بالإضافة إلى الارتفاع الحاصل في حاجيات تونس من المحروقات والنفط أمام ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، تبدو الحكومة التونسية مقبلة على مرحلة لا تحسد عليها، نتيجة ارتفاع حاجياتها الاستهلاكية من الحبوب بجميع أنواعها، حيث بلغ حجم استهلاكها من هذه المادة، إلى نحو 31 مليون قنطار خلال العام الماضي، مقابل 25 مليون قنطار العام 2006. وترافق هذا الارتفاع، مع تطور الواردات التونسية من الحبوب التي مرت بسرعة من 19 مليون قنطار العام2006 إلى24.7 مليون قنطار سنة 2007. وحسب التقديرات الرسمية، من المتوقع أن يبلغ إنتاج البلاد من الحبوب خلال العام الجاري، معدّل 13 مليون قنطار، منها مليونا قنطار فقط من القمح اللين، المستخدم بكثرة في صناعة الخبز وشتى أنواع العجين التي تستهلك بكثرة في تونس، سيما منها المكرونة والكسكسي، اللذان يعدّان أحد أشهر وأفضل الأكلات التونسية والأوسع انتشارا في كامل البلاد. وقال عبدالعزيز الليلي، مدير ديوان الحبوب في تونس، في تصريح ل "الشرق"، إن كمية 13 مليون قنطار من الحبوب، لن تغطي سوى %47 فحسب من إجمالي حاجيات تونس الاستهلاكية من الحبوب خلال العام الجاري، مقابل%24 العام 2007، موضحا أن ذلك سيؤثر على حجم واردات البلاد من الحبوب، إلى نحو 14.5 مليون قنطار، بعد أن كانت في حدود 21 مليون قنطار العام المنقضي.. وتوقع عبدالعزيز الليلي، أن تصل نفقات الدعم الحكومي لواردات الحبوب خلال السنة الجارية، إلى حوالي413 مليون دينار(344.16 مليون دولار)، بعد أن تم حصر الأمر في حدود240 مليون دينار(200 مليون دولار) العام 2007. ضغوط صندوق النقد الدولي.. ورغم مطالبة صندوق النقد الدولي الحكومة التونسية، بإلغاء صندوق الدعم لتحسين مردود الاقتصاد التونسي وخفض العجز في الموازنة التونسية، الذي استقر في حدود3 في المائة منذ عدة سنوات، فإن الحكومة حرصت على التعامل مع هذا الملف بكثير من العقلانية وفق سياسة المراحل والتدرّج، لتجنيب البلاد هزّة اجتماعية كانت حصلت في العام 1984، فيما يعرف بثورة الخبز الشهيرة، التي جاءت إثر قرار الترفيع في سعر الخبز بما يزيد على100 بالمائة، للتقليل من تدخل صندوق الدعم.. وكان مسئولون في الحكومة التونسية، أعربوا في وقت سابق عن تخوفهم من الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الأولية والمنتجات الزراعية، وبخاصة الحبوب في الأسواق العالمية، نظرا لانعكاساتها الكبيرة على المالية العمومية، بالإضافة إلى تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. وتشير بيانات حكومية، إلى أن التونسيين ينفقون يوميا نحو مليون دينار (ما يعادل833 ألف دولار)، في استهلاك العجين بمختلف أنواعه، في مقدمتها الخبز... واللافت للنظر في هذا السياق، أن تونس تستورد ما قيمته360 مليون دينار (300 مليون دولار) من القمح اللين بشكل سنوي، بغرض تلبية حاجيات الاستهلاك التونسي من الحبوب. ويرى مراقبون، أن الحكومة مقبلة على فترة دقيقة في علاقة بملف الحبوب والمنتجات الزراعية، خاصة في صورة استمرار الارتفاع المسجل في أسعار هذه الموادّ في السوق العالمية، بما سوف يلقي بظلاله على المعيشة اليومية للمواطنين، الذين باتوا يتذمرون من ارتفاع الأسعار خلال المدة القليلة الماضية.