: حرصت هذه السنة وفي ذكرى الاستقلال التام المسلوب على عدم التفاؤل بما ستحمله لنا هذه المناسبة رسميا على الصعيد الوطني أو السياسي , ومن ثمة فقد توقعت في ظل تجربة حوار خضتها مع السلطة قبل أسابيع او قبل مايزيد عن شهرين بأن عقارب البوصلة تتجه رسميا الى مزيد من اطالة الأزمة وتمطيط اجال حالة الاحتقان , اذ أنه لاقابلية للدولة الغول بمراجعة رصيدها السياسي أو الحقوقي في ظل مايعتريها من حالة انتشاء نتيجة تدفق الدعم المالي الخارجي ونتيجة خلط أوراق اللعبة السياسية الداخلية بأوراق اللعبة السياسية الخارجية عبر ماتعتمده السلطة من مسالك لضرب الحريات ومصادرة الحقوق ونسف الحداثة القانونية والسياسية بطريق التوظيف السيئ وغير الأخلاقي لشعار التصدي للارهاب . ولئن اتفقت المعارضة بمختلف أطيافها السياسية في تونس على استقباح الظاهرة الأخيرة-الارهاب- وعلى عدم اتاحة الفرصة لتوفر شروطها ودعائمها عبر دعم مطلب الاصلاح الديمقراطي والسياسي الشامل ومن ثمة تحصين البيت التونسي بتزاحم الأفكار والثقافات في حركة اصلاحية وتنويرية تستفيد من رحيق الأصالة ومكاسب العصرنة ضمن الموازنة بين مطلبى الحفاظ على الهوية ومطلب الدمقرطة ..., الا أن السلطة وفي حيرة نخبوية تصل حد التعجب وفي ظل حالة قلق شعبي تصل حد الاحباط , حاولت بكل الأشكال صناعة الموات السياسي والاجتماعي عبر تدجين كل الأحزاب والجمعيات وكل الفضائات الحقوقية والثقافية والاعلامية المقاومة , وهو ماترتبت عنه حالة غير طبيعية من عزوف الشباب عن الانخراط في هياكل المجتمع المدني المناضل - مع استثنائات هنا وهناك طبعا - . حالة فراغ سياسي وحقوقي سيئ ومدمر لم تعوض عنها الا جرأة بعض الجمعيات الحقوقية التي خرقت جدار الصمت , فكانت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ومنظمة حرية وانصاف صوتان شجاعان أمام تراجع دور الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وانحسار غير مفهوم لدور المجلس الوطني للحريات ... أما على الصعيد السياسي فلئن غرق مشروع هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات في حوارات ذات اجندات ايديولوجية مباشرة , الا أن الحزب الديمقراطي التقدمي استطاع في ظل حالة الفراغ المقصود جلب الأنظار الى استراتيجية المقاومة المدنية الباسلة عبر انخراطه في عمل ميداني يومي جلب له الكثير من الأنصار والطاقات الشبابية الواعدة وكثيرا من الاحترام على مستوى النخب بالداخل والخارج ... العاقل والمراقب لاينفي أيضا الدور البارز الذي لعبه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في السنوات الأخيرة في عملية استنهاض الجسم المعارض بالداخل والخارج , الا أن حجم التشويش الذي مورس من قبل السلطة على هذا الحزب كان كفيلا في ظل تعقد الوضع الداخلي وتصاعد حالة الاحتقان بتجميد بعض هياكله أو اضعافها فوق التراب الوطني أو حتى فوق التراب الفرنسي أين يتواجد حاليا واحد من أبرز قادة المعارضة التونسية ورئيس المؤتمر من أجل الجمهورية الطبيب المنصف المرزوقي . الساحة التونسية المعارضة في ظل قرب الاستحقاق الرئاسي المزمع تنظيمه سنة 2009 بدت على مستوى الزعامات عرضة للاستهداف القانوني الاستثنائي عبر عملية اقصاء مدروسة وقع تضمينها سابقا في المجلة الانتخابية أو ربما حتى في بعض مفاصل الدستور ... أمام هذا المشهد لم يكن من بد أمام الأستاذ أحمد نجيب الشابي وهو واحد من أبرز وألمع المعارضين التونسيين الا أن يعتمد سياسة الاعلان الاستباقي للترشح للانتخابات الرئاسية برغم كل العراقيل السياسية و"القانونية" المذكورة , ومن ثمة فقد شرع في حملة انتخابية على الطريقة الأمريكية حين بدأ في الاتصال المباشر بقواعد حزبه والجماهير سنة ونصف قبل انطلاق الحدث الانتخابي الأبرز والأهم ... واذ لم يكن مستبعدا أن تعمد السلطات الى حيلة قانونية لاستبعاد الترشح الشرعي والسليم للأستاذ الشابي مع قرب موعد تعديل المجلة الانتخابية في الغرض , الا أن الغريب هو أن يفاجأ التونسيون في خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الاستقلال بالحديث عن قرب تعديل الدستور قصد السماح لرؤساء الأحزاب الحاليين والمباشرين لمهامهم بالمشاركة في هذا الاستحقاق , وهو ماعنى أن الخطاب الرئاسي قصد وفي غير ريبة وشك اقصاء الأستاذ الشابي بصفته رئيسا سابقا للحزب التقدمي وليس رئيسا حاليا مباشرا لمهامه ... بالنظر الى موضوع هذا التعديل الدستوري الذي بشر به الخطاب المذكور فانه ليس للتونسيين أن يختاروا رئيسهم بحرية , اذ أن واقع ولسان الحال يقول بأن الرئيس يختار منافسيه وليس الشعب التونسي ! لقد كان بوسع الرئيس بن على أن يبتعد بخطاب 20 مارس أو خطاب ذكرى الاستقلال عن هذا الموضوع أو أنه يعلن عن فتح باب الترشح للرئاسيات وبموجب تعديل قانوني ودستوري لجميع من يرى في نفسه الكفاءة لهذا المنصب من التونسيين والتونسيات ... لم يحدث هذا وهو ماكان متوقعا جدا في الأوساط السياسية المعارضة , ومن ثمة فان خيار المقاطعة للانتخابات أو فرض خيار ترشيح الأستاذ الشابي وغيره عبر حملة شعبية ودولية يعدان خياران ممكنان في الأشهر والأسابيع القادمة ... لاأمانع شخصيا في موضوع اعادة ترشيح الرئيس الحالي لدورة جديدة غير أن المنافسة الانتخابية الرئاسية لابد أن تقع على أرضية اتاحة نفس الفرصة لكل من يرى في نفسه الكفاءة لهذا المنصب , وهو مايعني أن الخيار والترجيح الانتخابي لابد أن يترك للارادة الشعبية الحرة بقطع النظر عما يمتلكه حزب الدولة من قدرات تعبوية ومالية غير طبيعية ... تونس في تقديري المتواضع ستكون بموجب هذا التنقيح الدستوري غير العادل أمام أزمة دستورية وسياسية حقيقية لايمكن التعويض عن خسائرها الفادحة الا برفع حالة الاحتقان عن الفضاء العمومي وتحرير كل سجناء الرأي واستعادتهم لحقوقهم الوطنية المشروعة مع تحرير مواز للاعلام واعادة الاعتبار للسلطة الرابعة كي تؤدي وظيفتها الفاعلة كعين امينة على مايتهدد الرأي العام من مخاطر حقيقية في ظل تصاعد حالة الاحتباس الديمقراطي وتراجع المنظومة السياسية للدولة عما قدمته من وعود في قضايا الحريات والحكم الرشيد ... ملف اخر وليس بالأخير لاينبغي الغفلة عنه في ظل تصعد وتيرة مطلب الاصلاح ببعده السياسي بمناسبة قرب تاريخ الاستحقاق الرئاسي , حيث أن قضايا الوضع المعيشي والعدالة الاجتماعية والاستجابة لمطامح الشباب على مستوى التشغيل وتوفير فرص التألق والابداع تعد ملفا لايقل أهمية عن ضرورة استرجاع التونسيين والتونسيات لحرياتهم الأساسية وكرامتهم الحقوقية من دولة غول أهدرت عظيما من محصلات الاستقلال الحقيقي . كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 22 مارس 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected] المدونة