تعيش جل الساحات ففي تونس اليوم تحولات جوهرية في إتجاه تعميم دوائر البقع المضاءة تحت الشمس. من تداعيات ... الحدث المفصلي ليوم 14 جانفي، الذي كان له ويكون ما بعده،يتسع بعد الثورة مع الأيام مجال الثقافة لاحتضان الرؤى والنتاجات والتيارات الثقافية التي ما انفكت في غير تشتت وتمدد دون تحلل، فالفكر انطلق من عقاله ، وأهل الإبداع استبشروا خيرا بانفتاح ساحات رحيبة أمام المبدعين من كل المشارب والآفاق. فالنشاط الفكري والفني والثقافي بشتى تمظهراته وتجلياته بات متاح لأصحاب الطاقات والملكات ، لا يشترط أن يتقيدوا بخطوط حمر و بضوابط مصطنعة من ولاء لحاكم أو أداء لما ينبغي من فروض الطاعة لمذهب سائد، يدين له الحاكم الملهم. فالساحة اتسعت لتشمل المثقفين اليوم وهي غنية بالمسالك البكر ، ومدارات الفعل الإبداعي غير المحددة سلفا، بما يسمح بالتنافس الحقيقي بعيدا عن قيود "لزوم ما يلزم" مما فرض "المثقفون فوق العادة" على سائر المبدعين ن رقابة ذاتية، فأهل مكة أدرى بشعابها ولهم أن يتحركوا في دروب غير محددة مسبقا، يحملون رايات فكرهم الطليق غير المطالب بإلزامات أولية ما أنزل بها من سلطان، ولكن أن يتصدى لإثبات جدارته بالكفاءة والإتقان والجودة.. لم يعد في مجال الإبداع سقف دونه شبهة تطرف أو مروق..وليس لأي جهة صفة لفرض إرهاب فكري بدعوى الرقابة وصد محاولات تهريب البدع، ومنع الإجتهاد خارج السرب.. سيكون للمثقفين ، فرصة رسم ما يعتمل داخل المجتمع من تحولات دينامية غنية بإرادة الحياة، وبالقدرة على محاكاة ما في الكون من ثراء وتنوع وتحولات.. وسيكون عليهم أن لا ينزلوا بجهودهم دون الدرجة التي يخطها من ضحوا في مسيرة تونس الدامية حتى 14 جانفي ، فللثورة أرصدة من جهود وتضحيات وعطاءات الصادقين ، عشاق الوطن الحر، منهم من قضى نحبه ومنهم ن ينتظر، يجمع بينهم جميعا قواسم من المدإ المنتصر لحرية المبدع، والتزام المثقف برسالة الصدق في نقل هواجس شعبه، وابتكار صيغ أخرى للإحتفال بأمجاده وتدوين أفراحه وأتراحه، وابتغاء منافذ محتملة لصباحات أكثر إشراقا وبهاءا.. سيكون على أهل الفكر والثقافة في زمن الوطن الطليق ، أمانة الكد من أجل صالح العباد، و إبداع فعل عنيد لا يهد كاهله كلل ولا يفت من عضده سهولة التكرار وإغراء مديح السائد المعتاد.. سيكون من نصيب الشعب التنعم بذاته السليبة، والتلذذ بمصادفة أشياء عاكسة لواقع حاله المتلاطمة الأمواج ، متعددة التيارات.. الفعل الثقافي يحيل على التفاعل وهو يبدأ بطبعه عن الإقصاء، ويرفض مقولة، لا حرية لأعداء الكلمة، أيا كان القائل بها..فلكل نصيب من الكلمة..وأما الزبد فيذهب جفاء..وما ينفع الناس يمكث في الأرض..