إذا ما عدنا سنة أو ما يزيد عنها إلى الوراء سنلاحظ أن الموقف التركي من الأزمة السورية كان أكثر جرءة و عدائية لنظام الأسد، وبرز ذلك جليا من خلال تهديد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان في الخريف الماضي بتدخل عسكري تركي في سوريا، أما اليوم فالمواقف التركية تميزت بالمراوحة بين التأكيد على ضرورة تكاتف الجهود الدولية لإنقاظ الشعب السوري و معاتبة نظام الأسد على جرائمه دون تهديده مما يدل على تغيير في الموقف التركي. عبرت تركيا على مساندتها للتحرك السوري ضد الأسد بفتحها حدودها أمام الثوار و توفير الدعم المالي و العسكري لهم و تسهيلها لوصول الدعم الخارجي لهم، لكن ما توضحه ملامح الوضع السياسي في الشرق الأوسط تفيد أن تركيا قد أخطأت في بعض حساباتها. فتركيا ظنت أن إسقاط الأسد و مساهمتها فيه سيعود عليها بمكاسب سياسية و استراتيجية قد تجعلها القوة الأولى في المنطقة، لكن يبدو أن هذا التدخل أتى على الرجل العثماني الميت و الذي يريد أن يعود للحياة من جديد بنتائج عكسية، ذلك أن حزب العمال الكردستاني هو الذي استيقظ من سباته و عاد ليضرب بقوة في العمق التركي في وقت ظن فيه الأتراك أن الأكراد قد تمت السيطرة عليهم. تعاني تركيا منذ مدة من هجمات ارهابية استهدفت مواقع عسكرية و مدنية قتلت العشرات من الأتراك و آخرها ذلك الذي ظرب شرق تركيا و سقط فيه 7 قتلى. الشكوك تتجه لحزب العمال الكردستاني، لكن و بغض النظر عن الطرف المهاجم، فإنه من المنطقي القول أن للسلاح المنتشر في تركيا بسبب دعمها للثورة السورية دور في الهجمات ومن المنطقي القول أنه يمكن أن تكون أطراف أخرى دون حزب العمال متورطة في بعض الهجمات. هاته تخمينات، لكن المؤكد هو أن حزب العمال الكردستاني قد استفاق من جديد بسبب تدخل تركيا في الشأن السوري سواء كان قد تحالف مع بعض الأطراف المناوئة لسياسات أوردوغان أو كان قد استفاد من انتشار السلاح. الأزمة السورية ظربت شخص أوردوغان السياسي كذلك، فالمعارضة استقطبت الكثيرين ممن يعتقدون أن تدخل بلدهم في الشأن السوري قد جنى عليهم المصائب و خرجت في الصيف الفارط العديد من المظاهرات الحاشدة في مدن تركية كبرى كأنقرة و إسطمبول منددة بسياسات أوردوغان، كما أن العديد من مساندي أوردوغان السابقين يعتبرون الثورة السورية مؤامرة خذلهم بطلهم و شارك فيها. قام التدخل التركي في بلدان الربيع العربي على ترويج سياسي من قبل بعض الأطراف كالإسلاميين و ترويج إعلامي من قبل قنوات كالجزيرة للتجربة الأوردوغانية الإسلامية المعتدلة، و قد اعتمد رجب طيب أوردوغان على هذه الصورة ليقول كلمته في الأزمة السورية. لكن تصدير الأنموذج التركي قد فشل رغم بدايته الناجحة، فالإخوان في تونس و مصر، و الذين تبنوا المنهج الأوردوغاني، وجدوا منافس سلفي وهابي يقدم منهجا إسلاميا آخر و نجح في جلب الشباب له، و بالإضافة إلى ذلك، برزت لدى الشعوب الإختلافات الكبرى بين الإخوان و حزب الحرية و العدالة التركي، و هكذا، بينما أراد أوردوغان تصدير أنموذجه كأدات نفوذ في العالم العربي، هاهو يجد نفسه يستورد الأنموذج العراقي في العنف الميداني و التفجيرات. مشروع النفوذ التركي، أو مشروع الربيع العثماني الجديد كان يتوقف على سقوط نظام الأسد، لكن هيهات، لم يسقط نظام بشار على شراسته و دمويته بسهولة. هذا المعطى أطال انتظار أوردوغان و استنفذ صبره فتراجعت حدة تصريحاته عله ينقض ما يمكن انقاضه من بطولة صورها مسلسل بث على الجزيرة. منذ مدة تسربت أخبار عن اختلافات بين ثوار سوريا و الدولة المضيفة، تركيا. و منذ قرابة الأسبوع أعلنت قيادة الجيش الحر عن نقل مقر عملياتها إلى الداخل السوري مما يوحي بأنه من الممكن أن يكون هذا القرار نتيجة لظغط تركي. سأكون ساذجا سياسيا إن قلت أن تركيا تفكر في الإنسحاب من المشروع و أنها ستساند الأسد. و سأكون ساذجا أكثر إن قلت أن نظام الأسد سينتصر. لكن المؤكد أن النظام التركي هو بصدد مراجعة طريقة تدخله في الأزمة.