هذه المرة الثانية التي أكتب فيها عن جريدة " الوسط التونسية " الالكترونية و بين المرة الأولى والثانية مساحات من الاحداث والتطورات التي واكبتها الوسط ، وأظهرتها بمظهر جديد تطغى عليه العالمية ، حيث لم يعد الشأن الوطني فضلا عن الحيز الخاص مسيطرا على سمت ومحتويات الجريدة ، وهذا يحسب لها. وإذا نظرنا إلى المواقع الناجحة على الشبكة العنكبوتية ، والتي تستقطب أعدادا كبيرة من القراء مثل الاسلام أونلاين ، أو الاسلام اليوم أو موقع مجلة المجتمع الكويتية وغيرها ، نجدها عالمية الاهتمام ، بعيدة عن الاستغراق في الهم الذاتي أو حتى الوطني. وقد أدركت بعض الصحافة الالكترونية الحزبية ذلك مثل موقع اخوان اولاين وغيره من المواقع لأهمية العالمية اعلاميا كما هو الحال مع العالمية الفكرية ، فخصصت مساحات كبيرة للبحوث والدراسات والتحليلات والتقارير والمتابعات للقضايا الاقليمية والعربية والاسلامية والعالمية في الكرة الارضية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ولا سيما تلك القضايا التي تهم العرب والمسلمين والانسانية جمعاء . فإلى جانب تساوق تلك التغطيات مع القناعات الفكرية لاصحاب تلك المواقع ، تجلب الكثير من القراء متعددي الاهتمامات بما في ذلك الاهتمام بالشأن المحلي ، الذي يجب أن يكون ولا ريب في المقام الاول . أتذكر هنا جملة قالها أحد المنبتين التونسيين ، والتي تكشف على غياب البعد الانساني في نظرته للكون ، فضلا عن فقدان البعد الاسلامي حيث قال " ما الذي يجمعنا بالاندونسيين " ؟ ! وهكذا حال كل من يحاول ضرب الروابط الاسلامية ، أو يقلل من أهميتها فضلا عن نكرانها ،لانه بذلك يقطع وشائج الانسانية بل ركائزها الاساسية ابتداء . ورغم ندرة الاقلام التي تساهم في الدفع بالنشاط الاعلامي الالكتروني للأمام بما يخدم قضايا الحق والعدل و الحرية ، بسبب غياب التمويل اللازم لذلك ، حيث أصبحت الخدمات الاعلامية ، مع زحمة العمل ومتطلبات الحياة المعاصرة ، كغيرها من الخدمات الأساسية ، في حاجة لتمويل من أجل التفرغ أو جعلها في سلم الاولويات ، رغم ذلك تمكنت الوسط ليس من الصمود فحسب بل من تطوير نفسها و ملاحقة الاحداث الوطنية والاقليمية و العالمية أيضا . وقد استطاعت الوسط تحقيق هذه المرتبة بتفاني المشرف على الموقع الاستاذ مرسل الكسيبي ، و باخلاص عدد من الأقلام المساهمة في خدمة قضية الحق و العدل والحرية ، في تونس أولا و العالم ثانيا . و لم تنس الوسط و هي تعاني هموم الوطن أن تتحدث عما يجري في فلسطينالمحتلة ، ومتابعة ردود الافعال في الساحات المختلفة و من ذلك مسيرة المائة ألف متظاهر في المغرب ، و الحديث عن سياسات الدولة العبرية في مقال للدكتور أحمد القديدي ، ومحنة العلم والتعليم و العلماء من تونس إلى مصر ، حيث يعرض تونسي شهادته الجامعية للبيع أمام تمثال ابن خلدون ، ومصري يخترع جهازا يمنع السفن من الغرق يقابل بالتجاهل من قبل نظام الحكم في بلده ! ثم نجد كوابيس فتحي النصري التي تؤرق كل تونسي و كل مسلم بل كل انسان مضطهد في القارات الخمس ، " كوابيس الزوجة فوق الرئيس والرئيس فوق الحاشية و الحاشية فوق السلطة و السلطة فوق الدولة و الدولة فوق ... ( فوق بركان ) . وهناك وصايا رشاد لاشين حول رسالة الاعلاميين " أن يكون ذا غاية عظيمة وهدف نبيل " و" أن يحرص على نجاح الرسالة الإعلامية " و" أن يتمتع بسعة الصدر والاستيعاب الكامل لرسالته " و أن يحرص على توفير الآليات اللازمة لتوصيل الرسالة " و "اللباقة والقدرة على التعبير الجيد " و" أن يحرص على العمل بروح الفريق "وأن " يكون مستقيما متمتعاً بالأخلاقيات الحسنة " وتعلم "إتقان فنون الحوار" و" الموضوعية والاعتراف بالخطأ " و"رد الهجوم بأسلوب راقٍ خالٍ من الإساءة " و" الاستعداد لمواجهة التهديدات والمخاطر " و " محاولة تغيير الاتجاهات " و " القدرة على توصيل رسالة مبهرة تتناسب مع لغة العصر" و"أن يوصل فكرته بأقل الكلمات المعبرة والمؤثرة "وأن " يقدم رسالته بلين ورفق " وأن يستخدم " المنطقية والتدرج وتقديم مفاجآت في الوقت المناسب " وكل هذه الوصايا مأخوذة من قصة سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام ، وقد اضطررت لإعادة ذكرها جميعا لما فيها من خيرو منفعة ، فالذكرى تنفع المؤمنين . كما نجد تغطية لندوة " الاسلام و الديمقراطية " بالولايات المتحدة حيث شاركت فيها الاستاذة نادية ياسين ابنة الداعية الرباني الشيخ عبد السلام ياسين حفظه الله مؤسس حركة العدل و الاحسان المغربية و التي تتعرض لضغوط متزايدة في المدة الأخيرة . كما تطرقت الوسط في مقال للفساد الذي ينخر العالم العربي حيث بلغت نسبته الثلاثين في المائة من حجم الفساد في العالم . ولا يمكنني الحديث عن كل المقالات والتغطيات التي يجدها القارئ على موقع الوسط التونسية ، فهي متاحة له في الوقت الذي يشاء فيه الاطلاع عليها ، و إنما اردت التأكيد على توجه الصحيفة العالمي والخروج من الحيز المحلي ، وإن كان يجب أن يظل في المرتبة الاولى ، فإذا كان العالم الاسلامي أو العالم موزع على ثغور فإن حماية ما يلي الانسان أولى ، مع تقديم المساعدة للثغور الأخرى بقدر الحاجة و الحاجة تقدر بقدرها كما يقول الاصوليون . وإن كان هناك من نقد يوجه للصحافة الالكترونية بما فيها الوسط فهو الاكثار من النقل عن المواقع الأخرى ، و هو أمر قابل للفهم في إطار ما ذكرناه سابقا ، من قلة الاقلام وعدم وجود متفرغين لهذا العمل و ضعف بل انعدام التمويل ، و إن كان ذلك مفهوما فإن ما تؤأخذ عليه فعلا هو الفردية و قلة التعاون فيما بينها و العمل بروح الفريق أو راكبي السفينة الواحدة ، أو بتعبير أدق روح الاخوة الصادقة ، التي يعلمنا إياها الاسلام . إلى جانب التواضع طالما أنه كما قال في مقابلة تلفزيونية بثت مؤخرا .