على حافة نهج صغير، في أحد الأحياء الشعبية، وقف شاب في أواخر عقده الثاني ينتظر سيارة ستأتي من الاتجاه المقابل... الشاب لم يكن مرتبكا، كان يقف بثقة كاملة ويضع يديه في جيب سترته. وبعد أقل من خمس دقائق وصلت السيارة، يقودها كهل في عقده الرابع وصعد الشاب ثم انطلقت السيارة لتتوقف بعد نحو كيلومتر واحد لينزل الشاب ويتوجه إلى إحدى المقاهي ويطلب مثل بقية الحرفاء قهوة... لم أكن لأراقب هذا المشهد، لولا أن أحد الأصدقاء الذي أكد لي أن هذا الشاب معروف بترويج "الزطلة" وسبق أن ألقي عليه القبض، لكنه مازال يمارس "المهنة"... والمشكلة أن عددا من شباب الحي مرتبطون به بعضهم يعرف نشاطه والبعض الآخر لا يعرف. هذا المشهد ربما يتكرر في مناطق وأحياء أخرى مادام هناك ضحايا لهؤلاء... يقبلون على استهلاك هذه المواد الخطيرة ويدفعون من أجلها من "مصروف" أهلهم وذويهم. ومشكلة المخدرات في تونس واستهلاكها بين الشباب مشكلة حقيقية، لا يمكن التهرب منها. صحيح أنها مقارنة بعدد من البلدان الأخرى تعتبر محدودة... لكنها تمثل مشكلة حقيقية وجب الاهتمام بها ومتابعتها. قبل أيام نشرت دراسة أعدها معهد الصحة العمومية على عينة من 2593 شابا أعمارهم بين 15 و24 سنة، جاء فيها أن 10% منهم استخدم المخدرات.... وأن 33% يواصل تعاطيها... و3.5% يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن. وكانت دراسة أخرى حول الموضوع ذاته كشفت أن 93% من المدمنين هم من فئة العزاب وأن 78% استخدموا المخدرات قبل سن العشرين، وأن 63% من الفئة موضع الدرس (الدراسة اهتمت ب 367 مدمنا وامتدت لخمس سنوات) تراوحت أعمارهم بين 15 و20 سنة.أما من ناحية التوزيع الجغرافي فقد كشفت الدراسة أن أكبر نسبة من متعاطي المخدرات يوجدون في ولايات تونس ونابل وباجة والمهدية. هذه الأرقام تكشف أهمية مشكلة المخدرات في تونس، رغم أنه لا تتوفر أرقام دقيقة حول نسبة المتعاطين... ولم تصدر أي جهة إلى حد الآن أرقاما حول هذه المشكلة... ومن جهة أخرى تمكنت قبل أسابيع إحدى الفرق الأمنية من إحباط تهريب أكثر من ألف كيلوغرام من المخدرات تقدر بقيمة خمسة ملايين دولار ووصفت هذه العملية بأنها أكبر عملية من نوعها في تاريخ البلاد. وقد تساءل عدد من المراقبين: ماذا لو لم يتم إحباط عملية التهريب هذه؟... الأكيد أن النتائج ستكون وخيمة جدا... وستجد هذه السموم مكانها في عقول الشباب. إن مشكلة المخدرات، يجب أن تجد مكانها في الحوار مع الشباب، وخاصة ما الذي يدفع شبابا في مقتبل العمر نحو هذه السموم... يجب الاستماع إلى هؤلاء وفهم حقيقة دوافعهم مهما كانت "بسيطة" أو "غير مقبولة" حسب البعض...