يا له من منظر سريالي وملك سوقي يخطب في ذكرى انتصاب نظام سياسي لم يطبق يوما والنظام الجمهوري مبني على التداول على السلطة وسيادة الشعب وعلوية القانون...أي كل الأشياء التي كرّس هذا الرجل حياته لمحاربتها وأخذ عن سلفه إرادة التحايل عليها والتغطي بها لتمرير النظام الحقيقي الذي تعيش عليه الجملكية التونسية. نفس الشيء يوم 20 مارس والاحتفال هذه المرة باستقلال فارغ من كل مضمون وتونس مثل كل أقطار الوطن مجرّد محمية، تخلص المستعمر القديم من أعباء إدارتها مباشرة وأوكل بالأمر للوكيل العام . حدث ولا تسل عن ذكرى انقلاب 38 أكتوبر وهي أفرغ من فؤاد أم موسى. إنه يوم يجب أن تنكس فيه الأعلام وترفع شارة الحداد على كل البيوت وتوضع على كل الصدور، وتونس يومها تدخل مسارا استبداديا قادها إلى مستويات غير مسبوقة في التعذيب وإرهاب الدولة والفساد وخراب القيم يبقى قصب السباق في هذه " الأعياد"للعاشر من ديسمبر ودكتاتور-أجمعت كل منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية على عمق وتواصل وخطورة تعديه على ابسط الحقوق- ينتصب خطيبا يحتفل بما ينتهكه إناء الليل وأطراف النهار. ربما لا يوجد مشهد أكثر إثارة للضحك من هذا لمشهد والكذّاب الأكبر يكذب بصفاقة ، بركاكة، بصحة رقعة تكاد تجعل من خطابه هذيانا صرفا ومن " الاحتفال" كوميديا مبكية أو تراجيديا مضحكة وفي كل الحالات مشهدا سرياليا. الغريب والمشين في الأمر ليس هذا الرجل الذي لا خيار له غير مواصلة المضي في نفس الطريق المسدود إلى لحظة انتهاء اللعبة. كلا كلاّ الغريب موقف مئات الأشخاص الجالسين أمامه وهم يستمعون للدكتاتور في كل هذه المناسبات كما لو كانوا في صلاة الجمعة والإمام يقرا لهم القرآن ، والحال أنهم أول من يعلم أن الرجل يكذب وأنه يعلم أنه يكذب وأنه يعلم أن كل الناس تعلم أنه يكذب ، ومع ذلك لا احد قام يوما من مقعده ليقول كفى من كل هذا العار. الأغرب من هذا كلّه موقف جلّ التونسيين وكل ما يهمهم استغلال يوم عطلة إضافي ، أو كأن مقاطعة هذه الطقوس السخيفة كاف لكي يبرءوا ذمتهم من تواصلها متى تعود لهم - وللعرب عموما - قدرة الغضب لكي تنتهي طقوس تستبلههم وتحتقرهم وهي تذكرهم مناسبة بعد مناسبة وسنة بعد أخرى انهم رعايا لا مواطنون. منصف المرزوقي الاربعاء 23 تموز (يوليو) 2008.