اختفت الاحتفالات التي دأب التونسيون على احيائها في مثل هذا الوقت من كل عام احتفاء بقدوم سنة جديدة لتحل محلها مشاعر الالم والقتامة التي لفت العاصمة وأغلب المدن التونسية حزنا على ما يتعرض له الفلسطينيون من غارات في قطاع غزة خلفت ما لا يقل عن 385 قتيلا. ودأبت فئات واسعة من السكان في تونس أحد أكثر البلدان العربية انفتاحا على الغرب على احياء هذا التقليد السنوي بشراء الهدايا وادوات الزينة والورود والحلوى. غير انه يبدو جليا ان الهجمات التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة ساهمت الى حد بعيد في احجام التونسيين هذا العام عن اقتناء الهدايا والحلوى التي عوضتها الاحتجاجات والصراخ والاعتصامات تنديدا "بالمجازر الاسرائلية في غزة". وبدا واضحا ان اغلب محلات الورود والهدايا تعاني من كساد غير خفي بل اختفت حتى مظاهر الزينة من واجهاتها وهو أمر لم تألفه في السنوات الماضية حيث كانت تعتبر هذه المناسبة فرصة لتعويض كساد أغلب فترات العام. وقالت كريمة النحالي التي كانت تتجول داخل متجر كبير بضاحية لافايات بالعاصمة "لا هدايا ولا مرطبات (حلوى) ولا ورود هذا العام. نحن نقتسم المرارة مع اخواننا في فلسطين." وأضافت ل "صدقوني كيف يمكن أن يكون مذاق المرطبات حلوا ونحن نشاهد بأعيننا على شاشات التلفزيون أهالينا في غزة يذوقون عذاب القنابل الاسرائيلية." وقال مسؤولون طبيون في غزة ان عدد القتلى منذ بدء الهجمات الاسرائيلية يوم السبت الماضي ارتفع الى 385 قتيلا اضافة الى 800 جريح. وتعاني غزة من نقص حاد في امدادات الغذاء وانقطاع التيار الكهربائي الذي يؤثر على معظم القطاع. وأحجم العديد من الفنادق بتونس عن احياء حفلات رأس السنة واختفت الدعاية لمثل هذه الحفلات الفاخرة التي عادة ما كانت تستقطب فئات واسعة من التونسيين الذين يحتفلون بالمناسبة السنة خارج بيوتهم. وحل الحزن والالم محل الاحتفال حيث تنظم منظمات نقابية واحزاب سياسية في تونس وصفاقس والقيروان وقفصة اعتصامات ومظاهرات للتنديد "بالمجزرة الاسرائيلية في فلسطين". وفي وسط العاصمة وفي جهة المنازه تقلصت الحركة المألوفة على مخابز الكعك والحلوى. وقالت بائعة باحد هذه المحال "شتان بين العام الماضي والعام الحالي. يبدو ان تداعيات الحرب على فلسطين والازمة العالمية تضافرت لتقلص من الاقبال على المرطبات." ويقول وسام فرج وهو مدرس مر بجانب المخبز دون ان يلتفت اليه " الغرب ألهونا بالسهر والحلويات كل عام جديد بينما راحوا هم ينفذون مخططاتهم التوسعية في العراق والصومال وفلسطين ويسهرون ويشربون على نخب مأساتنا." وحتى الصحف المحلية التي اعتادت على رصد اماني الشارع التونسي في العام الجديد غابت عن اغلبها هذه الاركان ليغطيها سواد داكن أشع منه لون دماء القتلى الفلسطينيين. وطغت الموسيقى الحماسية على عدة اذاعات حيث تكرر اذاعة موزاييك الخاصة منذ اربعة ايام أغاني تنادي بالثورة العربية والكفاح المسلح. وأطلقت يوم الاربعاء بكل المحافظات التونسية حملة للتبرع بالمال والدم لصالح الفلسطينيين. وقال سمير وهو بائع ورود بضاحية لافيات كان منهمكا في متابعة التغطية الاخبارية للغارات على غزة عبر شاشة التلفزيون "انا اتفهم هذا الاحجام عن الاقبال على الورد.. فأنا أصلا لا أرغب في بيع الورد وليس لي مزاج في التعامل مع زبائني." وأضاف بغيظ "لعنة الله على بوش والصهاينة جميعا.. هم سبب خراب العالم." من طارق عمارة للأنباء - Wed Dec 31, 2008 12:13pm GMT