قالت صحيفة (هيرالد تريبيون) الأميركية إن الأزمة المالية العالمية أعادت خلط الأوراق بالنسبة الى الأثرياء الروس وأفقدتهم مبالغ طائلة. وذكرت الصحيفة في تحقيقها: يبدو أن موضع النخبة من رجال الأعمال الروس أضحى ناضجاً لإعادة خلط الأوراق بصورة دراماتيكية، بعد أن تمكن أسوأ انهيار في سوق الأسهم شهدته البلاد خلال عقد من الزمن، من حذف عشرات المليارات من ثرواتهم في أسابيع قليلة. كثيرون من (الأوليغاركية)، أي رجال الأعمال الذين جمعوا ثروات هائلة خلال فترة الخصخصة العاصفة في تسعينات القرن الماضي، وطفرة الموارد الطبيعية خلال رئاسة فلاديمير بوتين التي دامت 8 أعوام، وخسروا ثروات (دفترية) جراء هبوط أسعار الأسهم. لكن بعض هؤلاء هو في موقع خطير جداً، وبخاصة أولئك الذين استدانوا بكثرة من البنوك مقابل أسهمهم، والذين هم في بعض الحالات مضطرون لبيع موجودات، أو الغاء صفقات تجارية. ويقول ديفيد أسيركوف، المحلل المالي في شركة (رينيسانس كابيتال): (لقد أصاب الانكماش المالي العالمي روسيا أكثر من أي مكان آخر، والتوتر الشديد يطال خاصة المتمولين الروس الجدد الذين استدانوا لتمويل نمو أعمالهم. وملك الألمنيوم، أوليغ ديريباسكا، الذي صنَفته صحيفة (فوربس) الأميركية في أيار الماضي كأغنى رجل في روسيا بثروة تقدر بحوالى 28 مليار دولار أميركي، هو واحد من الضحايا الكبار في هذه الأزمة. إنه المالك الأكبر في شركة الألمنيوم (روزال)، وقد وسَّع نشاطاته نحو الخارج فابتاع حصصاً في شركة جنرال موتورز، وشركتي البناء (ستراباغ) و(هوكتيف)، ومصنع قطع السيارات الكندي (ماغنا). لكن، وخلال التوسع، استدان بكثرة، مستخدماً الأسهم كضمانة، وعندما تهاوى سوق الأسهم، كما يقول أحد الخبراء، انخفضت قيمة ضماناته بصورة كبيرة، الأمر الذي خوَّل الدائنين حق مطالبته تكراراً بوضع المزيد من الأموال الضامنة. وقد تخلت شركة (ديريباسكا) القابضة عن حصتها البالغة 20 بالمئة في (ماغنا) للدائنين التي كانت ابتيعت السنة الماضية بمبلغ 1.5 مليار دولار، كما تخلت عن حصتها في شركة (هوكتيف) البالغة 10 بالمئة، لصالح المصرف الألماني (كومرزبنك). وكانت (روزال) قد استدانت لشراء حصة ميخائيل بروخوروف البالغة 25 بالمئة في شركة التعدين (نوريسك نيكل) هذه السنة. لكنها (أي روزال) تصر على القول إن لا صعوبات لديها لاعادة تمويل القرض. لكن التساؤلات والتأويلات تتوالى في السوق حول مقتنيات كل واحد من الأثرياء الجدد، بدءاً من شركة (فلاديمير يافتوشنكوف سيستيما) القابضة، وصولاً الى مجموعة (ميخائيل فريدمان ألفا غروب). وكانت الأولى قد ألغت مشروع دمج ما بين شركتيها الفرعيتين للاتصالات، في حين شهدت ذراعها الانشائية، (سيستيما - هالز)، أسعار أسهمها تتهاوى منذ بداية العام بسبب القلق حول الدين والتقهقر في المشاريع. وقادت مخاوف (ألفا غروب) الى اجراء تسريحات في مصرف (ألفا بنك)، كما ذكرت صحيفة الأعمال اليومية (فيدوموستي) عن ان الفرع الرئيسي للاتصالات يواجه مطالبات بزيادة الضمانات على أسهم (فيمبلتون)، والتي كانت وضعت تأميناً على قرض بقيمة 1.5 مليار دولار. وكانت القوة والمنعة قد ساعدتا في رفع عدد رجال الأعمال الروس على لائحة (فوربس) لأغنى رجال العالم، هذه السنة الى مستوى عالٍ بلغ 87 شخصاً. لكن التقييم الآن سوف يساعد في تخفيض هذا العدد. وقال الملياردير ألكسندر ليبيديف في مقابلة حديثة مع وكالة الصحافة المتحدة: (لقد استحوذت فوربس على أفكار هؤلاء، لكنهم سيشهدون تقلصاً كبيراً في ثرواتهم). وأضاف ليبيديف، الذي يملك جزءاً من خط الطيران الوطني، (ايروفلوت) أنه فقد حوالى ثلثي محفظة أسهمه جراء الأزمة. وأضاف ممازحاً أنه سقط من لائحة فوربس. وتسجل أسواق الأسهم الروسية هبوطاً بنسبة 65 بالمئة عما كانت عليه في أيار الماضي. وتقدر (ترويكا ديالوغ) الآن أن (بيترو براس)، شركة البترول البرازيلية الرئيسية، يمكن أن تساوي أكثر من كل الصناعة البترولية الروسية. علماً بأن ذلك يشكل حرجاً شديداً لثاني أكبر منتج للنفط في العالم. وفي ما يتعلق بشركة فلاديمير ليسين (NLMK) للفولاذ، فقد ألغى هبوط السوق حوالى 75 بالمئة من قيمة الشركة السوقية. وبينما يبدو أنه ربما هناك بعض الارتياح لدى العامة من الشعب الروسي وهم يرون أصحاب المليارات يهبطون ولو قليلاً، مع ان هؤلاء من دون أدنى شك لعبوا دوراً لا بأس به في رفع الاقتصاد الروسي الذي تنامى بمعدل 7 بالمئة سنوياً خلال الأعوام الثمانية الأخيرة. ويقول جايمس فينكر، المدير في شركة (ريد ستار لادارة الثروات): (لو لم يكن هناك أصحاب مليارات، لما وُجد أصحاب ملايين، ولو لم يكن هناك أصحاب ملايين لكان الشخص العادي واجه أيضاً حالات صعبة... والأمر لم يتداعَ كلياً حتى الآن). وتتأرجح الأفكار حول اغتنام الفرصة. فالبعض استغل الظروف لابتياع الأسهم (ولو بنسبة ضئيلة حتى الساعة)، بينما عمد مساهمون في (لوكويل) أكبر شركة نفط خاصة في البلاد الى رفع حجم حصصهم الشخصية. وقالت (نوريسك) الشهر الماضي ان شركاتها الفرعية أعادت شراء حوالى 9 بالمئة من أسهمها. وهذا التحوّل، بحسب الخبراء يقوّي مركز سلطة رئيس مجلس الادارة فلاديمير بوتانين. والقطب بروخوروف، المنسحب من (نوريلسك)، انقضّ في أيلول الماضي على المصرف الأهلي للاستثمار (رينيسانس كابيتال) وابتاع حصة بلغت 50 بالمئة بمبلغ 500 مليون دولار فقط، أي أقل كثيرا مما كان يطلبه صاحب البنك منذ عام تقريبا. وجينادي تيمشنكو، أحد المالكين الكتومين في (غانفور) لتجارة النفط، وحليف بوتين منذ زمن طويل، رفع حصته عبر (فولغاريسورسز) الى ما فوق 5 بالمئة في (نوفاتيك) المستقلة لانتاج الغاز، والتي من المرجح ان تستفيد من تحرير أسعار الغاز في البلاد. وبالنسبة الى الآخرين، فان الفرص لم يحن أوانها بعد. ويقول أزيركوف في ملاحظة حديثة: الأوليفاركية الذين لديهم أموال نقدية سيكون بمقدورهم استعمال خبراتهم التجارية وآفاقهم السياسية للعثور على مليارات الثراء التالية في روسيا. أما بالنسبة الينا، فليس علينا سوى مراقبة هذه العملية. لكن اللعبة، مع العيون التي أضحت مفتوحة تماما، ستكون أشد وطأة مع المساهمين الكبار مما كانت عليه مطلع تسعينات القرن الماضي وبعد أزمة العام .1998 وللدولة دور تلعبه. فقد ابتلعت بنك الاستثمار (كيت فاينانس) و(سوياز بنك) في محاولة لاستباق أزمة، والحكومة أعلنت عن خطط لضخ أموال رسمية في السندات الوطنية المخفوضة القيمة، وبخاصة لدى المسلفين المراقبين حكوميا وقطاعات النفط. ويقول كريس ويفر خبير التخطيط الرئيسي لدى مصرف (يورال سيب) للاستثمار: (كون الحكومة قد اضطلعت بدور رئيسي في تهدئة الاقتصاد وترسيخه، فانها ستصبح مالكة لحصة كبيرة جدا في اقتصاد البلاد. وقال البنك المركزي الروسي الأسبوع الماضي على الشركات الروسية ان تسدد مبلغ 5،47 مليار دولار للدائنين الأجانب بحلول نهاية هذا العام، و160 مليار دولار بحلول نهاية عام .2009 واذا دفعت البنوك الشركات لبيع أسهم لسداد هذه القروض فان (سوق الأوراق المالية الروسية قد تنهار مثل بيت من ورق)، كما قال مايكل كافانا، وهو محلل في قطاع التعدين بمصرف Uralsib البنك. والمؤشر يشير الى انخفاض بنسبة 71 في المئة من ذروته في أيار. في الأزمة المالية في عام 1998، خسر الروس العاديين وفورات مع انخفاض قيمة الروبل. ولكن هذه المرة الوضع مختلف. وعلى نطاق واسع، الطبقة المتوسطة ظهرت في روسيا في عهد بوتين، عندما شهدت البلاد ازدهار قطاع النفط، ولم يشعر أحد بالاضطراب المالي. ولكن هذا يتغيّر تبعا لانخفاض أسعار السلع الأساسية وهروب رأس المال الأجنبي. ويقدّر ان 74 مليار دولار غادرت روسيا منذ آب ...