الأستاذ نور الدين بن تيشة واحد من أبرز الوجوه السياسية والحقوقية التونسية المقيمة فوق التراب الفرنسي , شغل عضوية الهيئة الادارية بالاتحاد العام لطلبة تونس سابقا ومازال يشغل عضوية المكتب التنفيذي بالمجلس الوطني للحريات هذا علاوة على توليه الرئاسة الشرفية لاتحاد الطلاب بجامعة ليستر بالمملكة البريطانية المتحدة , كما شرفه البرلمان الأوربي باستلام جائزة لونيس معتوب للشباب المدافع عن حقوق الانسان . صحيفة الوسط التونسية تشرفت قبل أيام بلقاء الأستاذ بن تيشة ومن ثمة أجرى معه رئيس تحريرها الأستاذ مرسل الكسيبي هذا الحوار الهام الذي أماط من خلاله اللثام حول مواقفه تجاه مجموعة هامة من القضايا الحقوقية والسياسية التي تشغل الرأي العام داخل تونس وخارجها . في تقديري الشخصي فان المعارضة التونسية تعيش وضعا صعبا جدا ليس لأسباب تتمحور حول السلطة فقط وانما لأسباب ذاتية يمكن اجمالها في الاتي : - ضعف هذه الأحزاب وقلة قواعدها . - عدم تعاملها بدينامية وايجابية مع مستجدات وتطورات الواقع السياسي . - تحول بعض هذه الأحزاب الى منظومة للدفاع عن حقوق الانسان وعدم مواكبتها لامال الشعب وتطلعاته . -هذا فضلا عن عدم تفاهم أطراف الوسط المعارض وعدم اجتماعهم على برنامج وطني مشترك منذ عشرين سنة تقريبا , اذ يمكن القول حينئذ بأنها أحزاب لاتجمعها الا استحقاقات انتخابية ... تجربة السلطة يمكن الوقوف على جوانب ايجابية كثيرة فيها : -على الصعيد الاقتصادي : توجه الدولة نحو الصناعات التحويلية والكهربائية والاستثمار في مجال الاتصالات والاعلامية والتكنولوجيا الحديثة , كما التركيز على تطوير البنى التحتية بما ييسر النهوض الاقتصادي داخليا ويرفع من نسقية وحجم المبادلات التجارية على الصعيد الخارجي . -على المستوى الاجتماعي : نسجل تطور منظومة التأمين الصحي الجديدة وارتكازها على بعد حداثوي استوحى اخر ماتوصلت اليه التجربة الفرنسية في الغرض , هذا علاوة على الاهتمام الكبير بالناشئة والطفولة والعناية المتزايدة بتكوين ورسكلة الأطر التربوية والبيداغوجية المشرفة على توجيه وترشيد هذه الفئات العمرية . - على المستوى الثقافي : يمكن رصد حضور جميع التعبيرات في فضائات النشاط الثقافي سواء ماالتصق منها بطروحات الأصالة كالموروث الصوفي أو الفنون الجميلة المتحركة داخل الفضاء العربي والاسلامي أو ماتعلق منها بالمدارس الغربية في مختلف اتجاهاتها وتعبيراتها الفنية . -أما على الصعيد السياسي فيمكن رصد عديد التحولات من خلال تشريك أحزاب المعارضة البرلمانية في العديد من مواقع القرار كالبلديات واللجان الاقتصادية والاجتماعية والمجالس الاستشارية وأطر التمثيل الديبلوماسي , مع حضور لافت وغير مسبوق لهذه الأحزاب في وسائل الاعلام الرسمي , وهو مايؤسس في نظرنا لتطوير التجربة الديمقراطية التونسية في محيط عربي واسلامي مستعصي يعرف تعثرا وعطالة في هذا المضمار . وباختصار فاننا نعتبر مثل هذه الخطوات التونسية ضرورية وهامة من أجل ترسيخ مشروع ديمقراطي يشهد كثيرا من التعثر في السنوات الأخيرة حتى في معاقل الغرب . انه من المطروح اليوم التفاعل ايجابا مع هذه الخطوات كما عقلنة الخطاب والممارسة السياسيين بما يساعد على تطوير التحول الديمقراطي بالمنطقة وبما يعزز مكاسب التنمية والاستقرار . - بخصوص رغبة الشابي في الترشح فاننا نعتبر الأمر بعد التنقيح الدستوري الأخير قد حسم قانونيا , ومن ثمة فان اصراره على مخالفة أحكام التنقيح الدستوري قد يمنع السيدة مية الجريبي رئيسة الديمقراطي التقدمي من اقتناص فرصة تاريخية تتيح للمرأة التونسية ولأول مرة المشاركة اعتباريا وواقعيا في الاستحقاق الرئاسي . -أهنئ ابتداء هؤلاء باطلاق سراحهم وأعتبرها لفتة انسانية من رئيس الجمهورية , غير أنه لايمكن ربط هذه الخطوة بموضوع الاصلاح السياسي أو تحميلها دلالات حالمة أو غير واقعية . -ان مسألة اللجوء السياسي حفت بها ظروف تاريخية تجاوزها الزمن والواقع العام تونسيا , وان موضوع العودة ليس قضية عامة يقع توظيفها ضمن أجندات حزبية , وأعتقد أن العديد من اللاجئين السياسيين قد حسموا موضوع العودة الى الوطن في مناخ من الحرية وحسن الاستقبال . س- لقد عرفت صحيفة الموقف في الفترة الأخيرة أوج أزمة ساخنة تسببت فيها افتتاحية شهيرة للأستاذ رشيد خشانة في قضية الزيت المصدر للأشقاء الجزائريين , فهل تؤيدون معالجة هذه القضية في اطار قضائي أم أنكم تقفون في صف الأستاذ خشانة ايمانا منكم بحرية النشر ؟ -أعتبر وجود صحيفة الموقف اثراء حقيقيا للمشهد الاعلامي التونسي وعلينا كتونسيين المحافظة عليها كمكسب وطني , كما أني أقف سندا الى جانب مبدأ حرية النشر والتعبير ... أما بخصوص موضوع افتتاحيتها في قضية الزيت المصدر للأشقاء الجزائريين فانني أرفض تماما أن يتم الخوض فيه بتلك الطريقة باعتبار امكانية وجود بعض المهربين لزيت مغشوش في تونس او غيرها من البلدان في بعد تام عن مسؤولية الدولة والشركات المنتجة أو المصدرة ... وفي أجواء موسم جني الزيتون وصناعاته التحويلية يدرك الجميع حجم المنافسة التي تتعرض لها شركاتنا الوطنية المنتجة للزيوت من قبل نظيرتها الايطالية ... مثل هذه الافتتاحية يمكن أن تضعف هذا القطاع الاقتصادي الوطني والحيوي الهام كما يمكن ان تتسبب في خسائر فادحة تتكبدها المجموعة الوطنية وعلى رأسهم المستثمرون في الحقل الفلاحي تونسيا . س - كيف تقيمون تجربة صحيفة الوسط التونسية ومسارها في الفضاء الاعلامي الوطني؟ نعتبر تجربة الوسط التونسية تجربة رائدة منذ انطلاقها قبل ثلاث سنوات وقد حفت بها العديد من المخاضات الهامة والمؤثرة , وهي تمثل كصحيفة تونسية مشهدا نادرا ومتألقا في الفضاء الاعلامي التونسي بما تقدمه من طروحات تجديدية ووسطية شجاعة توخى من خلالها رئيس تحريرها الأستاذ مرسل الكسيبي خطا تحريريا جريئا ومستقلا ومنفتحا على سائر مكونات الفضاء العام . س- يحاول البعض التغاضي عن مكاسب تونس ومنجزاتها التنموية الهامة في عهد الرئيس بن علي فهلا يعتبر هذا في نظركم شططا في الخطاب المعارض ؟ انه من الطبيعي أن يكون الخطاب المعارض مركزا على رصد النقائص والثغرات وهو مانتفهمه , غير أنه من الانصاف التحدث عن المكاسب والمنجزات من أجل ارساء مناخ ايجابي للحوار الوطني كما البناء المشترك , اذ يعد التوازن في الخطاب السياسي ضرورة ومقدمة أكثر من ملحة في أي مشوار سياسي هادف وبناء . س- تابعتم بلاشك تداعيات أزمة قفصة الاجتماعية والاجراءات المتخذة من قبل الرئيس بن علي لمحاصرة تداعياتها , وفي الوقت نفسه واكبتم محاولات توظيف الأزمة من قبل بعض الجهات المعارضة , فماهو موقفكم من هذه الأزمة على ضوء هذين المعالجتين المتباينتين ؟ -نعتبر أن من فشل في تطويق الأزمة في بداياتها مسؤولون على النطاق المحلي أي من دائرة الحوض المنجمي بولاية قفصة , وهي أزمة تفرض على الأطر الاقتصادية والسياسية التفكير في حلول تنموية واقعية بعيدا عن أشكال التوظيف السياسوي ... هذا وأقدر المعالجة الحكيمة والواقعية للرئيس بن علي لتداعيتها الاجتماعية وأعتبر أن من مسؤولية المعارضة المساهمة في تهدئتها من باب الحفاظ على مناخ الاستقرار والسلم الاجتماعي الذان تتمتع بهما تونس , كما أنني أدعو الجهات المختصة الى تنمية روح المبادرة الفردية لدى شباب المنطقة ومواطنيها وذلك لما تتمتع به من امكانات وثروات هامة يمكن تنمية استثمارها في ظل ماتوفره الدولة من حوافز وتشجيعات لأصحاب المبادرات أوحملة الشهادات العليا . هذا وأغتنم الفرصة من أجل الدعوة الى اطلاق سراح من تبقى من معتقلي الحوض ومن ثمة طي مخلفات هذا الملف الاجتماعي . - أ.مرسل الكسيبي : أستاذ نور الدين بن تيشة نتوجه لكم في ختام هذا الحوار بأصدق عبارات الامتنان والتقدير شاكرين لكم حسن استقبالكم واستضافتكم للوسط التونسية في هذه المائدة الحوارية الممتعة والمفيدة. -أ.نور الدين بن تيشة : شكرا جزيلا لكم أستاذ مرسل ونتمنى لكم وللوسط التونسية مزيدا من التألق والريادة والنجاح .