استخدم وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو تعابير جديدة بعد انتهاء لقائه مع نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون لكنه لم يخرج عن سياق الموقف الرسمي التركي التصعيدي «التقليدي» حيث تفتقت قريحته هذه المرة على استعادة التجربة العراقية مع واشنطن خلال التسعينات هذه التجربة تمثلت آنذاك في اقامة منطقة حظر جوي تولت «قوة المطرقة» انذاك مراقبتها...من تركيا.. وقال داود اوغلو، بعد لقائه وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون في اسطنبول، ان «بين تركيا وأمريكا منذ البداية تنسيقا تاما، لكن يجب أن ندخل في تفصيلات التخطيط العملياتي. وعلى أجهزة استخباراتنا وجيوشنا مسؤولية كبيرة، ومن أجل نجاح ذلك بدأنا في البحث بتشكيل مجموعة عمل»».
سيناريوهات وخيارات
ورات صحيفة «ميللييت» أن هذا التصريح يعني بدء العمل على خطين: مرحلة ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد والتسريع بإسقاط النظام السوري. ومن تلك الخيارات إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا تشمل مدينة حلب وصولا إلى ادلب..
ويقول مسؤول أمريكي، مرافق لكلينتون، إلى «ميللييت»، إن المباحثات أظهرت استعداد الأمريكيين والأتراك لوضع اليد تحت الحجر هذه المرة، والقيام بخطوات عملية، موضحا أن الخطوات العملية لمجموعة العمل التي تشكلت يمكن أن تبدأ اعتبارا من الخريف المقبل، ومن هذه الخطوات إعادة بناء «الجيش السوري الحر» ليكون جيشا نظاميا له تراتبية ومسؤوليات».
وهذا يعني انه من غير المتوقع القيام بخطوات عملية قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وان كل ما يحكى الآن ليس سوى خطوات «نفسية» في انتظار تمرير المرحلة الفاصلة حتى الانتخابات الأمريكية. وحظيت حلب بأهمية في لقاءات كلينتون داود اوغلو، واتفق الجانبان على أهمية أن يحقق مسلحو المعارضة مكاسب في معركة حلب من أجل رفع المعنويات، لكن واشنطن رفضت تزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات أو بأسلحة ثقيلة، لأن ذلك سيعمق المشكلة أكثر.. ومع أن الوضع مختلف في سوريا والعامل الروسي والإيراني موجود بقوة اليوم في سوريا، ما يحول دون تنفيذ سيناريوهات مشابهة، فقد نقلت صحيفة «طرف» عن مسؤولين أتراك وأمريكيين ان البلدين أصبحا أكثر جاهزية لإقامة منطقة حظر طيران في شمال سوريا، شبيهة بتلك التي طبقت على شمال العراق في التسعينيات، وتولت ما سمي ب«قوة المطرقة» مراقبتها وكانت متمركزة في تركيا وتتألف من عدد من الدول. وهو ما لمّحت إليه كلينتون من أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة.
ويقول الخبير الأمريكي بشؤون الشرق الأوسط اندريه تابلر لصحيفة «طرف» انه في حال إعلان «الجيش الحر» منطقة شمال سوريا منطقة محررة، فإن الضغوط ستتصاعد على تركيا وأمريكا لإقامة منطقة عازلة هناك. لكن مسؤولاً تركياً قال إن أنقرة تنتظر دعما أمريكيا أكبر في موضوع سوريا. وأضاف «نحس أحيانا أننا وحيدون».
وطالب داود اوغلو المجتمع الدولي بالتدخل لوقف المجزرة بحق سكان حلب وتاريخ حلب على حد قوله فيما أعربت كلينتون عن وقوفها إلى جانب أنقرة لمنع تمركز حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا. كما لم يغب عن تصريحات كلينتون ضرورة العمل على «قطع الصلة بين حزب الله وإيران وسوريا، وهذا ما سيسهل سقوط النظام في سوريا». وقالت كلينتون، التي التقت الرئيس التركي عبد الله غول ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، إن الولاياتالمتحدة تخشى أن «يغتنم إرهابيو حزب العمال الكردستاني والقاعدة نضال الشعب السوري المشروع من أجل الحرية لتحقيق مصالحهم الخاصة». وبررت قرار بلادها فرض عقوبات على «حزب الله».
وقالت «نواصل تشديد الضغط من الخارج وأعلنا في واشنطن عقوبات هدفها قطع الصلات بين إيران وحزب الله وسوريا التي تطيل عمر نظام (الرئيس بشار) الأسد». وأعلنت أنها بحثت مع الأتراك في خطط عملية وتبادل البيانات بغية «تسريع نهاية إراقة الدماء ونظام الأسد. هذا هو هدفنا الاستراتيجي».
على صعيد آخر، جدد رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان اتهامه لإيران من دون أن يسميها بدعم النظام السوري، قائلا إنها «لطخة عار وشراكة في الجريمة على كل القوى والدول التي تقدم الدعم للنظام السوري». وأشاد بالمعارضة السورية المسلحة معتبرا أنها تخوض «حربا مباركة وأنا أصفق لها حسب تعبيره.». وفي إفطار في اسطنبول، قال اردوغان إن بلاده «لا تنظر بعين مذهبية إلى سوريا، بل فقط بعين الضمير والإنسانية، لذلك رفضنا في مجلس الوزراء دعوات قطع المياه والكهرباء عن سوريا لان الشعب سيتضرر». وكرر الحملة على معارضيه متهماً إياهم بأنهم يشنون حملة سوداء على تركيا ويتحركون بأوامر النظام السوري.
كابوس تركي
وفي سياق متصل ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن تطورات الأزمة الدائرة في سوريا أعادت إلى الواجهة كابوس راود تركيا طويلاً وتخشى أن يصبح حقيقة واقعة، والمتمثل في إقامة منطقة كردية على حدودها مع سوريا تتمتع بحكم ذاتي على غرار إقليم كردستان العراق.
وأوضحت الصحيفة أن مبعث القلق التركي يكمن في سيطرة قوات كردية على مدن واقعة في شمال شرق سورية، حيث تخشى أنقرة إنشاء منطقة كردية مستقلة في تلك المنطقة تعمد إلى الاتحاد مع أكراد العراق مما سيشجع أكثر من 13 مليون كردي تركي على طلب حكم ذاتي إقليمي ومن ثم المطالبة بأحقيتهم في أجزاء من الأراضي التركية وتهديد السيادة التركية.
وأشارت الصحيفة إلى أن أسوأ سيناريو تواجهه تركيا الآن هو التحالف القوي الجديد بين الجماعات الكردية في سوريا وحزب العمال الكردستاني، حيث يستغل حزب العمال الكردستاني الأوضاع في سوريا الآن لشن هجمات على مواقع للجيش في جنوب شرق تركيا.