كثّف الرئيس المصري حسني مبارك جولاته الميدانية ولقاءاته الرسمية خلال يونيو الجاري بصورة يرى مراقبون أنها غير مألوفة في هذا الوقت من العام، ويشيرون إلى أن قسمًا من هذه الجولات لم يكن معتادًا من جانب الرئيس. وجاءت الجولات على مدار الأسابيع الماضية متزامنة مع تسريبات متكررة أطلقت في نهاية مايو الماضي عن تعرض الرئيس المصري لوعكة صحية وقفت عائقًا أمام قيامه بمهامه. وتنوعت جولات الرئيس بين زيارته لمنشآت عسكرية ومصانع تابعة للقوات المسلحة وعدة مشروعات في محافظات القاهرة وسيناء والغربية (وسط الدلتا) والفيوم (80 كم غرب العاصمة)، إلا أن قسمًا منها لم يكن معتادًا أن يقوم به الرئيس، كما يلفت مراقبون سياسيون مستقلون. فقد أحيا مبارك عادة قديمة مارسها عقب توليه مقاليد الحكم في مصر منذ 26 عامًا، حيث قاد سيارته الرئاسية -مرسيدس سوداء- بنفسه في جولة قام بها في الفيوم. وسبق له أن تجول بها بين القاهرة والإسماعيلية شرقًا وداخل منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر في تسعينيات القرن الماضي. وبينما كان متجهًا إلى زيارة منشآت عسكرية أخرى يوم 27-6-2006 فوجئ أهالي قرية "قحافة" التابعة لمحافظة الفيوم بسيارة فخمة يقودها رئيس الجمهورية بنفسه. ومضى ركب الرئيس مسافة 20 كم فيما واصل مبارك السير بالسيارة التي يقودها بين قرى الفيوم وسط تحية أهلها البسطاء الذين فوجئوا بالموكب الرئاسي وهم غير مصدقين. وصدق المواطنون عيونهم بعد أن اطلعوا على الجرائد الصباحية في اليوم التالي للزيارة وقرءوا خبرًا عن الزيارة التي أفردت لها الصحف الحكومية مساحات كبيرة. كان لافتًا أيضًا قيام الرئيس مبارك بزيارة مفاجئة إلى المنطقة المركزية العسكرية والصاعقة والمظلات بمدينة أنشاص (40 كم شرق القاهرة) يوم 21-6-2006، حيث شهد عرضًا للقوات الخاصة من رجال المظلات والصاعقة والتقى برجال المنطقة المركزية العسكرية بالمدينة. وألقى كلمة حيّا خلالها رجال القوات الخاصة وتناول "قضايا الوضع الإقليمي والدولي والعمل الوطني على طريق المستقبل". وقال مبارك في خطاب سياسي بهذه المناسبة: "إننا نعي ارتباط أمن مصر القومي بأمن واستقرار الشرق الأوسط، وارتباطه بأمن الخليج والبحر الأحمر، وبالوضع في السودان ودول حوض النيل وإفريقيا، وسنواصل التحرك على هذه المحاور من أجل تحقيق السلام والاستقرار". وتوجّه مبارك عقب افتتاحه متحف الفن القبطي بمصر القديمة (جنوبالقاهرة) الإثنين 26-6-2006 إلى مقر وحدات الحرس الجمهوري بمصر الجديدة (شرق العاصمة)، حيث جلس لساعات مع ضباط الحرس وتفقد المنشآت الحديثة في المقر الذي يبعد عدة أمتار عن مكتب مبارك الرئاسي. وكثف الرئيس خلال الأسابيع المنصرمة من جولاته الميدانية المعتادة، حيث قام بزيارة لمحافظة الغربية في وسط الدلتا افتتح خلالها جسر (كوبري) كفر الزيات الجديد على النيل، كما افتتح الرئيس في نفس الجولة الطريق الدائري الجديد حول مدينة طنطا الذي تجول عليه بالسيارة بطول 28 كم. وفي نهاية جولته، أعطى الرئيس إشارة البدء لتشغيل محطة الصرف الصحي بقرية فيشا سليم التابعة لمركز طنطا. ويوم 6-6-2006 بدأ الرئيس جولة ميدانية جديدة بافتتاح محور التعمير بالطريق الدولي الساحلي بمدينة برج العرب (غرب الإسكندرية) الذي يربط بين مصر وليبيا. كما كثف الرئيس من لقاءاته السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث عقد يوم 4-6-2006 اجتماعين مع نواب الحزب الوطني الحاكم الذي يرأسه، والتقي بنواب البرلمان من 5 محافظات وأمناء الحزب الجدد الذين تم تعينهم في أوسع حركة تغيير شاملة لأمناء الحزب في المحافظات. وحفل برنامج الرئيس بعدد من اللقاءات المهمة مع زعماء عرب وأجانب تمت أغلبها في منتجع شرم الشيخ. وبدأت بلقاء العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في الأسبوع الأول من الشهر الحالي تلتها مقابلات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد. وتعدّت جولات مبارك على الحدود المصرية، حيث توجه إلى الجماهيرية الليبية تلبية لدعوة من العقيد معمر العقيد القذافي للمشاركة في قمة دول تجمع الساحل والصحراء في طرابلس الغرب يوم 6-6-2006 التي ناقشت تطورات أزمة إقليم دار فور بغرب السودان. وشهد النصف الثاني من يونيو الجاري مزيدًا من اللقاءات السياسية، حيث التقى في مقر الرئاسة في نفس الوقت مع كل من تيري رود لارسن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لبحث تطور الأوضاع بدارفور. كما اجتمع الرئيس المصري مع ديفيد وولش مستشار الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط؛ لبحث التطورات على الساحات الفلسطينية والعراقية والسورية واللبنانية. واستقبل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، وناقش معه التحرك العربي لحل الأزمة السورية - اللبنانية. والتقى أيضًا مع كبير المفاوضين في الملف النووي الإيراني علي لاريجاني لتدارس الأزمة النووية الإيرانية مع الغرب. ويرى الدكتور نبيه العلقامي عضو مجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان المصري) والقيادي بالحزب الوطني الحاكم، أن الجولات التي يقوم بها الرئيس مبارك بالمحافظات تأتي في إطار تعهدات وعد بها الرئيس مبارك المواطنين بالعمل على تنفيذ عدد من المشروعات الخدمية. ووصف العلقامي تحركات الرئيس بأنها روتينية في الوقت الذي يعتبرها مراقبون متزايدة وبعضها لا يتكرر كثيرًا، خاصة أن الرئيس مبارك تعرض لوعكات صحية خلال العامين الماضيين جعلته يبطئ من تحركاته داخل البلاد خلال 15 شهرًا التي سبقت ترشحه للرئاسة في خريف 2005. *نشر بتاريخ 29 جوان 2006