تواجه البنوك الغربية وضعا غير مسبوق يدفع كل منها الى طلب عشرات المليارات من الدولارات لحماية قدرتها على تسيير عملياتها. وبانتظار الإعلان عن خطط معونات عاجلة، فان موجة جديدة من الذعر دفعت البورصات الأميركية والأوروبية والآسيوية الى مستويات أدنى الثلاثاء من المستويات التي وصلتها في يوم "الاثنين الأسود" الذي سبقه. وما لم تتضح صورة خطط الإنقاذ، او ما لم تبدو كافية وجذرية وشاملة، فان اغلب توقعات المراقبين تذهب الى القول ان بنوكا عديدة اخرى ستنهار، وان الأزمة لن تصل الى مخرج قبل ان تشهد الأسوأ. وكان خطط الاحتياطي الفدرالي الاميركي (البنك المركزي) التي اعلنها الثلاثاء فشلت في تهدئة الأسواق. وقال البنك انه سيشتري سندات خزينة للسماح للمؤسسات بضمان حاجاتها غير المتوقعة من السيولة لتحريك سوق اصيبت بالشلل التام. واضانه انه سيضع بنية متخصصة تشتري سندات خزينة مدتها ثلاثة اشهر، سواء اكانت مضمونة باصول ام لا، على ما افاد الاحتياطي في بيان. وقالت وزارة الخزانة الاميركية "تعتبر ان هذا التسهيل لازم للحؤول دون اصابة الاسواق المالية والاقتصاد بتفكك كبير". واوضح الاحتياط الفدرالي ان هذه الاداة المالية الجديدة سيتم تمويلها بواسطة "وديعة خاصة" لدى الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، الوسيط التقليدي بين المصرف المركزي الاميركي والاسواق المالية. ولكن الأحتياط الفدرالي لم يكشف عن القيمة المتوقعة لحجم هذا التدخل المرتقب. وبذلت الحكومات والسلطات النقدية في العالم الثلاثاء جهودا حثيثة ساعية لاعادة الاستقرار والهدوء الى الاسواق المالية القلقة فتعهدت بمساعدة المصارف التي تواجه مأزقا وبضمان الودائع المصرفية. وصرح رئيس الاحتياطي الفدرالي بن برنانكي انه سيتعين على البنك المركزي الاميركي مراجعة سياسته النقدية على ضوء الازمة معتبرا ان "المخاطر التي تحدق بالنمو ازدادت" وتوقع ان "يكون النشاط الاقتصادي ضعيفا حتى نهاية السنة وما بعد". وبحث الرئيس الاميركي جورج بوش الثلاثاء في الازمة المالية العالمية مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيسي الوزراء البريطاني غوردن براون والايطالي سيلفيو برلوسكوني، مشددا على ضرورة التعاون. واعتبر الرئيس بوش الذي سيجري محادثات كذلك مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ان "من المهم ان يكون الجميع على الموجة ذاتها" على ما نقلت الناطقة باسم البيت الابيض دانا بيرينو. وقد اجرى بوش هذه المحادثات قبل اجتماع وزراء المال لمجموعة السبعة الجمعة في واشنطن. وقالت المتحدثة "نريد ان نطمئن الى ان الجميع على الموجة ذاتها عندما يصلون الى واشنطن حتى يكون الاجتماع فعالا". وسئلت المتحدثة هل يؤيد الرئيس الاميركي دعوة ساركوزي الى اجتماع عاجل لقادة مجموعة الثمانية، فأجابت ان "الرئيس منفتح على الدعوة" لكن "هدفه الفوري" هو لقاء مجموعة السبعة. واضافت المتحدثة ان "الرئيس (بوش) يتحدث عن مختلف التدابير التي تتخذها الولاياتالمتحدة لاعادة الاستقرار الى الاسواق، وعن اهمية ان تعمل كل البلدان معا لتنسيق تحركاتنا بهدف ايجاد حلول". واراد بوش في خطاب القاه في شانتيي (فيرجينيا، شرق) التعبير عن تفاؤله بايجاد مخرج لللازمة، فيما اصدر الجمعة قانونا بضخ 700 مليار دولار في النظام المصرفي لامتصاص الديون المتراكمة في المجال العقاري. وقال "لا شك في ان هذه الظروف صعبة، لكن لا شك ايضا في ان اميركا ستخرج منها"، معترفا بأن خطة الانقاذ المصرفي تحتاج الى الوقت لتعطي نتائجها. واضاف "خلال بضعة اسابيع، سيبدأ تطبيق العناصر الاساسية للقانون الجديد". واقر بوش بأن تعويضات الاميركيين المرتبطة الى حد كبير بالبورصة "ستتأثر" على المدى القصير جراء انهيار وول ستريت، "لكن على المدى البعيد ستسير الامور على ما يرام" بمقدار انتعاش الاسواق. واعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ان "الادارة وحتى الكونغرس والقطاع الخاص يعملون بتعاون وثيق مع المؤسسات والسلطات المالية العالمية لمعالجة هذا الوضع معالجة فعالة". واضافت "انهم يتخذون تدابير جريئة لاعادة الثقة في النظام المالي الاميركي والعالمي". وافاد تقرير اصدره مكتب الموازنة في الكونغرس الثلاثاء، ان صناديق التقاعد العامة والخاصة في الولاياتالمتحدة خسرت حوالى 2000 مليار دولار في الاشهر الثمانية عشر الاخيرة، فزادت العواقب المدمرة للازمة المالية على مدخرات الموظفين. وقال النائب الديموقراطي جورج ميلر (كاليفورنيا) رئيس لجنة التربية والعمل في مجلس النواب خلال جلسة استماع عرض فيها هذا التقرير، "خلافا لمسؤولي الشركات في وول ستريت، لا تستفيد الأسر من مظلة مذهبة". واضاف في بيان "من الواضح ان سلامة تعويضات الاميركيين قد تدفع ثمن هذه الازمة المالية". واوضح مدير مكتب الموازنة في الكونغرس بيتر اورزاغ ان "تدني القيمة الاجمالية لاستثمار صناديق التقاعد قد يحمل الاميركيين على خفض او تأخير شراء السلع والخدمات"، مما يزيد من تباطؤ النشاط الاقتصادي. وبلغ التدني الاجمالي لهذه الصناديق 20% منذ منتصف 2007 تاريخ بداية ازمة الرهن العقاري. واعتبر اورزاغ "من الممكن ايضا ان يؤخر عدد من الاجراء المرتبطين بصناديق خاصة موعد تقاعدهم". وتأثرت استثمارات صناديق التقاعد الخاصة كثيرا جراء انهيار الاسهم في البورصة. اما صناديق التقاعد العامة كصناديق ادارات الولايات، فتستثمر سندات في وزارة الخزانة الاميركية. وافاد تحقيق نشرته الثلاثاء الهيئة الاميركية للمتقاعدين، ان 20% من الموظفين توقفوا في الاشهر الاثني عشر الماضية عن دفع مساهماتهم في حساباتهم التقاعدية التي يشارك فيها رب العمل والموظف من دون ارغام هذا الاخير على المساهمة، بسبب الصعوبات التي يواجهونها للموازنة بين الدخل والخرج في نهاية الشهر. واكد رئيس البنك المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه الثلاثاء ان مؤسسته تبذل كل ما في وسعها لامداد الاسواق بالسيولة، غير انها ليست قادرة على تسوية مشكلة ملاءة المصارف. واتخذ وزراء المالية في الاتحاد الاوروبي الثلاثاء اول اجراء عملي مشترك بعد الفوضى التي سادت الصفوف الاوروبية في الايام الماضية فاتفقوا على زيادة الحد الادنى من الادخار الفردي الذي تكفله الدولة باكثر من الضعف من عشرين الى خمسين الف يورو في حال الافلاس. ومضت بعض الدول ابعد من ذلك فرفعت كل من اسبانيا وبلجيكا واليونان وهولندا والنمسا قيمة الودائع المضمونة الى مئة الف يورو، فيما اعلن رئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس ثاباتيرو انشاء صندوق خاص بقيمة 30 مليار يورو لدعم النظام المالي الاسباني وانعاش القروض للمؤسسات والافراد. وفي مسعى لاعادة الثقة الى الاسواق، وعدت دول الاتحاد الاوروبي ال27 بمساندة مجموعاتها المالية التي تواجه اوضاعا صعبة، مع الاحتفاظ بحق تغيير ادارات المجموعات التي تقدم لها المساعدة والغاء التعويضات الباهظة لمدرائها الذين يرغمون على التخلي عن منصبهم. كما تعهدت الدول الاوروبية ب"تنسيق خطواتها بشكل وثيق والاخذ بالاعتبار الانعكاسات المحتملة للقرارات الوطنية عبر الحدود". واضطرت عدة مصارف اوروبية الى نفي اي حاجة الى رساميل، فيما تراجع بنك اوف اميركا 13.87% اثر الاعلان عن نتائج في انخفاض قوي وعن زيادة في رأس المال بقيمة عشرة مليارات دولار. واكد دويتشيه بنك اكبر المصارف الخاصة الالمانية انه لا ينوي زيادة رأسماله، نافيا بذلك شائعات ادت الى هبوط اسهمه. غير ان المستشارة الالمانية انغيلا ميركل اعتبرت الثلاثاء ان المانيا، القوة الاقتصادية الاولى في اوروبا، "قوية ومسلحة بشكل جيد" لمقاومة الازمة المالية العالمية. وانتقدت في المقابل الاستراتيجية التي قررتها ايرلندا بشكل احادي لحماية مصارفها معتبرة انها "غير مقبولة" واعتبرت ان "حماية مصارف معينة بدون اجراء مشاورات وبدون منح الحماية ذاتها لمصارف دولية تدفع ضرائب منذ فترة طويلة في ايرلندا، يؤدي بنظرنا الى انحراف تنافسي غير مقبول بنظري". وفي بريطانيا نفى مصرفا باركليز ورويال بنك اوف سكوتلند معلومات اوردتها هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) ومفادها انهما طلبا عملية اعادة رسملة خلال اجتماع للمصرفين وشركة لويدز تي اس بي مع وزير المالية اليستير دارلينغ. واكدت باريس تعهدها منع افلاس اي مصرف وقال رئيس الوزراء فرنسوا فيون "قررنا ضمان استمرارية النظام المصرفي الفرنسي بالكامل". وبذلت المصارف المركزية جهودا كثيفة لتجنب تجميد القروض وضخ الاموال الى سوق التسليف بين المصارف بعدما توقفت المصارف عن تقديم قروض لبعضها البعض خشية عدم التمكن من استرجاع المبالغ. ونشرت ست مصارف مركزية بينها الاحتياطي الفدرالي الاميركي والبنك المركزي الاوروبي وبنك اليابان، جدولا زمنيا لعمليات اعادة التمويل التي تقوم بها والرامية الى امداد النظام المصرفي الدولي بالدولارات حتى نهاية السنة. كما اعلن البنك المركزي الاوروبي انه سيضاعف الى خمسين مليار يورو قيمة عملية اعادة تمويل لستة اشهر اعلنها مطلع ايلول/سبتمبر. وشهدت البورصات الاوروبية تقلبات تبعت وتيرة الاخبار والشائعات حول المصارف كما كانت جلسات التداول مضطربة في آسيا حيث اقفلت بورصة طوكيو على تراجع بنسبة 3.03% الثلاثاء ولكنها عادت لتسجل تراجعا اكبر الأربعاء. فقد تراجع مؤشر نيكاي في بورصة طوكيو 7.3% بعد ظهر الاربعاء ليبلغ 9412.8 نقطة في واحد من اكبر الانخفاضات التي شهدها في تاريخه وسط موجة من الذعر في مواجهة الازمة المالية العالمية. وعمت اجواء الذعر الاسواق المالية العربية فاقفلت سوق المال السعودية على تراجع بنسبة 7% فيما تراجع المؤشر الرئيسي في البورصة المصرية "كاس-30" بنسبة 47،16% عند الاقفال.