المراسل-لماذا فشل الإسلاميون في الانتخابات التشريعية الجزائرية وما هي أسباب هذا الفشل وهل حصل فعلا تزوير في نتائج الانتخابات؟ أسئلة لا يمكن الاجابة عنها الا بالعودة الى تاريخ الحركات الاسلامية في الجزائر... بداية لابد من الاقرار بأن الاسلاميين في الجزائر اليوم انقسموا الى شقّين، الاول يؤمن بالتغيير السلمي والوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع والثاني معارض للنظام معارضة تامة ويرفض التعامل معه والمشاركة في أي انتخابات مهما كانت نزاهتها. يمثل الشق الاول مجموعة من الأحزاب التي دخلت الانتخابات التشريعية الاخيرة في تحالف أطلق عليه اسم «الجزائر الخضراء». وتتكوّن من حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الاصلاح الوطني وتحصّل التحالف على 48 مقعدا من جملة 462 مقعدا في البرلمان القادم. في حين اختار عبد ا& جابلله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية خوض غمار الانتخابات التشريعية بمفرده وخارج التحالف المذكور لكنه لم يحصل الا على سبعة مقاعد. أما الشق الثاني فيمثله أساسا حزب جبهة الانقاذ الوطني بقيادة زعيمه التاريخي عباسي مدني الذي يقيم منذ سنة 2003 بقطر!!!وكان أعلن منذ تحديد موعد الانتخابات في شهر مارس الماضي عن مقاطعة حزبه لها. والحقيقة ان هذا الانقسام الذي حصل داخل الحركة الاسلامية في الجزائر ليس وليد اليوم بل يعود الى سنة 1991 تاريخ أول انتخابات تشريعية تعددية في الجزائر على ان بداية النشاط السياسي الفعلي للاسلاميين يرجع الى سنة 1963 اي عام فقط بعد استقلال الجزائر سنة 1962. من جبهة «القيم الاسلامية» الى «جبهة الانقاذ» تأسست جبهة «القيم الاسلامية» بتاريخ 14 فيفري 1963 من طرف 4 علماء مسلمين وهم الهاشمي تيجاني وعبد اللطيف سلطاني واحمد سحنون وحويدق مصباح وركّزت كل نشاطاتها في مساجد العاصمة الجزائر وكان من أهم مطالب جبهة «القيم الاسلامية» اعتماد يوم الجمعة كيوم العطلة الاسبوعية بدلا من الاحد وتوظيف الجزائريين المسلمين دون غيرهم في المناصب الادارية لكن هذه الجبهة سرعان ما تم حلها من طرف النظام الجزائري بعد ان جازف زعماؤها وبعثوا برسالة الى الرئيس المصري جمال عبد الناصر يطالبون فيها بإطلاق سراح قائد جماعة الاخوان والمسلمين في مصر السيد قطب الامر الذي اعتبرته الدولة الجزائرية مسا من سيادتها وتهديدا لعلاقات الجزائر ومصر. وعلى مدى 14 سنة من حل جبهة القيم الاسلامية لم يكن هناك نشاط يذكر للإسلاميين في الجزائر لكنهم سرعان ما عاودوا الظهور من جديد بعد الثورة الايرانية سنة 1979 وكانت المساجد مرة أخرى مسرحا لخطاباتهم الملتهبة والتي نجحت في تجنيد أكثر من 3000 «مجاهد» جزائري تم ايفادهم الى افغانستان لصدّ ما سُمي آنذاك بالغزو السوفياتي لهذه الدولة الاسلامية. وفي ذات الوقت كثف الاخوان المسلمون من نشاطاتهم داخل الجزائر عن طريق الكتب الدينية والمجلات والجرائد حتى أن كتاب «عذاب القبر» بيع في الجزائر في أكثر من 10 ملايين نسخة وكما في باقي الدول العربية لعبت الحلقات المسجدية دورا هاما في تعبئة الانصار وتمرير مشاريع زعماء الحركة الاسلامية لتظهر أولى الحركات الدينية المتطرفة التي بدأت تدعو صراحة الى اقامة الخلافة الاسلامية وشهدت مدينة بلعباس في الغرب الجزائري ظهور أول أمير لجماعة الدعوة وهو الأمير عثمان محمد الذي حاول السيطرة على المساجد بعد ان أعلن مناطق وهران وباتنة ولغواط والوادي تابعة لأمارته وعاصمتها بلعباس. وكلف الأمير عثمان محمد رفيقه مصطفى بويعلي بانشاء الحركة الاسلامية المسلحة وهي الذراع العسكري لجماعة الدعوة وقامت هذه الحركة بمهاجمة المحلات المعدة لبيع الخمور وبيوت الدعارة وكون قائد الحركة الاسلامية المسلحة جهاز شرطة أطلق عليه اسم «مجموعة النهي عن المنكر» كانت من مهامه اجبار النساء على ارتداء الحجاب ومعاقبة تاركي الصلاة واجبار المواطنين على دفع الزكاة وتجنيد الشباب للجهاد لكن النظام الجزائري سرعان ما رد الفعل بقوة بعد ان تم ايقاف كل قادة الجماعة والقضاء على معظم عناصر الحركة الاسلامية المسلحة في أواخر سنة 1982 ليعود الاسلاميون في الجزائر الى العمل السري على مدى 6 سنوات كاملة. في الأثناء كانت الانشقاقات والخلافات تعصف بحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم ووصل الصراع بين الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد وقادة الجبهة الى طريق مسدود وهو ما دفع بن جديد الى اللجوء الى الشعب عبر خطابه يوم 19 ديسمبر 1988 ليكشف للمرة الأولى عن خلافاته مع قادة جبهة التحرير الوطني الرافضين للاصلاح فكانت انتفاضة 25 ديسمبر 1988 التي انتهت باعلان حالة الطوارئ واستدعاء الجيش لاعادة النظام. سمحت انتفاضة ديسمبر 1988 الى الاسلاميين بالخروج الى العلن مرة أخرى بل ودفعوا الجيش الى اقرار اصلاحات دستورية تسمح بتكوين الاحزاب السياسية وبتنظيم انتخابات تعددية وفعلا تم الترخيص في 6 سبتمبر 1989 للجبهة الاسلامية للانقاذ بالنشاط السياسي بزعامة عباسي مدني. وعن طريق صحفها العديدة نجحت جبهة الانقاذ الوطني في تعبئة الشارع الجزائري والضغط على الجيش من أجل تنظيم انتخابات تشريعية حرة وكان لها ما أرادت سنة 1991 لنتحصل على 188 مقعدا في الدور الأول ما أهلها لتكون أول قوة سياسية في الجزائر في مكان جبهة التحرير الوطني التي لم تحرز الا على 15 مقعدا فقط. شكل انتصار الاسلاميين خطرا على الجيش الذي سارع بإلغاء الانتخابات وتشكيل المجلس الأعلى للدولة بعد اقالته للرئيس الشاذلي بن جديد. لتدخل البلاد بعدها في ما يشبه الحرب الاهلية ويتم حل الجبهة الاسلامية للانقاذ عن طريق حكم قضائي في مارس 1992. بعد حل الجبهة انقسمت الحركة الاسلامية في الجزائر الى أربعة توجهات سياسية وقانونية وعسكرية وسرية يسعى كل واحد منها الى اعادة الشرعية لانتخابات 1991 الا أن طول الحرب الاهلية التي تواصلت على مدى 10 سنوات أدت الى تهلهل الحركة واقتناع البعض من قياداتها بالعودة الى العمل السياسي القانوني والقبول بمشروع المصالحة الوطنية الذي اقترحه الرئيس الجديد للجزائر عبد العزيز بوتفليقة الذي وصل الى الحكم سنة 1999. سعى بوتفليقة منذ بداية فترة رئاسته الأولى الى مخاطبة الاسلاميين بنفس لغتهم معتبرا انخراطهم في مشروع المصالحة الوطنية اعترافا منهم بحق الجزائريين في الحياة وكان للحصيلة الثقيلة للحرب الاهلية في الجزائر المقدرة ب200 ألف قتيل وكذلك الأوضاع الأمنية المتردية تأثير كبير على بعض المعتدلين من قياديي الحركة الاسلامية الذين قبلوا بالمصالحة والانخراط في العمل السياسي القانوني لتتشكل هكذا عديد الاحزاب الاسلامية سوف يؤدي وجودها الى اضعاف جبهة الانقاذ الوطني وتشتيت أصوات الاسلاميين في أي انتخابات وهو ما يفسر فشلهم في تشريعيات العاشر من ماي 2012 التي أكدت مرة أخرى رفض الشعب الجزائري للعنف وعدم استعداده للدخول مرة أخرى في حرب أهلية زيادة على ان الشباب الجزائري والذي يشكل 70% من الناخبين أصيب بصدمة كبرى بما حصل في الدول العربية التي كانت مسرحا للربيع العربي.