شاهد كل التونسيون لقطات الإستقبال الأسطوري الذي خص به الرئيس الفرنسي بمناسبة زيارته لتونس كما عانى كان العاصمة تبعات هذه المسرحية الضخمة التي سخرت لها مدينتهم لإبهار الضيف الكبير. ويمكن اليوم وحتى قبل انتهاء هذه الزيارة تقييم حصيلتها ومقابلة ما جلبته لتونس و ما أخذته منها. الرئيس الفرنسي قال بصريح العبارة أنه جاء لتونس للتعبير عن تقديره و مساندته للرئيس بن علي و أضاف في كلمته خلال مأدبة العشاء أنه لم يأتي لتلقين دروس في احترام حقوق الإنسان أو غيرها. لذلك فإن نتائج الزيارة لم تخرج عن طبيعة العلاقات التقليدية بين دولة عظمى ديموقراطية متطورة و إحدى دول العالم الثالث المحكومة بالإستبداد من طرف سلطة يتلخص همها الأول في إحكام قبضتها عليها و فرض الخضوع على شعبها. لذلك لم تكن مساندة و تقدير الرئيس ساركوزي للرئيس بن على بالمجان إذ بلغت قامة تكلفتها حتى الآن ألف و سبعمائة مليون أورو و هو رقم لو ترجمناه بالحساب المحلي يساوي ضريبة مساندة فرنسية بمائتين و خمسين دينار على كل فرد من أفراد الشعب التونسي. نحن في تونس ليس لنا مشاكل مع شراء طائرات أو مولدات نووية فرنسية و لو أننا اضطررنا في المرة الماضية إلى إعادة بناء محطاتنا حتى تتلاءم مع القاطرات التي باعوها لنا. كما أننا لسنا بالسذاجة لنحلم بمساندة مجانية من دولة عظمى مثل الدولة الفرنسية و لكننا كنا فقط نحلم أن لا يكون معلوم المساندة الذي سندفعه رغما عنا مقابل مواصلة اضطهادنا و تكميم أفواهنا و تشريد أبنائنا و تواصل احتجاز و تغريب الآلاف منا و التشجيع على زيادة احتكار خيرات بلادنا و حرماننا من أبسط الحقوق و أدنى الضمانات للمطالبة بحقوقنا. الزمن الحرام هو هذا الزمن الذي يسخر من حالنا فنحتفل بمن جاء يعكر جراحنا و يعمق مآسينا. زيارة الرئيس ساركوزي جاءت لتقطع حدادنا. إنه غير الحداد الذي قد يذهب في ضنه أننا نشير إليه. و ربما يكفي أن نسأله فقط ليتبين حال بلده من حال بلدنا هل كان سيقوم بزيارته لو أن كارثة حلت ببلده ذهب ضحيتها ما يزيد عن العشرين من شبابه لا لذنب سوى أنهم لم يجدوا مجال للعمل وضاقت دونهم كل سبل الحياة فحاولوا الفرار منه.