المراسل-خولة السليتي-عند توليها الحكم، أكدت حكومة الترويكا قطعها مع سياسة الماضي وحرصها على تنفيذ مطالب الثورة وحمايتها، لكن بعد فترة من تنصيبها، لم تبلغ السنة بعد، أصبحت ترتكب نفس أخطاء النظام السابق. لقد بدأت سلسلة الانتقادات تتساقط على الحكومة منذ تعيينها بعض أزلام النظام البائد في الحكومة على غرار عضو اللجنة المركزية للتجمع عمر النصايري الذي شغل منصب مدير ديوان رئيس الحكومة بالإضافة إلى منح خطة مستشار لدى رئيس الحكومة لحبيب الصيد القيادي بالتجمع ومدير ديوان وزير الداخلية السابق عبد الله قلال، تعيين عضو لجنة المستشارين سابقا الشادلي العياري محافظا على رأس البنك المركزي بالإضافة إلى تعيينات أخرى. وهو ما يعكس عدم وفاء حكومة الترويكا لوعدها بالقطع مع الماضي واتباعها لسياسة «حلال علينا حرام عليكم» خاصة أنّها أعربت عن مساندتها مقترح قانون منع من تقلد منصبا في حكومة بن علي من الترشح للانتخابات القادمة. إستقلاليّة القضاء «مرفوضة» إنّ سلسلة أخطاء الحكومة لم تقف عند التعيينات التجمعية وإنما شملت كذلك التعيينات الإدارية الفوقية على أساس حزبي وهو ما حدث مع التعيينات في سلك الولاة، والذي أثار حفيظة هياكل المجتمع المدني والمواطنين معتبرين إياها خطوة نحو السيطرة على الهياكل الإدارية من قبل الحزب الحاكم خاصة أنّ معظم من تمّ تعيينهم ينتمون لحركة النهضة، وهو ما دفع أهالي بعض الجهات إلى الاحتجاج على تلك التعيينات. كما لاقى القضاء كسلطة تتمتع باستقلاليتها المادية والإدارية، وهو ما سبق وطالبت به حركة النهضة نفسها منذ أن كانت تعمل بسرية، رفضا من قبل الحركة في الوقت الذي أكد فيه العديد حرصهم ورهانهم على استقلالية القضاء لكونه الأمل الأساسي لضمان نظام ديمقراطي، لكنّ الحركة تشبثت بموقفها ولم تسع إلى تحقيق وفاق وطني حول هذه المسألة، وهو ما اعتبره العديد قرارا خطيرا الهدف منه السيطرة على القضاء وجعله سلطة تابعة لا مستقلة. وعود في مهبّ الرّيح! «التشغيل استحقاق» شعار رفعه المحتجون أيام الثورة والذي تبنّته حركة النهضة نفسها مؤكّدة إيمانها بحقّ كلّ مواطن في التشغيل وبكونها ستمتّعهم بذلك الحق من خلال خلق مواطن شغل وبعث مشاريع استثمارية خاصة في الجهات المسحوقة، لكن ما حصل هو العكس فعدد العاطلين عن العمل ارتفع إلى أكثر من 700 ألف عاطل بعدما كان 300 ألف ناهيك عن تراجع نوايا الاستثمار في الجهات بنسبة 15% خاصة بالمناطق التي مثلت مهد الثورة على غرار سيدي بوزيد وسليانة وجندوبة والقصرين، وهو ما يعكس عدم وفاء الحكومة لوعودها وسقوطها في خطإ الوعود الزائفة، ناهيك عن مواجهة المطالب الاجتماعية بالقمع الأمني مثلما يحصل اليوم بولاية سيدي بوزيد. «سياسة المكيالين» من جهة أخرى، مثل تعامل الحكومة مع الاعتداءات السلفية بدوره القطرة التي أفاضت الكأس، فعوض السعي نحو التحقيق في مرتكبي هذه الاعتداءات ومحاسبتهم حتى لا تنتشر الظاهرة، لم تقم الحكومة بخطوة فعلية للحدّ من انتشار الاعتداءات بل على العكس وجدناها تبرّر تلك الاعتداءات أحيانا كثيرة مثلما حصل في يوم الاحتفال بعيد المسرح وأحداث العبدلية وغيرها من الأحداث، وهو ما دفع البعض من متتبعي الشأن الوطني إلى اتهام الحكومة باعتمادها سياسة المكيالين خاصة أنّها لم تتوان في قمع مسيرة 9 أفريل. فسياسة المكيالين التي تتبعها الحكومة تمثل خطأ فادحا من شأنه تكريس الانقسام بين فئات الشعب التونسي وفشل المرحلة الانتقالية، وهو ما سبق وأكدته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. كلّ هذه الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة وغيرها، عادة ما توجّه فيها أصابع الاتهام في مرحلة أولى نحو حركة النهضة باعتبار أنّ معظم القرارات صادرة من طرفها وهي تسعى إلى تطبيقها دون موافقة حليفيها التكتل والمؤتمر أحيانا. ورغم تنديد الحليفين بتلك القرارات أحيانا مثلما حصل مع تعيين الشاذلي العياري أو التعينات الإعلامية الفوقية، فإنّ ذلك لا يبرّئُهما من تحمل المسؤولية كاملة لأنهما جزء من الحكومة. ومن المؤكدّ أنّ هذه الأخطاء ستؤثر في مستقبل الترويكا الانتخابي باعتبار أنّها لم تكن وفية لمطالب الثورة التي سبق وأن أكدت حرصها على تطبيقها والحفاظ على مسار الثورة. الحكومة فشلت.. و البديل غائب ردا على سؤالنا حول المستقبل الانتخابي لأحزاب الترويكا بعد هذه الأخطاء، قال المؤرخ ورئيس جمعية حكم (حرية، كرامة، مساواة) مصطفى التليلي ل«الصباح الأسبوعي»: «من المؤكدّ أنها ستؤثر سلبا لأنّ الحسم في انتخاب أحزاب الترويكا سيتمّ على أساس النتائج، والحصيلة اليوم أكثر من سلبية». وأضاف قائلا: «إنّ ما يؤكّد إمكانية تفاقم الأخطاء هو الخطاب الرسمي الحكومي الذي تطغى عليه صيغة الرضا عن النفس وطمس الحقائق والبحث المتواصل عن مسؤول عن الأخطاء». وأشار محدّثنا إلى ما وقع في سيدي بوزيد، قائلا: «إن ما يحدث في سيدي بوزيد ليس بالأمر الاعتباطي وإنما هو ينمّ عن حالة احتقان وعدم رضا عن الحكومة الحالية، وهو تحرّك رمزي على الحكومة أن تستخلص الدرس منه باعتبار أنّ هذه المنطقة هي مهد الثورة، وما حدث في سيدي بوزيد ليس سوى إنذار للحكومة، فهناك إمكانية لأن تثور بقية الجهات من جديد». واعتبر محدّثنا أنّ الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة الحالية بالإضافة إلى ضعف صفوف المعارضة يدفع إلى الخوف على مستقبل البلاد، قائلا: «من المؤكد أنّ حظوظ الحكومة الانتخابية تراجعت، فوعودها الانتخابية لم تتحقق ومبادئُها التي أعلنت عنها والتي على أساسها منحها منتخبوها ثقتهم تنازلت عنها، ولذلك لا بدّ من وجود بديل خلال هذه المرحلة وإلا سيضيع مصير البلاد، فمن الخطير البقاء مع هذه الحكومة الفاشلة أو التخلي عنها دون أن نجد بديلا من شأنه تصحيح مسار الثورة». و دعا في هذا الإطار أطراف المعارضة إلى توحيد صفوفهم لما فيه خير للبلاد.