رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية .."حزب الوسط نموذجًا" *
نشر في الوسط التونسية يوم 13 - 03 - 2009

منذ بدء رسالة الإسلام على يد نبيه محمد "صلى الله عليه وسلم" مارس المسلمون فكرة الدولة وتنظيمها، أي العمل السياسي داخل منظومة القيم الإسلامية، كما مارسوا الفقه الإسلامي في المعاملات كافة دون الحاجة إلى تسجيل في الكتب باستثناء تسجيل القرآن الكريم والسنة النبوية. أما الفقه والأحكام والفتاوى المستنتجة من الإسلام ومصادره الرئيسية فلم تبدأ بالتدوين إلا بعد فترة معينة حينما شعر العلماء المسلمون الأوائل بأن البلاد قد اتسعت والناس قد كثروا وانتشروا في الأمصار ،فأصبح هناك حاجة لتدوين الفقه الإسلامي في كتب للأئمة تدرس لتلاميذهم من طلاب العلم.
وكانت الحاجة لتدوين الفقه الإسلامي في مجال العبادات والمعاملات أولى لحاجة كل الناس إليه، أما الفكر السياسي المتعلق بالدولة ( أو الإمامة كما تعرفه كتب الفقه القديم) فلم يبدأ بالتدوين والكتابة إلا متأخرا عن باقي ألوان الفقه والمعاملات، لأن هذا الأمر يتعلق - في ظنهم- بعدد قليل من المهتمين وهم أولو الأمر أو أهل السلطة ( أو أهل الحل والعقد بتعبير الفقه القديم). ومع هذا ولعله لنفس السبب ظلت هذه الكتب والمراجع قليلة جدا ونادرة ولم تجدد فكريًا طوال مدة طويلة.
ومن أهم هذه الكتب والمراجع المتعلقة بالفكر الإسلامي السياسي في المذهب السني كتاب " الأحكام السلطانية والولايات الدينية" للإمام أبي الحسن الماوردي، المتوفى عام 450 هجرياً ( أي حوالي 1095 ميلادياً) وقد عاش حوالي 86 عاماً، أي أن هذا الكتاب كُتب منذ حوالي ألف عام. وبالرغم من وجود بعض الكتب الأخرى وأشهرها " الأحكام السلطانية" لأبي يعلي الفراء وكذلك " غياث الأمم في التياث الظلم" للإمام الجويني، فإن كتاب الماوردي هو الأشهر لدى كل جماعات الحركة الإسلامية الحديثة، فهو المرجع الأكثر انتشارًا وبخاصة بين أهل السنة. والإمام الماوردي ألَّف مصنفات كثيرة في الفقه وتفسير القرآن وأصول الفقه والأدب وهو مشهور في الفقه الشافعي.
ولقد تأثرت به ونقلت عنه دون تطوير أو اجتهاد معظم الجماعات الإسلامية الحديثة المعتدلة منها والمتطرفة، ولهذا فهناك أهمية لمناقشة بعض النماذج التي كتبها الإمام الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية، وكيف أثر في الفقه الإسلامي السياسي منذ القدم حتى الآن، وكيف طور المفكرون الإسلاميون الجدد هذه الأفكار بعينها .
وكما يقول د. محمد سليم العوّا: " فلقد أصاب الجمود الفكر السياسي الإسلامي عند أهل السنة فظلت الكتب والبحوث تتناول الخلافة والبيعة ووجوب الطاعة وأنواع الإمارة وصور الوزارة... في انفصال تام عما يحدث في الحياة العملية، في الدول الإسلامية كافة، من تغيرات متوالية في نظم الحكم وأساليب العمل السياسي.وأصاب الجمود الفكر السياسي الإسلامي عند الشيعة الإمامية فظلت البحوث تدور حول اشتراط العصمة وتوافرها فعلاً في الأئمة، وتنتهي إلى عدم جواز إقامة الدولة الإسلامية في ظل غيبة الإمام المعصوم الثاني عشر" .
ولذلك قاد علماء الوسطية ومفكروها في العصر الحديث معركة هائلة في تطوير الخطاب السياسي الإسلامي الذي جَمُد في عصور عدة كما سنبين لاحقًا بإذن الله.
أولاً: دور العلماء والمفكرين المعاصرين في تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية:
منذ أكثر من مائة عام تصدى العلماء والمجددون للفكر الإسلامي لقضايا كثيرة بقصد تطويرها منذ الإمام جمال الدين الإفغاني والإمام محمد عبده، والشيخ رشيد رضا وكان لهم دور مشكور وجهد متميز ثم تبعهم في جيل تالٍ الشيخ حسن البنا والمستشار حسن العشماوي، وآخرون.
وكما يقول عنهم د. محمد سليم العوَّا في كتابه (في النظام السياسي للدولة الإسلامية) في بحثه الفكر السياسي الإسلامي في مائة عام".... لقد توفي جمال الدين الأفغاني سنة 1897م -قبل بداية القرن العشرين بثلاث سنين- بعد أن أرسى فكرة الإسلام المجاهد، الإسلام المقاوم للغزو الأجنبي، الذائد عن الحوزة الإسلامية في مواجهة الأطماع الأوربية، لكن مشروع التحرر في طموحه إلى أن يصبح مشروع إصلاح سياسي عام – كما عبر عنه الفكر السياسي الإسلامي في مصر – لا تُستكمل قسماته إلا بالوقوف على الإضافة الرئيسية التي قدمها كل عنصر من عناصر هذا التيار، أو رمز من رموزه، فقد أضاف الشيخ محمد عبده التجديد في الفكر السياسي والديني لمواجهة متطلبات الحياة الحديثة، وأضاف حسن البنا التركيز على فكرة شمول الإسلام وارتباط الفكر بالعمل، والدعوة بالتنظيم الحركي، وقدم السنهوري ردًا علميًا، ومشروعًا عمليًا، إلى الذين أعجبوا بما فعله الكماليون في تركيا من إلغاء الخلافة الإسلامية والذين انهزموا نفسيا من جراء هذا الإلغاء، فقسم الخلافة إلى كاملة، كخلافة الراشدين، وناقصة كخلافة الدول التالية لها..." .
ويقول أيضًا " وقدم حسن العشماوي – في واحدة من أهم محاولات العودة بالفكر السياسي الإسلامي إلى أرض الواقع- تفرقة شديدة الجرأة بين الإلهي والبشري، في القضية السياسية التي سماها ( مشكلة الحكم). وفصَّل توفيق الشاوي ما أجمله حسن العشماوي والسنهوري فانتهى إلى وجوب الفصل بين الإمامة الدينية أو الفقهية وبين الإمامة السياسية " .
وطبعًا يقصد بالسنهوري القاضي الجليل الدكتور عبد الرازق السنهوري ويشير أيضًا إلى القانوني والمفكر الكبير د. توفيق الشاوي وكتابه المرجع "فقه الشورى والاستشارة".
لكن د. العوَّا لم يشر في دراسته القيمة إلى الدور الذي لعبه هو شخصيًا وجيله من المفكرين المعاصرين أمثال القاضي الجليل المستشار طارق البشري والأستاذ فهمي هويدي والدكتور أحمد كمال أبو المجد وعلمائنا الأجلاء المرحوم الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي. لكن باحثًا أمريكيًا هو الدكتور ريموند بيكر أحتفي بجهد هؤلاء العلماء ودار حولهم كتابه " إسلام بلا خوف.. مصر والإسلاميون الجدد"، والذي ترجمته للعربية الدكتورة منار الشوربجي , ويكفي أن ننقل عن المقدمة التي كتبتها المترجمة لهذا الكتاب وهو يتحدث عن هؤلاء الستة من العلماء والمفكرين باعتبارهم معا مدرسة متكاملة في مشروعهم الفكري." ولأن الكتاب كله يدور حول رصد قسمات ذلك المشروع وتعريف القارئ بملامحه، فقد كشف بوضوح أن تيار الوسطية الإسلامية قد شهد نقلة نوعية بالغة الأهمية بظهور هذه المدرسة الفكرية؛ فهي – المدرسة- لم تكن مجرد امتداد لتيار الوسطية وإنما هي بمثابة ولادة جديدة له. فقد صار لتيار الوسطية – بفضل تلك المدرسة- مشروعًا فكريًا متماسكًا لا مجرد أفكار تجديدية في هذا المجال أو ذاك من مجالات الحياة, ولعلها المرة الأولى منذ قرون التي يبرز فيها في وقت واحد عدد من الرموز
الفكرية التي تقوم معًا بالعمل على تقديم مشروع حضاري إسلامي متكامل. ففي السابق، كانت الوسطية تحظى بين الحين والآخر برمز فكري أو حركي ( محمد عبده أو الأفغاني أو البنا)، يجدد أفكارها ويضيف إليها وينقلها في إحدى الجوانب نقلة مهمة للأمام. أما الجديد فيما يتعلق بالإسلاميين الجدد فهو أن مصر المعاصرة قدمت هذه المرة – في زمن واحد- عددًا من الرموز استطاعوا عبر عقود عدة أن يقدموا معًا، عبر أعمالهم المنفردة والمشتركة، مشروعًا متكاملاً. ولا يقتصر دور هؤلاء الرموز – يوسف القرضاوي، ومحمد الغزالي، وطارق البشري، ومحمد سليم العوّا، وفهمي هويدي، وكمال أبو المجد- كما يتبين من خلال الكتاب على ذلك الجسد الضخم من الكتابات والدراسات التي أنتجوها، إذ لا يقل أهمية عن ذلك مداخلاتهم المستمرة في الحياة العامة سواء بشكل فردي أو جماعي. وتنبع قيمة الكتاب من أنه رصد بدقة كيف بدأت الإرهاصات الأولى لذلك المشروع الفكري، ثم راح، بصبر يحسب للباحث، يتابع تطوره وتبلوره عبر عقدين من الزمان حتى صار في مطلع الألفية الثالثة مشروعًا فكريًا متماسكًا يقدم تجسيدًا واضحًا للمقصود بالإسلام الحضاري" .
وكما يقول المؤلف نفسه د. ريموند بيكر في مقدمته عنهم : " يحكي هذا الكتاب قصة مجموعة من المفكرين الإسلاميين الوسطيين الذين يطلقون على أنفسهم اسم: " التيار الإسلامي الجديد". وهم يرون مدرستهم الفكرية امتدادًا لتيار الوسطية الإسلامية. ويحرك هذه المجموعة رؤية وسطية إيجابية، لا مخاوف نابعة من موقف دفاعي، وهي رؤية يؤكدون عليها في الفكر والممارسة . ورغم أن جذورهم مصرية، إلا أن الإسلاميين الجدد يخاطبون، بقدر معتبر من التأثير، العالم العربي والإسلامي على اتساعه. وتطرح أعمالهم السؤال الرئيسي الذي يتناوله هذا الكتاب وهو ما إذا كان مشروع الوسط الإسلامي الذي يتحدث باسم إسلام بلا خوف قادرًا على التعامل بفاعلية مع متطلبات عصرنا " .
وينقل د. ريموند بيكر وصف ما فعله هؤلاء العلماء والمفكرون الوسطيون والذي يسميهم بالإسلاميين الجدد في تجديد الخطاب السياسي الوسطي بقوله: " ويسعى الإسلاميون الجدد في اجتهادهم بشأن النصوص إلى استلهام الوحي، لا الخبرات التاريخية الفاسدة، وقراءتهم للنص تعتبر الشورى وسيلة أقرها القرآن وأكدتها السنة وهدفها تحقيق العدل الذي هو مهمة الحاكم، وذلك بناءً على المشاركة الكاملة، واحترام حقوق الناس التي منحها الله لهم. وسواء في انتقادهم للنظام أو في ترشيدهم للتيار الإسلامي أو في احتوائهم للمتطرفين، فإن الإسلاميين الجدد – كما يقول هويدي- يهدفون إلى تصحيح الأفكار المشوهة عن الإسلام من أجل إفساح المجال لتلك القراءة الديمقراطية للنصوص حتى تحتل الصدارة. وهم يعترفون بأن الديمقراطية الإسلامية التي تفي بحاجات العصر مشروع لم يتحقق بعد، ومن ثم فهم يركزون جهدهم على مهمة طويلة الأجل تتمثل في وضع الأساس التعليمي والثقافي لمنظومة سياسية إسلامية تحتل فيها قيمة العدل مكانة جوهرية، وتكون فيها الديمقراطية الوسيلة لتحقيقها، وفي هذا الصدد تحديدًا يدعون الفقه الإسلامي إلى تبني ما توصل إليه الفكر السياسي والدستوري الغربي، ويقول محمد الغزالي دون حرج إن الفقه الدستوري الإسلامي "متخلف للغاية"، ودعا المفكرين الإسلاميين إلى أن يستعيروا كما يشاءون من الغرب فيما يتعلق بالمفاهيم والآليات الديمقراطية. وبشكل أكثر تفصيلاً، حدد الإسلاميون الجدد عددًا من مبادئ الحكم الديمقراطي وآلياته دعوا إلى تقليدها، وهي : فصل السلطات، والتعددية الحزبية، والانتخابات التنافسية، والضمانات الدستورية للحريات السياسية الأساسية كحرية الرأي وحرية التعبير التي يحميها القضاء المستقل، فضلاً عن تحديد مدد زمنية لتولي الوظائف العامة المهمة، وقد سعي الإسلاميون الجدد إلى دمج تلك العناصر الآتية من خبرات الآخرين في إطار متماسك للديمقراطية الإسلامية نظريًا وعمليًا؛ ذلك لأن الإسلاميين الجدد سعوا إلى ديمقراطية لا تقوم فقط على إجراءات عادلة وإنما تؤدي في الوقت نفسه إلى مخرجات عادلة. وهذا الموقف يمنع بوضوح التقليد الأعمى للغرب؛ فهم يوازنون بين تقديرهم للتفاصيل والآليات التي تقوم عليها الديمقراطيات الغربية وبين إدراكهم لمحدودية آفاقها، خاصة فيما يتعلق بالمخرجات الظالمة التي تقبلها حتى أكثر الديمقراطيات الغربية تقدمًا، وهم في ذلك يلفتون الانتباه على وجه الخصوص لتدمير القيم والثقافة بفعل الاستهلاك الذي لا كابح له، وعدم المساواة غير المقبولة في فرص الحياة، وفي الأوضاع المادية، وهو الذي يميز الحياة في الديمقراطيات الغربية خاصة الولايات المتحدة " .
ثم يعود ليؤكد على هذا التطوير في المجال السياسي لفكر الوسطية في مكان آخر فيقول :" وفي القلب من ذلك الفكر السياسي الجديد، تأتي فتوى القرضاوي في 1993عن التعددية والديمقراطية، كان القرضاوي يتحدث باسم كل الإسلاميين الجدد حين أعلن بوضوح كامل تبنيه للتعددية السياسية بما فيها المنافسة بين الأحزاب السياسية. وقد مثل ذلك رفضًا صريحًا لرؤية حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين. وباستخدام القياس، شرح القرضاوي أن بإمكان الإسلام الذي قبل بوجود مذاهب أربعة معترف بها رغم الاختلافات المهمة فيما بينها، أن يقبل – بل ينبغي أن يحتفي- بالتعددية في المجال السياسي، وبنفس الوضوح اعتبر القرضاوي أن نقطة البدء هي أن مفهوم الشورى هو الأساس النظري للجهود المعاصرة لبناء الديمقراطية، ومرة أخرى – وبتأييد كامل من باقي الإسلاميين الجدد- أعلن القرضاوي بكل وضوح أن الشورى ملزمة لا اختيارية من قبل الحاكم كما يزعم بعض عناصر التيار الإسلامي. وبينما يعترف الإسلاميون الجدد بالطابع شديد العمومية لمفهوم الشورى- مشيرين على سبيل المثال إلى أن الإسلام يتيح وسائل متعددة للالتزام بالشورى- فإن موقفهم هو النظر لتلك العمومية باعتبارها دعوة للابتكار وإنتاج فكر جديد يحدد معنى ذلك المفهوم في عالم اليوم، وفي كتاباتهم يدعون بقوة إلى فهم الشورى قي إطار الآليات الديمقراطية الغربية التي صارت اليوم جزءًا من التراث المشترك للإنسانية تستلهمها التجارب الديمقراطية حول العالم " .
ثانياً: حزب الوسط كحالة عملية لتطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية:
1- كيف حول " الوسط" الخطاب السياسي لفكر الوسطية إلى حالة عملية؟
لقد قام حزب الوسط في مصر بمحاولة ترجمة أفكار المفكرين الإسلاميين الجدد، الذين عبروا عن المشروع الإسلامي الحضاري الوسطي الحديث ,فهذا المشروع بمثابة تجديد وتطوير في خطاب الوسطية السياسي، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ المستشار طارق البشري والأستاذ الدكتور محمد سليم العوّا والأستاذ الكاتب فهمي هويدي والأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد والعلامة المرحوم الشيخ محمد الغزالي والعلامة الشيخ يوسف القرضاوي وغيرهم.
فلقد عبر هؤلاء الأساتذة عن مشروع فكري حضاري إسلامي تجديدي، ولكن كان هناك سؤال دائم: أين يوجد هذا المشروع في واقع الحياة؟ فكانت تجربة حزب الوسط محاولة لترجمة هذا المشروع الفكري والحضاري التجديدي على أرض الواقع في برنامج حزب سياسي مدني له مؤسسون وأعضاء .ولعل الإسهام الذي نعتقد أن حزب الوسط قدمه هو أنه لأول مرة في مصر يكون هناك برنامج حزب سياسي مدني ذو مرجعية إسلامية لا يمارس الدعوة الدينية ويقصر دوره على المجال السياسي، ويشتبك مع الواقع ويقوم بعملية تشغيل للأفكار الإسلامية الوسطية الكبرى في صورة برامج مباشرة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، كما أنه لم يقم فقط بعملية تشغيل للأفكار ولكن ساهم أيضًا بجهد متواضع في صناعة هذه الأفكار في المساحات التي تطلبها الواقع الجديد في تفاصيل كثيرة، وهي من الأهمية بمكان في رسم صورة شبه متكاملة عن المشروع السياسي الوسطي التجديدي في القرن الواحد والعشرين.
فإذا كان الخطاب السياسي الوسطي التجديدي انطلق من قبول فكرة التعددية السياسية فإن الوسط طبقها فعليًا من خلال انفتاحه على كل القوى السياسية المصرية بل والعربية وتعاونه الصادق معها فيما يفيد الوطن مصر والأمة العربية.
و خطاب المواطنة الذي هو ركن أساسي في الخطاب التجديدي الوسطي هو حجر الزاوية الذي بنى على أساسه حزب الوسط فلسفته السياسية في تحديد الحقوق والواجبات في الوطن كما بنى أساس عضويته عليه فهناك أعضاء مؤسسين في الحزب مسلمون ومسيحيون.
أما فكرة الولاية في الفقه الإسلامي القديم التي كانت تمنع تولي غير المسلم والمرأة مناصب هامة في الدولة فقد جددها المفكرون والعلماء الوسطيون وهو ما عبر عنه حزب الوسط في المساواة في الولاية بين المواطنين وبين الرجل والمرأة ,فقد نص عليها برنامج حزب الوسط وطبقها في مستويات العضوية والقيادة في الحزب.
وهكذا استطاع حزب الوسط أن يحول الخطاب السياسي التجديدي لفكر الوسطية إلى أرضية فكرية يمكن تطبيقها في الواقع في بلادنا العربية والإسلامية وتساهم في بناء أوطانها ووحدتها ومواجهة التحديات الخاصة بالتنمية والتقدم وكذلك مواجهة الأخطار الخارجية.
2- دور حزب " الوسط" في تطوير الخطاب السياسي الوسطي:
كما سبقت الإشارة إلى أن حزب "الوسط" في مصر لم يكتف بنقل أفكار المجددين الإسلاميين المعاصرين إلى أرض الواقع وتشغيلها وتحويلها إلى رؤى وبرامج وسياسات تفصيلية وإنما ساهم بجهد مباشر في تطويرها.
فبالإضافة إلى تبني فكرة المواطنة التي تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات مهما كانت دياناتهم ,فإن الوسط ساهم في الدفع بتبني وتطوير هذا المفهوم إلى نهايته بقبول إمكانية الترشح لمنصب رئيس الدولة للمواطن غير المسلم في دولة أغلبية سكانها من المسلمين وكذلك المرأة ,كما تبني فكرة المستشار طارق البشري في الولاية وخاصة في القضاء والتي يجيز تولي غير المسلم والمرأة منصب القضاء علي اعتبار أن توزيع الاختصاصات فيه على هيئات ومؤسسات تنفصل فيها الأدوار عن الأشخاص القائمين بها.
كما ساهم الوسط في تطوير الخطاب السياسي الإسلامي الوسطي في تبني منظومة تطور ديمقراطي في مصر بصياغة برنامج سياسي تفصيلي فيما يتعلق بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وكيفية الفصل بينهما وتوازن القوى في المجتمع، كما قدم رؤية اقتصادية مركبة تستند إلى القيم المرجعية الأساسية لكنها تعالج الواقع الاقتصادي المصري في مراحل مختلفة ومتطورة من برنامج إلى آخر.
كما ساهم " الوسط" في تقديم رؤية متكاملة للعلاقات الدولية والأمن القومي في مشروعه السياسي وفي برامجه المتعددة.
3- آلية صناعة وتطوير الأفكار السياسية الوسطية داخل " الوسط":
من المفيد في هذا المقام أن أشرح آلية صناعة وتطوير الأفكار السياسية الوسطية داخل حزب " الوسط":
(أ) في البداية يُطلب من المؤسسين كأفراد داخل محافظاتهم بإرسال أفكارهم وأسئلتهم التي يرون أن من المهم الإجابة على طرحها داخل المجموعة الأساسية لقيادة الحزب (وهي الآن اللجنة التنفيذية المؤقتة) التي تناقش الأسئلة المطلوب تحديدها للإجابة عليها في صياغة مشروعنا السياسي كموقفنا من الدولة الحديثة، وموقفنا من غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية والعلاقة مع الغرب، وموقفنا من الحريات السياسية والشخصية.. الخ.
(ب) عند الانتهاء من تحديد عدد من الأسئلة السابق الإشارة إليها نلتقي بعدد من الأساتذة المفكرين الإسلاميين الوسطيين أمثال المستشار طارق البشري ود. محمد سليم العوّا والأستاذ فهمي هويدي وآخرين لمناقشة أولية حول هذه الأسئلة وهل هي كافية أم نضيف إليها، ثم نتناقش معهم في إجابات مناسبة لهذه الأسئلة، وبعض من هؤلاء الأساتذة نلتقي معه في زيارة فردية مثال الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد الذي أجابنا على سؤال هام في كيفية التعامل مع الغرب من منظور وسطي.
(ج) الخطوة التالية تكليف عدد من الباحثين المميزين الذين ينتمون أو يشجعون فكر الوسطية لصياغة مشروعات أولية كل شخص في تخصصه ,فمنهم من أخذ الجانب السياسي ومنهم من يأخذ الجانب الاجتماعي ومنهم من يأخذ الجانب الاقتصادي.. الخ.
(د) ثم نعقد ورش عمل للجنة التنفيذية حول كل ورقة من هذه الأوراق، والتي تستغرق عدة جلسات من المناقشة والتطوير والملاحظات والإضافة.
(ه) ثم يكلف من قام بصياغة هذه الأوراق بإعادة صياغتها في ضوء هذه المناقشات والملاحظات.
(و) تطرح هذه الأوراق بعد إعادة صياغتها على مجموعة المفكرين الإسلاميين الوسطيين إما في جلسات جماعية أو جلسات فردية للمناقشة وتترك لهم هذا المشروع لإبداء ملاحظاتهم وتعديلاتهم المقترحة.
(ز) في هذه الأثناء توزع هذه المشروعات على مجموعات الحزب في المحافظات للمناقشة في الصياغة وإبداء المقترحات والملاحظات أيضًا.
(ح) في هذه الأثناء أيضًا يتم توزيع عدد قليل من النسخ المقترحة على عدد من الشخصيات العامة والفكرية الصديقة " للوسط" لإبداء ملاحظاتهم أيضًا إن وجُدت.
(ط) يتم تجميع كل هذه الملاحظات والمقترحات عند الباحثين الذين أعدوا المشروع الأول لصياغتها في شكل شبه نهائي.
(ي) يتم مناقشة المشروع بشكل نهائي في اللجنة التنفيذية للحزب من أجل إقرارها.
(ك) يتم تكليف شخص واحد من الباحثين بصياغة كل البرنامج بروح واحدة حتى يكون متجانسًا.
4- المراحل المختلفة لحزب " الوسط" في تطوير الخطاب السياسي الوسطي:
أعد مؤسسو الوسط ثلاث برامج تجسد فيها هذا التطوير في الخطاب السياسي الوسطي وهذه نماذج لهذا التطوير في مراحله المختلفة:
(أ‌) برنامج حزب الوسط عام 1996 م :
أول برنامج كان باسم "الوسط" وتقدم به المؤسسون في 10 يناير عام 1996م، وكتب مقدمة هذا البرنامج د/ رفيق حبيب.
وقد كان أول مشروع سياسي حديث بمرجعية إسلامية وكان أول ترجمة لأفكار المفكرين الإسلاميين الجدد كما أشرنا سابقًا ,وقد كان أول مشروع سياسي بمرجعية إسلامية يؤصل لفكرة المواطنة حيث المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الدين ففي هذا يقول البرنامج:" ومع تأكيدنا على المواطنة الكاملة للمسلمين والمسيحيين معًا وجميعًا، فإننا نؤكد أيضًا خطورة محاولة جر الأمة لمثل هذا الاستقطاب من قبل مدعي العلمانية ومن القضايا التي تثار في ذلك الاستقطاب، مسألة المناصب في الدولة، وهي قضية تثار للدعاية لتيار سياسي لا غير، ولا أساس لها في الواقع.
ذلك أن الفقه الإسلامي أكد أن الكثرة الدينية وحدها لا توجب حقًا، وأن القلة الدينية وحدها لا تمنع من اقتضاء حق، وأن ادعاء اقتضاء الحق في العمل السياسي، أو في ممارسة الحكم على أهل دين معين في دولة متعددة الأديان، إدعاء لا تسنده أصول الشريعة، ولا يقوم له من فقهها دليل، كما أن الفقهاء أكدوا أن العبرة في الحياة العامة والممارسات السياسية لا تكون بالكثرة الدينية، وإنما تكون بالصلاحية والأهلية لتحقيق مصالح الوطن. وعلى هذا فإن تأكيدنا على تمتع الأقباط بالمواطنة الكاملة مسالة محسومة شرعًا وعملاً، ولا خلاف بين أبناء الأمة حولها" .
(ب) برنامج حزب " الوسط المصري" عام 1998:
واستمر التطور في الخطاب السياسي الوسطي في البرنامج الثاني لحزب الوسط والذي طُبع بعنوان " أوراق حزب الوسط المصري" وكتب مقدمته د. صلاح عبد الكريم ونختار منه نموذجًا لهذا التطور فيما يتعلق بفكرة المرجعية الحضارية تحت عنوان التعددية الدينية، ما نصه: " المرجعية الإسلامية ليست مرجعية دينية حسب الفهم الغربي ولكنها مرجعية دينية وحضارية معًا، والجانب الديني منها يخص من يؤمن بالإسلام دينًا، والجانب الحضاري منها يخص من ينتمي للحضارة الإسلامية مسلمًا كان أم غير مسلم. هي إذن مرجعية حضارية عامة، أي إطار حضاري جامع، يرتبط بالنسبة للمسلم بعقيدته الإسلامية ويرتبط بالنسبة للمسيحي بعقيدته المسيحية، لأن المسلم والمسيحي اتفقا عبر القرون على عقيدة حضارية واحدة، إن جاز التعبير، ونعني بها قيم النظام الحضاري والاجتماعي الواحد الذي عاشا في ظله جميعًا بعد أن أقاماه بجهدهما معًا " .
(ج‌) برنامج حزب الوسط الجديد عام 2004م:
وهو البرنامج الثالث الذي تشرفنا بانضمام المفكر الراحل الكبير د. عبد الوهاب المسيري للحزب وكتب مقدمة هذا البرنامج في مايو 2004م.
لقد ضم هذا البرنامج جوانب تطوير مهمة خصوصًا في الجزء السياسي المتعلق بجواز تولي المرأة وغير المسلم رئاسة الدولة أو القضاء أو في إضافة محور مهم في البرنامج وهو إدماج الأخلاق في سياسات الإصلاح وفي هذا يقول برنامج حزب الوسط الجديد المشار إليه:" إن الإصلاح الأخلاقي في نظر المؤسسين يجب أن يتأسس على المبادئ والقيم الإسلامية التي تحض على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ، وهو بهذا المعنى يمتد إلى البحث في كيفية إعادة التوازن والفاعلية إلى منظومات القيم والمعايير الفردية والجماعية السائدة في مجتمعنا المصري" .
كما قدم البرنامج أيضاً رؤية تطويرية في مجال الفكر السياسي الوسطي في مجال العلاقات الدولية فهو يقول في هذا الصدد: " تنبع رؤية مؤسسي الحزب في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية من أصل إيماني من جهة ، ومن إدراك واع بحقائق الواقع المعاصر للنظام الدولي وخصائصه الآخذة في التشكل في ظل العولمة من جهة أخرى . وهذا الأصل بشقيه هو الذي يعطي رؤيتنا خاصية التميز ، ويكسبها في الوقت نفسه قوة معنوية كبيرة تضمن لها الفاعلية في التطبيق" .
ثم يعود ليؤكد على القيم التي تحكم العلاقات الدولية في نظر الحزب فيقول: " إن نظام العلاقات الدولية الذي يؤمن به مؤسسو الحزب تحكمه قيم "العدالة" و"المساواة" و"الحرية"، وتحوطه أخلاقيات "الوفاء بالعهود" ، و"الأمانة" و"الصدق"، وتقوده مبادئ "التعاون" و"الاعتماد المتبادل" و"العمل المشترك" .
• الخلاصة:
يظهر مما تقدم أن حزب "الوسط" أسهم بجهد متواضع في عملية تطوير الخطاب السياسي لفكر الوسطية من حيث نقل أفكار المفكرين الجدد لهذا الفكر إلى الواقع العملي السياسي وكذلك إضافة تطوير من جانب آخر لهذا الخطاب السياسي لفكر الوسطية كي يكون نموذجاً عملياً في هذا المجال.
**وكيل مؤسسي حزب الوسط
*ورقة مقدمة إلى مؤتمر (دور وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة الوسطية) منتدى الوسطية - لبنان فبراير 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.