زلزال شمال الجزائر لم يُشعر به التونسيون    حادث مرور أليم في نابل: وفاة عاملة وإصابة أكثر من 20 آخرين    تونس: تحذير من تركيب الأظافر    اعتداء يثير الغضب: طبيب مقيم يتعرض للعنف في مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس    تونس: نحو قانون جديد للخدمة الوطنية وتحسين الحوافز المخصصة للجنود    طقس اليوم : الحرارة في ارتفاع    28.500 سرير في مبيتات الشمال جاهزة للطلبة الجدد    عاجل/ بشرى للتونسيين: كلغ العلوش ب38.900 دينار بداية من هذا التاريخ..    قليبية... معرض المنتوجات المحلية بسيدي عبد السلام يحقّق الامتياز..    مهنة وتاريخ..رُعاة الأغنام .. حُماة ثروتنا الحيوانية    صفاقس...من الصبارس الى الشلبة والميلة والكرشو والمداس.. اقبال كبير على «حوت اوت» في سوق باب الجبلي    خبير اقتصادي: النمو الاقتصادي في تونس.. أرقام على الورق ومعاناة في الواقع    فظيع/ أب لطفلين وزوجته حامل: وفاة عون "ستاغ" أثناء عمله والشركة تتعهد..    قصة نجاح: عمر الطويهري «جنجون»: مطرب راب مبدع وممثل صاعد    استشهاد 3 فلسطينيين واصابة آخرين من منتظري المساعدات..#خبر_عاجل    ترامب: استعادة القرم وعضوية الناتو أمران غير واردين لأوكرانيا    لاريجاني: إيران رممت قدراتها بعد الحرب الأخيرة    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة تمهيداً للقاء ترامب    عاجل/ زلزال يضرب هذه الولاية الجزائريّة..    ريحة البلاد ... محمد الهادي بن علي العبيدي (اصيل الكريب مقيم بفرنسا).. تونس الحبّ... دائما في القلب    المحرس...مشاريع معطّلة ومؤهلات سياحية مهدورة    الف مبروك: علاء عباسي (باكالوريا تقنية) اهدى نجاحي الى روح والدي    الزهروني: الاحتفاظ بشاب من أجل الإيهام بجريمة    في جريمة هزت الرأي العام: مقتل لاعبة جيدو على يد زوجها..وهذه التفاصيل..    صيف وضيف...الفنّانة التشكيليّة الشابة غادة عسكري (حمام الأنف).. .. رؤى الحداثية لإبراز التّراث العربي الإسلامي    توم كروز يحرج ترامب!    وفاة عون "الستاغ" بسوسة.. النقابة تدق ناقوس الخطر حول شروط السلامة    5 مخاطر غير متوقعة لتناول البروتين بكثرة    مهرجان قرطاج يكرّم فاضل الجزيري بعرض فيلم "ثلاثون"    المنتخب الأسترالي يفوز بكأس آسيا لكرة السلة للمرة الثالثة تواليا    ألمانيا تتوج ببطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عاما لأول مرة في تاريخها    حكايات وحِكم.. يجود علينا الخيّرون بمالهم.. ونحن بمال الخيّرين نجود    استراحة صيفية    «حَرب» تصريحات بين الحيدوسي والهيئة ..ماذا يَحدث في النادي البنزرتي؟    تاريخ الخيانات السياسية (49)...توزون يفقأ عيني الخليفة المتّقي    وصول الفنانة الإماراتية أحلام إلى تونس    'فيلم رعب' بأحد أسواق مصر.. اشتباكات مسلحة ورصاص كالمطر    ملتقى لوفان البلجيكي لألعاب القوى.. العيوني يحصد فضية سباق 800 متر    أنغام لا تزال تعاني.. تطورات جديدة في حالتها الصحية    عاجل/ إيقاف المعتدين على حافلة وعربة المترو 6..    كأس إفريقيا لكرة السلة.. المنتخب التونسي يحقق فوزه الأول    أم كلثوم حاضرة بصوت مي فاروق في مهرجان قرطاج الدولي    أكثر من 804.8 ألف تونسي تحصلوا على قرض من مؤسسات التمويل الصغير    هل السباحة ممكنة خلال اليومين القادمين؟..    مخبر النسيج بمعهد الدراسات التكنولوجية بقصر هلال يقوم بتسجيل 40 براءة اختراع 3 منها خلال السنة الجارية (مديرة المخبر)    تيمور تيمور غرق وهو ينقذ ولدو... وفاة صادمة للفنان المصري    كميات الأمطار المسجّلة في تونس خلال 24 ساعة الأخيرة    ورشات في التحليل السينمائي من 20 الى 23 اوت القادم بمنزل تميم    حركة انتقالات نشطة للترجي: لاعب برازيلي يرحل ولاعب جزائري ينضم    قبل ما ترقد، تستعمل التليفون.. أما تعرف شنوّة تأثير الضوء الأزرق عليك؟    جربة: انطلاق اشغال ترميم جامع بن معزوز    "الصوناد" توفّر خدمة الإرساليات القصيرة المجانية الخاصة بفواتير الاستهلاك    "واشنطن بوست": محادثات ترامب مع زيلينسكي وقادة الاتحاد الأوروبي بعد القمة كانت متوترة    وزارة التجهيز تدعو الى استعمال الطريق الرومانية بسبب اضراب اعوان بطاحات جربة    الحرارة بين 29 و40 درجة: تقلبات جوية مرتقبة بعد الظهر...بهذه المناطق    النادي الافريقي: راحة بيومين للاعب فهد المسماري    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون ومأزق السياسة في مجال الممارسة

كيف انعكس الانقلاب على نتائج الانتخابات على القوى الإسلامية المحلية وفي جوارها (تونس) وغيرها من الحركات والمنظمات.
أحدثت الصدمة الجزائرية ردود فعل متباينة وصلت إلى حد التناقض بين معلن أكد تجديد تمسكه بالديمقراطية، وبين رافض جدد شكوكه السابقة، وبين متردد ومحتار وشامت.
منذ اليوم الأول للانقلاب واعتقال معظم الفائزين في الانتخابات وأسرهم في معسكرات معزولة في الصحراء الحارقة شكلت القوى المسلحة التي ترفض مقولة الديمقراطية رأس الحربة لمواجهة انقلاب الموقف وانفلاته من كل الضوابط الدستورية والإنسانية بينما انكفأت القوى المسالمة التي تلتزم الديمقراطية وتؤيد شروطها ونتائجها والتزمت الصمت بعد أن أصابها الذهول من ردة فعل نخبة الدولة وشراستها في الدفاع عن امتيازاتها التي اكتسبتها من خلال الحكم من طريق الاستيلاء والغلبة.
بعد الصدمة، أخذت التحليلات والمراجعات بالظهور وانقسمت كالسابق على خطين كبيرين الأول يجدد الدعوة للجهاد بصفته الوسيلة الشرعية الوحيدة للتغيير وإقامة حكم الله. والثاني أكد ضرورة التمسك بالخيار الديمقراطي وسيلة سلمية تخفف ضغوط الويلات والمصائب عن الشعب. ويشكل موقف علي بلحاج المضطرب منطقة تجاذب وسطى تتأرجح فيها مختلف التصورات التي تجمع بين قلق الشاب وتخوف الشيخ.
وبما أن موقف بلحاج يمثل نقطة التقاطع بين التيارين القابل والرافض فإن قراءة تصوراته التي تعكس موقفه المزدوج (الشاب والشيخ) وقلقه العقائدي وتردده في الميل بين تيار الشيخ عباسي مدني (المفرط في رهانه على الديمقراطية) وتيار الجماعات المسلحة (المتهور في رفضه للديمقراطية) تشكل قاعدة لرؤية مختلف الاتجاهات الإسلامية.
تأرجحت مواقف بلحاج المتردد في قبول الديمقراطية نظرياً وشاهده على الأمر هو القرآن الكريم الذي يشكك بالأكثرية ولا يرى أن الكثرة هي التي تقرر الحق والحقيقة لأنها قد تتغير وتتقلب من جهة إلى أخرى، وبين قبوله خوض التجربة الديمقراطية عملياً على أساس أن الممارسة المذكورة قد تنتج الخير وتعطي دفعة إلى الإمام للإسلام والمسلمين. وبين الموقفين النظري والعملي صاغ الشيخ الشاب نظرية مركبة تعكس ذاك الاضطراب والتردد في حسم الخيار النهائي، فهو يؤكد أن الحكم يجب أن يكون على أساس الشريعة ويميز بين الشورى والديمقراطية لأن الأخيرة تقوم على الغالبية... والأكثرية ليست دائماً على حق. لكنه وافق على حق المعارضة بالتشكل والتظاهر والإضراب، وأكد ضرورة استماع الحاكم لرأي المعارضة واستمزاج مواقفها إلى جانب وجود ولاة الأمر الذين ينصحون الحاكم.
وضع بلحاج الكثير من الشروط التعجيزية لقبوله الديمقراطية لكنه في النهاية وافق عليها على رغم قناعاته بعدم جدواها في اعتبار أن القرآن الكريم يتضمن 37 آية تنص على عدم جواز الأخذ بالأكثرية أو تحذر من الكثرة. حتى يكون منسجماً مع تأرجحه أيد ترشيح مئات الأعضاء من «جبهة الإنقاذ» لخوض الانتخابات ورفض ترشيح نفسه عن أية دائرة على رغم أن فوزه كان شبه مضمون.
تعكس حيرة الشاب - الشيخ ذاك القلق الداخلي الذي يؤرق تفكير المثقف المتدين وضياعه بين مبدأ الحق المنزل وحق الناس في الاختيار الحر، وأوقع تأرجح علي بلحاج خصومه في حيرة مضادة إذ صنفه فريق مع جماعات الجهاد وصنفه آخرون مع الخيار الديمقراطي. (راجع فصل الشورى في دراسة كميل الطويل،The Tension Between the Traditional and the modern in Ali Ben Hajjs Thoughts صفحة 24 - 27. دراسة جامعية عن التقاليد والحداثة في فكر علي بلحاج).
أما الشيخ عباسي مدني الذي جرف حماسه للديمقراطية صناديق الاقتراع أقدمت دبابات النخبة المستبدة على جرفه واقتلاعه مع برلمانه المنتخب واعتقالهما في صحراء الجزائر.
وسط ضجيج الديمقراطية الذي عم الجزائر لفترة قصيرة تميزت مواقف الشيخ محفوظ نحناح بالهدوء والروية والتوازن، فالشيخ العتيق والمحنك هو الوحيد على صلة بالإخوان المسلمين وأفكار الحرية وتجاربها المرة، وهو أمر أتاح له فرصة التعلم من محنها وويلات ظلم الأنظمة واستبدادها. وبسبب معرفته تلك وصلته بأفكار المؤسس حسن البنا نجح في تنظيم أفكاره وتركيب موقف متوازن بين تهور أعداء الديمقراطية وتهور أنصارها. وأدرك رئيس حركة «حماس» الجزائرية منذ اللحظات الأولى أن من يمارس الاستبداد طوال ثلاثة عقود من الزمن لا يمكن أن يتحول إلى ديمقراطي يوافق على خيارات الناس في أقل من ثلاثة شهور. وربما على القياس المذكور صاغ الشيخ نحناح مواقفه التي تحذر من القفز فوق المراحل وحرقها ودعا إلى المساومة ومشاركة نخبة الدولة في السلطة وعدم تخويفها بالغالبية الساحقة. ربما كان نحناح يراهن على عدم صدقية السلطة وربما كان يتوقع منها أن تبادر إلى اقتلاع البرلمان إذا وجدت نفسها أقلية سياسية في وسط بحر من الجماهير الساخطة على سياساتها الاستبدادية.
لذلك تعرضت مواقف الشيخ نحناح إلى الانتقادات الجارحة من قبل الجماعات المسلحة التي تقول بالجهاد، ومن جهة القوى الإسلامية التي تقول بالديمقراطية واتهم مراراً بالانتهازية والتعامل مع السلطة وأحياناً التعاون مع أجهزة الدولة ضد الإسلاميين.
لم يتراجع الشيخ نحناح عن مواقفه بل أبدى مراراً خوفه على الجزائر من المتطرفين وكرر مقولاته الداعية إلى المصالحة والتقاسم أو المشاركة بالحد الأدنى من التمثيل البرلماني حتى لا يطاح بالتجربة الديمقراطية الفتية. ركز الشيخ نحناح على النفس الطويل والاستفادة من الثغرات وتطوير العملية الديمقراطية بروية وهدوء ومن دون انفعال حتى لا يتم تخويف القوى المستفيدة من النظام والقوى المتضررة من الديمقراطية فتقوم بالانقلاب على الناس وتلغي نتائج الاقتراع وتعود من جديد إلى التفرد بالحكم من طريق القوة والاستيلاء.
للأسف كانت توقعات الشيخ نحناح صحيحة، إذ لم تغره مظاهر الديمقراطية ولم ينخدع بمرونة نخبة السلطة، واستمر يشكك بصدقية تغيُّر توجهها المباغت من الاستبداد إلى الحرية إلى أن وقع المحذور.
ربما تكون حكمة الشيخ نحناح جاءت من حكمة الإخوان، فهو الوحيد على صلة بها وينتمي إليها وهو مطلع على تجاربها وما حل بها من نكبات وكوارث، بينما معظم عناصر جماعات الجهاد وتنظيمات الجماعة والجبهة الإسلامية للإنقاذ جاء من خارج مظلة الإخوان وترعرع في مناخات جدران حزب الاستبداد وتسلط النخبة.
يقول نحناح في تقييمه للتجربة: «بقدر ما كانت انتخابات 1991 تعبر عن تمسك الشعب الجزائري بإسلامه، فقد كانت تعبر أيضاً عن إصرار الأجيال الجديدة على الانتقام من السلطة التي حكمته وخيبت آماله. إذن فالمعالجة الحقيقية للأزمة يجب أن تستهدف بشكل أساسي تصحيح الخلل في فهم الإنسان والدولة وإعادة التوازن والاستقرار إلى النظام السياسي والاقتصادي والإدارة والمنظومة الثقافية والمجتمعية...» (البرنامج البديل، صفحة 31 - 32). ويركز نحناح على عامل الدولة ودورها في ضبط التوازن. وبرأيه «لا يمكن أن يتحول الإسلام الذي جمع شعبنا ووحده وصاغ شخصيته وهويته إلى عامل تفريق أو تجزئة إلا إذا تخلت الدولة عن مسئولياتها تجاهه». ويدعو نحناح في برنامجه الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية التي جرت في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1995 وقاطعتها مختلف القوى السياسية والإسلامية، إلى نظام سياسي جديد يخرج البلاد من «النظام الأحادي إلى نظام سياسي جديد يعتمد التعددية الديمقراطية والمبادئ الجمهورية، وينظم المنافسة السياسية في إطار المؤسسات التمثيلية» (محفوظ نحناح، البرنامج البديل، المؤسسة الجزائرية للطباعة، 1995، صفحة 39، 47). ويشرح نحناح وجهة نظره من الديمقراطية في حوارات جمعها إبراهيم بن عمر في كتاب بعنوان «رجل الحوار» وبرأيه «إن موضوع الديمقراطية نظرياً وعملياً تعارضت فيه الأدلة، ومن هذه المعاني وغيرها نجد الحركة الإسلامية تجعل الديمقراطية أداة من الأدوات السياسية التي تتعامل بها مع غيرها» (إبراهيم بن عمر، رجل الحوار محفوظ نحناح، الجزائر 1995، صفحة 105).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.