حادثة عابرة ،كان من المفترض أن تدرج ضمن صفحة الحوادث في الصحف التونسية ، ولكننا نجدها في صفحات السياسة لا في الصحف التونسية فقط بل حتى العربية والعالمية ثم في جل القنوات التلفزية ، فكانت بذرة الثورة التونسية تحت شعار :" الشعب يريد إسقاط النظام".هذه الجملة الشهيرة تردّدت في الشوارع العربية من تونس إلى مصر ثم ليبيا وسوريا .. عدوى الثورة ، انتشرت إلى البلدان العربية لتصبح حلم كل مظلوم ولكن لكلّ ثورة على مدى التاريخ ثمن ، ونحن التونسيون دفعنا ثمن محاولة التغيير إلى الأفضل بدماء الشهداء والأزمات المتواصلة على جميع المستويات التي شهدتها البلاد بعد 14 جانفي 2011 ، والأزمة لم تنحصر فقط على الصعيد الداخلي عن طريق الانفلات الأمني والفوضى والانزلاق في مستنقع المحاسبات والاتهامات ، بل بلغت درجة كبيرة من الارتباك وقلق أكبر حول مستقبل البلاد في ظل التطورات الخطيرة للأحداث فالقوى الغربية مثل فرنسا وأمريكا وغيرها تتكالب على نفط ليبيا في الجوار ودخان قنابل وأسلحة الناتو ينتشر في سماء تونس على الجهة الشرقية وهناك في الجهة الغربية أسلحة ومهرّبون وسلع تتوافد على الحدود التونسية دون انقطاع في وقت تمرّ به قوات الأمن بحركات فرّ وكرّ بين الانفلات الأمني في الداخل وأمن الحدود التونسية على الطرفين . فإذا استندنا للآية " لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم" ، أفلا يستوجب أن يكون شعارنا الآن " الشعب يريد ، إرساء النظام". لا أحد يشكّ اليوم أن تونس تمرّ بقترة تاريخية صعبة ، سوف تكون محطة تاريخية تدرسها الأجيال القادمة من بعدنا مثلما درسنا نحن لحنبعل وعليسة ومثلما سيدرس الجيل الذي يلينا لبورقيبة وبن علي والمهمّ هنا أن نكتب هذا التاريخ بأياد نظيفة بلا غايات ولا مجاملات ولا اعتداءات واتهامات فينبغي أن يكون لكل ذي حق حقه . ولكي تنجح الثورة التونسية وتنقش بألوان زاهية في صفحات التاريخ يجب على كل التونسيين مهما كانت انتماءاتهم واختلافاتهم أن يعملوا فقط لأجل مصلحة البلاد ولأجل مصلحة الأجيال القادمة وبخلاف ذلك فلن تكون الثورة ثورة . فإياكم أيها التونسيون أن تعتقدوا أن الثورة حصدت أهدافها الآن ، فما كان على مدى كل هذه السنين التي مضت لا يمكن إصلاحه في عام أو عامين واصبروا حتى يتبيّن الصحيح من الخطإ ، فعاصفة الأحزاب وانفلونزا السياسة التي أصابت حتى لاعبي كرة القدم والسماسرة ، لا أعتقد أنها ستفي بكلّ المطلوب ، وأتساءل هنا ، هل استخدام لاعبي كرة ، ضرب آخر من ضروب الإشهار السياسي بعد القرارات التي اتخذت بخصوص هذا الإشهار؟ وإذا اعتبر هذا إشهارا سياسيا فمن سيدفع الخطية (4.800 د ) ومن سيزجّ في السجن ؟هل هم اللاعبون أو رؤساء الأحزاب؟ وإذا تجاوزنا هذه التفاصيل لنلقي نظرة على العالم من حولنا سوف نجد جلّ الصحف العربية والقنوات التلفزية تهتم بالثورة المصرية والحركة الانتقالية الليبية والتمخضات السورية والصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني ، كل هذه التطورات والأحداث كانت نتاجا للثورة التونسية فأين تونس من الإعلام العربي ؟ وإذا حظيت مصر بكل الاهتمام ونالت ليبيا ثروة نفطها وظفرت سوريا بالمساندة وأقامت فلسطين دولة سعت لها منذ أكثر من مائة عام ، أفلا يكون من العدل أن تحصد تونس مزايا ثورة كانت سببا رئيسا في كل هذا وذاك ؟ فاشهدوا يا عرب أن الثورة التونسية بذرة طيبة من شعب أجلّ وتأكدوا أنها ستكون مرجعا صحيحا ومصدر إلهام لجميع الثورات المقبلة . ورغم كل ذلك فنحن التونسيون لا نطلب المجد فمجدنا ثورتنا وليسجل التاريخ ذلك . عبد الوهاب الرياحي