكومة الوليدة من رحم الثورة، والشرعية الإنتخابية ومنذ أيام توليها الأولى ، عددا متناميا من التحديات والإستحقاقات ، منها ما تهيأت له، ومنها... ما خبرته قبل التكليف، ومنها ما يطرأ بمناسبة مباشرتها أعباء الحكم. فهي تواجه ، ومنذ مرحلة ما قبل اختيارها وتزكيتها من قبل نواب الشعب ، اختبارات متنوعة ومشكلات جدية مختلفة تتنوع من تراكم وضعيات التهميش والحرمان والبطالة ونفاد صبر الكثير من الفئات الإجتماعية التي لم تعد مستعدة لمزيد من الإنتظار. معالم عديدة تنتصب في طريق الحكومة..منها إلزام فتح ملفات المظلومين/المحرومين.. ووجوب معاودة الصعود بحال البلد وإقتصادها، ..وحتمية النجاح..أيا كان الثمن.. قراءة انتظارات "الآخر" نزلت الحكومة معترك المباشرة السياسية ، الأولى (ضمن حكومة) بالنسبة لجل أعضائها، وهي تحمل في جعبتها رؤى ومشاريع وخططا ، وآمالا..تتطلب توفير الظروف المادية والموضوعية المناسبة لتحويلها إلى واقع ملموس. فالأوضاع الهشة، وخيبات الأمل المتتالية للكثيرين، ستحمل الحكومة قطعا كثيرا مما لا تحتمل، وستطلبها إلى ترجمة وعودها وعلى عجل. قطعا ، هي لا تملك عصا سحرية ، وليس في إمكانها التعهد بفض كل المشاكل وتحقيق مطامح الجميع وعلى الفور، ولكنها مطالبة بإبداء تفهم حاجات شعبها، والعمل على التعامل بطريقة القرب، والإجتهاد في محاولة إدراك أسباب معاناة الناس، والوقوف عند مكونات الصعوبات التي تواجه التونسيين بكافة فئاتهم وشرائحهم، وفي مقدمتهم المهمشين والمحرومين والمظلومين والعاطلين عن العمل. ليس من خيار غير العمل على الحوار والإصغاء لكل المواطنين ، والاعتماد على شواغلهم وهواجسهم كمادة لرسم الأولويات السياسية للمرحلة القادمة. فهذا الشعب هو القاعدة التي انطلقت منها الحكومة ، والمصدر الذي تستمد منه شرعيتها، وهو الضامن لنجاحها واستمرارها، بما سيمدها من منطلقات وخطوط محددة لبرامجها، وطاقات للفعل وللتحرك في اتجاه تجسيم متجهاتها وأهدافها. فهو المرجع الأساسي لتسطير روزنامة نشاطها، والمعدل الأمين لمردودها ولفعاليتها ، لذلك لا مفر من تقليص أية فجوة بين الوزراء والناس، واستدامة الوصل بين المسؤولين والمشتكين والملتاعين وأصحاب المطالب والمظالم. صحيح أن هنالك محاذير يرسمها البعض، من انفلات مطلبي ، قد يتحول إلى تسونامي ، لو أنه تم فتح باب الإستجابة الفورية لكل المطالب . ظروف غير مفاجئة..ومطالب "معتادة" ما أشبه ما تواجه الحكومة اليوم، بما تعرضت له النهضة في فترات سابقة، من محن وتحديات و..مما بدا مؤامرة مدبرة – بليل – لإفشال مشروعها السياسي، والحد من حظوظها في الإشعاع والإقناع. قد تكون التجارب السابقة مفيدة، إلى حد كبير في أوجه منها توفير عوامل إضافية للتحلي بضبط النفس، والعمل على تفهم الجميع، بعيدا عن التفسير التآمري، وقد أثبتت الأطوار العصيبة أن "الضربة التي لا تقصمك ، تقويك" مطلوب من الحكومة مواصلة التقيد بطبيعة سلوكها الإيجابي المتزن البناء والمنفتح على كافة الفئات الإجتماعية، والإصغاء لنداءات المواطنين ، والسعي لمعالجة المشكلات والملفات ، واستحضار مسؤوليتها وتعهداتها، والتزامها بأداء الأمانة. كما يتوجب أن لا يؤثر في مواقفها تزايد حجم الإحتجاجات وارتفاع وتيرة الوقفات والإعتصامات، وعناد بعض الجهات والقطاعات في نبرة النقد الحاد، والمطلبية المستعجلة. ليس في جل التحركات، بالضرورة، غايته إرباك، ولا مشروع إسقاط للحكومة، ولا حتى معاداة للمشروع الإسلامي وتخطيط لإجهاض بادرة أول حكومة عربية ذات مرجعية إسلامية. ما من شك في أنه لا مجال للإخفاق ، والوقت بدأ ينفد، وأوضاعنا الإقتصادية والإجتماعية والأمنية من الهشاشة، في ظل الحالات المؤقتة المتتالية، والحل يكمن في التوحد الظرفي بين كافة الفرقاء ، والتلاقي على أساس حتمية إنجاح خطة الحكومة خلال الفترة الوجيزة لممارستها للحكم، لأن كلفة فشلها لا قدر الله، لن تدعها الترويكا (ومن ورائها النهضة، وكذلك المؤتمر والتكتل)، ستتكفل بعبء الفاتورة كافة الأطراف ، والعائلات التونسية أيا كانت مشاربها ومقدراتها وتوجهاتها. كل طرف معني بإنجاح المرحلة الراهنة من مراحل بناء تونسالجديدة، ورهانات البلاد خلال سنة 2012 ، تنسحب على كافة الفاعلين السياسيين والإقتصاديين والإجتماعيين بلا استثناء، وليس من مبرر لأي كان لأن ينحسر ضمن أجندة موازية، لأنه في ظل استحقاقات المرحلة وضغوط الظرفية الراهنة. مطلوب من بقية الأطراف المجتمعية، إلى جانب الحكومة، الوعي بأن أي تعاون لإنجاح مسار الحكومة التنموي والإصلاحي ، لن يحسب لها وحدها، ولن يدون في سجل طرف أو حزب دون آخر، بل سينعم بريعه كافة التونسيين ، وسيكون عائد محصوله ، مقدمة لأطوار زاهرة من التطور والتقدم لمجتمعنا، وفاتحة لمكتسبات ، تسهم حتما في الدفع نحو مزيد إعلاء صرح البناء الديمقراطي، والدفع بالبلاد نحو الرفاه والرقي في كنف مجتمع يعتمد نموذجا قوامه العدالة والمشاركة والمواطنة.