كتب المحرر السياسي - انعقدت، مثلما تنبأنا مبكرا، قمة الدوحة " بمَن حضر" . وهي كانت ستنعقد، عاجلا أم آجلا، بهذه الصورة أم تلك . لكن القيادة القطرية البالغة الذكاء في استشراف اللحظات الفاصلة، تقدمت لكي تستضيف صانعي النظام الإقليمي الجديد . وهو ، هذه المرة، إسلاميٌ بامتياز ، لا بالمعنى الديني ، ولكن بالمعنى الجيوبولوتيكي: إيران وتركيا ، القوتان الشرق أوسطيتان الاسلاميتان الكبيرتان حضرتا ، بينما غابت القوتان العربيتان الآفلتان ، مصر والسعودية. وفي هذا الحضور إشارة للآتي، ومظاهرة وراء سورية التي تنفس رئيسها الصعداء، وتوصل إلى ما كان يضمره : " ما أُخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة"! فهل نحن أمام سياسة سورية جديدة ؟ هل ستنتقل دمشق من طور الممانعة إلى طور المقاومة ؟ هذا هو الطريق المفتوح أمام سورية لتاكيد حضورها كممثل للعالم العربي في النظام الإقليمي الجديد. شرق أوسط جديد . ولكنه ، على العكس مما أرادته كوندليزا رايس، ليس إسرائيليا ، بل في مواجهة إسرائيل التي عليها الآن أن تذعن أو تواجه التحدي الإقليمي الكبير. مرة أخرى ، يثبت أن القوى الإقليمية في منطقتنا تصغر وتضمحل بغض النظر عن حجمها إذا اندرجت في الجبهة الإسرائيلية، وتكبر وتقوى مهما كان حجمها حين تقف في الجبهة المضادة. إيران تحولت إلى قوة إقليمية كبرى من خلال دعمها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وتحالفها مع العناد السوري. وتركيا الطامحة إلى دور مواز وموازن تعلمت الدرس ، وها هي تدخل إلى ميدان الشرق الأوسط الذي طُردت منه قبل 90 عاما من زاوية فلسطين بالذات، ومن خلال التنديد الشعبي والسياسي غير المسبوقين بالعدوان الإسرائيلي. قبل ذلك ، منحت تركيا ضمانة إستراتيجية لسورية في مواجهة إسرائيل. وفي ظل هذه الضمانة ، رعت أنقرة المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب. وها هي الدولة الراعية ،نفسها، تضمن للسوريين الرعاية من أجل وقف المفاوضات إلى أجل غير مسمى. لم تكن إيران وحدها ، بسبب شيعيتها ودورها الغامض في العراق، قادرة على بناء نظام إقليمي جديد. الآن، يتوازن حضورها بالحضور القوي لتركيا السنية، مما يقفل الدائرة الإسلامية الجيوبولوتيكية في الشرق الأوسط بتمثيل الطائفتين الإسلاميتين الكبيرتين ، ثم ، بالضلع الثالث السوري، ممثلا للعرب والطوائف الأخرى ، وخصوصا المسيحيين. وهي دائرة تبعد الظنون والشبهات ، وتسمح بانتظام عقد جديد في المنطقة ، ينبذ السلفية المتعصبة والوهابية والانقسام المذهبي والطائفي ، والتوصل إلى صيغ ودية فعالة للتفاهم وحل المشكلات البينية، وإلى رؤى متعاضدة للمشكلات الإقليمية من العراق إلى فلسطين. الشجاعة السياسية هي تقدير الموقف قبل الآخرين بلحظات. وهذه هي شجاعة قطر التي أدركت أن العدوان الإسرائيلي على غزة قيد الهزيمة السياسية ، وأن أول نتائجه سقوط شرعية السلطة الفلسطينية وولادة شرعية فلسطينية جديدة تمثلها المقاومة . ولذلك، لم تتردد القيادة القطرية في دعوة خالد مشعل لكي يلقي الكلمة الرئيسية في المؤتمر، ويحدد مضمون قراراته. النظام الإقليمي الجديد يعترف بخالد مشعل وريثا لياسر عرفات ، ويعترف بالمقاومة بديلا لعملية سلمية تم افعلان عن موتها . غياب الأردن عن قمة الدوحة كان فاجعا ، وكأنه شروع بالانتحار الذاتي. وأحيانا يكون الشلل وفقدان الإرادة السياسية أبلغ من الانتحار. كان علينا أن نذهب إلى الدوحة ، ونشارك في ولادة النظام الإقليمي الجديد، ونخاطب ممثليه والعالم العربي كله، ونفضح المؤامرة على القضية الفلسطينية وعلى الكيان الأردني، ونطلب من القمة إدانة صريحة لمشروع الوطن البديل. لقد أضعنا فرصة الدوحة ... فهل نستمر في إضاعة الفرص، ووضع الرأس الأردني في الرمل، هربا من حقيقة المؤامرة والمتآمرين؟