تحظى اللغة فى أى مجتمع بأهمية بالغة نظرا إلى الدور الذى تمارسه فى عملية التواصل الاجتماعي. فهى عالم رحب يمارس من خلاله الانسان حرية التعبير والتفكير. وكل تطور يحصل فى المجتمع ينعكس بالتأكيد على المؤسسة اللغوية، باعتبارها المعبر عن حياة الأفراد وطريقة التواصل بينهم. وتعتبر اللغة لغة نموذج فى قائمة لغات العالم، تتميز بين اللغات القديمة ذات الرسالات الدينية والحضارية، وهى متميزة أيضا بين اللغات الحديثة التى تعيش على أمل الانتشار الواسع فى المستقبل، فهى لغة الوحدة والانتماء القومى والتواصل بين المجتماعت على امتداد البسيطة، وهو أمر تنشده كل أمة تعتز بلغتها وذاتها وتمد حاضرها على مساحة الأرض التى تعيش عليها شعوبها وسكانها. واللغة العربية بالذات هى أقدم اللغات الحية التى لا تزال موجودة حتى الآن قبل وبعد ظهور الإسلام. وايمانا منه بأن اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب بل هى فكر وعلم وقيم وشرط لتقدم الوطن وحصانته ذلك أن التفريط فى اللغة تفريط فى الوطن كما أن الاعتزاز بها جزء من الاعتزاز بالوطن، لطالما أكّد الرئيس التونسى زين العابدين بن على على أهمية النهوض باللغة العربية وايلائها اهتماما خاصة فى وسائل الإعلام، مشددا على الدور الجزهرى الذى قد تلعبه هذا الجسر الاعلامى فى المحافظة على سلامة اللغة العربية وحيويتها، وهو واجب تفرضه مستجدات المرحلة العالمية الراهنة والتأثيرات المختلفة التى تفرزها وسائل الاتصال الحديثة. ونقل وزير الاتصال التونسى رافع دخيل، خلال اشرافه على أشغال اليوم الدراسى الذى نظمته وزارة الاتصال والعالاقات مع مجلس النواب وكجلس المستشارين بالتعاون مع الاذاعة التونسية بمقر اتحاد اذاعات الدول العربية حول موضوع "اللغة والاعلام"، قناعة الرئيس بن على الراسخة بأن وسائل الاعلام فى العصر الحديث تعتبر المرآة العاكسة لواقع الدول وأحد العوامل الرئيسية فى بناء هذا الواقع، مشيرا إلى أن الناشئة والشباب تمثل الشرائح الأكثر تأثرا بما تعرضه أجهزة الاعلام، وبالتالى فإن اللغة المتذبذة من شأنها أن تنتج شبابا متذبذبا سهل الاغواء والتضليل. ويأتى هذا اللقاء الذى حضره جمع من الإعلاميين واللغويين والجامعيين وممثلى المؤسسات العمومية والخاصة وصحافة الأحزاب السياسية، تجاوبا مع دعوة الرئيس زين العابدين بن علي، فى خطابه بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين للتحول، وسائل الإعلام المرئية والمسموعة إلأى النحافظة على سلامة اللغة العربية وتعزيز حيويتها، باعتبار أن العربية لغة تونس دستوريا وبعدا من أبعاد هويتها وعنصر من عناصر حوارها مع محيطها العالمى وعلامة من علامات خصوصيتها واستقلالها. إن التعامل مع المشاهد، خاصة فئة الشباب، بلغة متذبذبة بين العامية والفصحى وبين العربية ولغات أجنبية، يساهم فى نشأة شباب متذبذب، وهو ما يفرض على وسائل الإعلام والإعلاميين إلى تجنب الحديث بغير اللغة اعلربية خارج سياقها، خاصة وأن اللغة العربية بمستواييها الفصيح والعامي، قادرة على استيعاب تحولات المجتمع الداخلية مثلما عى قادرة على التعبير عن مستجدات العالم الخارجى و تحولاته. وفى هذا المقام، دعا وزير الاتصال الاعلاميين ومختلف الأجهزة الاعلامية إلى تجنب التخاطب بلغة أجنبية فى غير مقامها وكذلك التخلص من الازدواجية اللغوية التى تفرز رطانة غريبة لا تمت إلى العربية أو العامية بصلة مشددا على أن العربية الفصحى أو العامية التونسية بليغتان بما يكفى للتعبير والابداع فى كل مجال ولا شيء يبرر هذا الاختلاط الهجين بين اللغات. وحول "مستوى" اللغة العربية الفصحى المقصودة فى وسائل الاعلام، أوضح دخيل إلى أنها لا تعنى بالضرورة ليست لغة القواميس أو العربية المثالية المتحجرة، فاللغة تتطور باستمرار، مشيرا إلى أن حيوية اللغة تكمن فى الاستجابة المستمرة إلى حاجيات مستعمليها والتفاعل الدائم مع متطلبات عصرها ولا تعنى تعميم الأخطاء اللغوية بدعوى الحداثة أو تشريع الابتذال بدعوى الاقتراب من لهجة الناس والشارع. إلى ذلك حث الاعلاميين على استعمال فصحى سليمة فى السياقات التى تتطلبها أو عامية مهذبة تتجنب البذاءة والابتذال وتستجيب للدور التربوى الذى لا يمكن لقطاع الاعلام أن يتخلى عنه تحت شعار الربح أو الإثارة لجلب المستمعين والمشاهدين والقراء. ولدى تطرقه إلى الاشهار لاحظ الوزير أنه من غير المناسب أن تعمد بعض القنوات الخاصة إلى الترويج لمختلف البضائع والمنتوجات عن طريق ومضات اشهارية باللغة العربية أو عن طريق خطاب هجين يستعمل خليطا من العربية واللغة الاجنبية أو يستعمل عبارات مخلة بالحياء والذوق العام داعيا إلى إعادة النظر فى الخطاب الاشهارى عموما وتخليصه من التلوث اللغوى انطلاقا من الومضات الاذاعية والتلفزية ومرورا باعلانات الصحف وصولا إلى اللافتات فى الشوراع والطرقات. وأكد أن دعوة الرئيس التونسى تتطلب وعيا وطنيا وثقافيا يقظا لا سيما من خلال استعمال اللغة العربية فى درجتيها الفصحى والعامية وحسن اختيار نوعية البرامج المناسبة لكل من العامية والفصحى حاثّا القنوات السمعية والبصرية العمومية والخاصة على تخصيص حيز أكبر للبرامج الثقافية بالعربية الفصحى وبث ومضات اشهارية للتعريف ببرامج إذاعة تونس الثقافية. وحرصا منها على التعمق فى موضوع اللغة والاعلام دعت وزارة الاتصال كل قناة تلفزية ومحطة اذاعية عامة كانت أو خاصة إلى الاستعانة بمختص فى اللغة يتابع استعمالها بشكل سليم ويقدم ملاحظاته حول مواطن الاخلال. فللاعلام أبعادا ثلاثة هى الأخبار والتثقيف والترفيه ومن شأن انعدام التوازن بين هذه الأبعاد أن يفرغ المنظومة الاعلامية من جدواها. ثمن الاساتذة الجامعيون والمتخصصون فى مجالات اللغة والاعلاميون حرص الرئيس زين العابدين بن على على المحافظة على سلامة اللغة العربية وتعزيز حيويتها فى وسائل الاعلام عامة سيما المسموعة والمرئية. وأكد المشاركون فى برقية إلى الرئيس زين العابدين بن على التزامهم بالعمل الدؤوب على تكريس ما جاء فى دعوته فى الذكرى الحادية والعشرين للتحول حتى تتعمق أكثر فأكثر منزلة اللغة العربية فى الخطاب الاعلامى على مختلف مستوياته. واعربوا فى البرقية عن الاعتزاز بالمكاسب التى حققها المشهد الاعلامى فى تونس بفضل الاجراءات والقرارات التى اتخذها رئيس الجمهورية والتى جعلته مشهدا تعدديا متنوعا وثريا متفتحا. إن اللغة الإعلامية باستخدامها العربية الفصحى، تسهم إسهاما كبيرا فى تنمية الحس التذوقى بجمالية هذه اللغة أو بالأحرى فى "تربية الذوق اللغوي". ولا شك فى أن استخدام الإعلام للغة العربية الفصحى يخلق مناعة مستمرة تجاه عوامل التجزئة، ليس على الصعيد القومى فحسب وإنما على الصعيد الوطنى أيضا، فالفصحى تجعل المجتمع الوطنى أكثر تقاربا وتجانسا واندماجا.