"بلاي اوف" الرابطة الاولى.. التعادل يحسم كلاسيكو النجم الساحلي والنادي الإفريقي    مجلس نواب الشعب يشارك في المؤتمر الخامس لرابطة برلمانيون من اجل القدس    عميد المحامين يوجه هذه الرسالة إلى وزارة العدل..    انتخابات جامعة كرة القدم: إسقاط قائمة واصف جليل وإعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    طقس الليلة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الشركات الأهلية : الإنطلاق في تكوين لجان جهوية    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون الجدد.. يدافعون عن الحياة ويسعون لترشيد الصحوة الإسلامية
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 07 - 2009

يصح اعتبار هذا الكتاب أهم دفتر أحوال للجدل الفكرى والسياسى والاجتماعى المتصل بالإسلام والحركة الإسلامية فى العقدين الأخيرين من القرن العشرين فى مصر، حيث يتناول بالبحث مجموعة من أهم المفكرين الإسلاميين مارست رغم استقلاليتها تأثيرا واسعا فى الحالة الإسلامية التى كانت تشهد فورة أو صحوة كبيرة عمّت مصر والمنطقة.
يدرس الكتاب مجموعة يسميها ب«الإسلاميون الجدد» تضم الشيخ محمد الغزالى رحمه الله والشيخ يوسف القرضاوى والأستاذ طارق البشرى والدكتور سليم العوا والدكتور أحمد كمال أبوالمجد والأستاذ فهمى هويدى...يدرس الباحث أعمال هؤلاء الأعلام وأفكارهم ومشاركاتهم فى الشأن العام كمجموعة واحدة متجانسة فكريا ومتصلة بصلات شخصية مباشرة رغم استقلاليتها.
يمثل بيان «رؤية إسلامية معاصرة» الذى صاغه أبوالمجد فى نهاية الثمانينيات وصدر 1991 مانفيستو «الإسلاميون الجدد»، فيما تمثل المناظرة الشهيرة بين الغزالى والكاتب العلمانى فرج فودة 1992 نقطة التدشين والانطلاق، فيما كان الجدل السياسى والفكرى والاجتماعى وقضاياه الملتهبة فى الثمانينيات والتسعينيات المادة الثرية للبحث فى خطاب قدم أصحابه أنفسهم كممثلين لمدرسة الوسطية التى تتموقع دائما كوسط بين تطرفين: الإسلامى والعلمانى، والنظام الحاكم والخارجين عليه.
التعاطف من موقع البحث
المؤلف هو ريموند ويليام بيكر أستاذ العلوم السياسية فى جامعة ترينتى الأمريكية وقد عاش سنوات طويلة بمصر وعمل أستاذا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو فضلا عما يبدو عليه من حب جارف لمصر ينتمى لتيار جديد فى الدراسات الأمريكية المتصلة بالعالم العربى يحاول التخلص من الموروث الغربى «الاستعمارى» فى هذا المجال، يحاول بيكر بكتابه أن يقول إن ثمة إسلاما غير الذى تم الترويج له فى الغرب، «إسلام بلا خوف»، وأن ثمة ما يمكن أن يقدمه الإسلام والعالم الإسلامى للعالم، خاصة مصر التى يراها قلب الإسلام ومستقبله.
ريموند بيكر ليس برنارد لويس فضلا عن أن يكون دانيال بايبس أو مارتن كريمر وبقية الباحثين الموظفين فى أكثر الإدارات الأمريكية سوءا، لكنه أيضا ليس جون أسبوزيتو أو فرانسو بورجا وغيرهما من الباحثين الغربيين المحترمين الذين من فرط تعاطفهم مع الحركات الإسلامية صاروا «إسلاميين» ربما بأكثر من الإسلاميين أنفسهم، خاصة صديقنا الباحث النبيل «الشيخ» فرانسو بورجا كما يلقبه أصدقاؤه وخصومه!
يحمل بيكر مودة لا تخطئها العين للإسلاميين الجدد وتعاطفا مع الإسلام ورغبة فى تغيير الصورة النمطية الشائعة فى الغرب، لكنه أبدا لا يغادر مقعد الباحث.
وقد اختار المؤلف موضوعا يتجاوز التقليد الغالب فى الاهتمام الغربى بحصر الظاهرة الإسلامية فى تجلياتها الحركية والتنظيمية، فقدم دراسته عن مدرسة فكرية مستقلة عن الحركة الإسلامية لكن لها تأثير بالغ فيها وتمثل لها مرجعية تسعى لترشيدها.
أما الترجمة فهى أشبه بنص عربى جديد كان الكتاب سيفقد كثيرا من قيمته لو قدمه للعربية غير منار الشوربجى الأستاذة بالجامعة الأمريكية التى ولد الكتاب على يديها وكانت بمعنى من المعانى شريكة فى كتابته.
الانفتاح على العالم
و«الإسلاميون الجدد» كما يراهم الكتاب هم النموذج الأمثل للتجديد الإسلامى فى العقود الأخيرة، وهم يمثلون قدرة الإسلاميين على التفاعل إيجابيا مع القضايا المستجدة وأسئلة العالم الجديدة، وهم عنوان على أن لدى الإسلاميين، حين يمارسون التجديد ويلتزمون الوسطية، ما يقدمونه لمجتمعاتهم وللعالم وللحضارة الإنسانية.
وموقع «الإسلاميون الجدد» هو موقع المستقل عن كل الكيانات والأطر التنظيمية والحركية الإسلامية وكذلك التى تتبع الدولة ( ثمة تشابه وربما اقتباس مع ما سبق وطرحه الباحث القدير نبيل عبدالفتاح مبكرا فى تقريره الرائد عن الحالة الدينية حول ظاهرة «الإسلاميون المستقلون» والتى تضم المجموعة نفسها عدا الشيخين الغزالى والقرضاوى)، لكن هذا لا يمنع من وجود علاقات وثيقة بالحركة الإسلامية تسمح لها بالتأثير الفاعل فيها بجانب علاقة متميزة مع الدولة تتجاوز التوظيف ولا تجرح الاستقلالية.
ومشروع «الإسلاميون الجدد» هو بناء مجتمع إسلامى جامع ومفتوح ومنفتح على العالم وليس مغلقا أو إقصائيا أو معاديا للعالم على النحو الذى يبدو فى مشروع الإسلام السياسى بتجلياته سواء العنيفة منها (الجماعة أو الجهاد) أو السلمية (الإخوان).
وهم يراهنون على أن الطريق لذلك يمر عبر ترشيد الصحوة الإسلامية كطاقة تغيير إيجابية فى بناء المجتمع، ومن ثم الأولوية عندهم فى التغيير الثقافى والاجتماعى، وحركتهم هى لأجل الإصلاح العام وليس التغيير السياسى على نحو ما نجده عند الإخوان.
ورغم أنهم يمثلون مرجعية «خارجية» للحركة الإسلامية فإنهم لا يترددون فى نقدها وفى رفض وصاية الجماعات والتنظيمات الإسلامية على المجتمع أو احتكار تمثيل الإسلام، ومواجهة الخطاب والحركة الإسلامية الثورية التى تخاصم المجتمع والدولة والعالم.
إصلاح التعليم
يدرس الكتاب «الإسلاميون الجدد» فى عطائهم الفكرى ومشاركاتهم فى الحياة العامة عبر ثلاثة محاور كبرى (الثقافة، المجتمع، والسياسة) تمثل فصول الكتاب.
فى باب الثقافة يوثق الكتاب عطاء «الإسلاميون الجدد» فى مجالين رئيسين: إصلاح التعليم كمدخل لحل الأزمة الثقافية وإعادة بناء الإجماع الوطنى الذى بدا أن النخب المصرية ضلت طريقه، والاحتفاء بالفنون والدفاع عنها بإزاء التطرف الدينى الذى يحرّمها والتطرف العلمانى الذى يفصلها عن قيم المجتمع وأخلاقه.
وفى باب المجتمع تأريخ واف لمشروع التيار الوسطى لبناء مجتمع إسلامى على أساس القرآن، والسنة الصحيحة وفيه مراجعة نقدية لقضايا شرعية وفقهية تتصل بالمرأة وحقوقها وغير المسلمين فى المجتمع المسلم والعلمانية وتطبيق الشريعة ونقد التفسيرات الحرفية.
سنقف على ركنين فى المشروع المجتمعى لتيار الوسطية أولهما إعادة بناء الجماعة الوطنية الواحدة ومواجهة الخروج عليها. وثانيهما إقامة نظام اقتصادى أساسه العدل والتنمية، وذلك عبر وضع إطار أخلاقى للنشاط الاقتصادى ( رفض الربا وغياب العدالة وقيم الاستهلاك)، ودعم التجارب الإسلامية فى الاقتصاد (البنوك الإسلامية) وبناء رؤية للتنمية تأخذ فى الاعتبار العولمة وما تقتضيه من انفتاح على العالم يوازيه تقوية الاقتصاد الوطنى.
أما فى باب السياسة فثمة ركيزتان أساسيتان، الأولى التجديد الإسلامى فى القضايا السياسية بالحسم بأن النظام الإسلامى لا يصاغ من خلال التجربة التاريخية وإنما هو أى نظام يتحقق فيه العدل ويضمن الديمقراطية، وضرورة ربط السياسة بالواقع ومصالح الناس، وترشيد الأجيال الجديدة فى الحركة الإسلامية وإنضاج تصوراتها السياسية.
أما الركيزة الثانية فتتمثل فى محاولة بناء رؤية للعالم والتفاعل معه، فلابد من إعادة بناء دوائر الانتماء بشكل متكامل وغير متعارض (الانتماء لمصر ثم الأمة العربية ثم الأمة الإسلامية)، ولابد من إدراك موقعنا فى العالم وموقفنا منه على قاعدتى الأخوة الإنسانية ورفض الأحادية والهيمنة، وأخيرا الوعى بقضايا الصراع، وخاصة فى فلسطين قضية الأمة المركزية.
ممثلون حصريون
والأهمية القصوى للكتاب هى كونه كتابا غربيا موجها للغرب، كما أن بساطة أسلوبه وسرديته ستفيد القارئ أو المثقف العربى العام أما غيره المختص بالفكر الإسلامى فسيجد فيه توثيقا مهما وتفصيليا لفكر مجموعة الإسلاميين الجدد، غير أنه سيجده أقل تعمقا فى أصول الفكر والفقه الإسلامى وأقل قدرة على الربط بين هؤلاء الأعلام وبين مدرسة الوسطية والتجديد الإسلامى سواء فى حركتها الحديثة أو فى جذورها العميقة فى التاريخ الإسلامى. لقد اكتفى المؤلف بإشارات عابرة عن علاقة هؤلاء بمدرسة الوسطية الحديثة التى بدأها الأفغانى ومحمد عبده، ولم يفصل.
وأتصور أن المؤلف على أهمية جهده التبس عليه الأمر فى تقديم هؤلاء الأعلام كممثلين حصريين لمدرسة الوسطية دون تقديم السيرة الفكرية التى تكشف الطريقة التى تكوّن بها هؤلاء وانتموا لمدرسة الوسطية، بل دون إدراك لفكرة المدرسة الفكرية التى هى أكثر شمولا واتساعا زمنيا وجغرافيا وعدديا بطبيعة الحال.
مثلا لم يذكر شيئا عن صلة هؤلاء الأعلام بمدارس أخرى كانوا جزءا منها، بل ربما نشأ بعضهم فكريا فى رحابها كمدرسة مجلة «المسلم المعاصر» التى بدأت نوفمبر 1974، وجميع الأعلام الذين ذكرهم إما كانوا ضمن مؤسسيها أو هيئتها الاستشارية.
وإما بدؤوا الكتابة فيها أو تعرفوا على المشروع الوسطى التجديدى من خلالها كما فى حالة الأستاذ البشرى، وهى نفسها جزء من حركة التجديد الفكرى التى بدأت عام 1948 باسم «جماعة المشروع»..
وهو ما لا يجعلهم إسلاميين جددا بالمعنى الذى يطرحه بيكر.. كما أن ثمة مدارس أخرى ترتبط بمسار هؤلاء وعطائهم مثل مدرسة «المعهد العالمى للفكر الإسلامى».
كما لم يلتفت المؤلف إلى الصلات الفكرية المهمة لهؤلاء الأعلام بشخصيات لعبت دورا مهما فى تيار التجديد والوسطية واستفادوا منها فى القضايا التى يبحثها الكتاب، نذكر كمثال عبدالحليم أبو شقة (فى قضايا المرأة وهو صاحب موسوعة تحرير المرأة فى عصر الرسالة)، وأحمد العسال ( تطوير التعليم الدينى) ومحمد عمارة (الجدل الإسلامى العلمانى)، وسيد دسوقى (التنمية) وعبدالوهاب المسيرى (فهم الغرب)، جمال الدين عطية (الاقتصاد الإسلامى وتجاربه البنكية) وللأخير دور بالغ الأهمية فى هذه المدرسة.
كما قصّر المؤلف فى تتبع امتدادت الإسلاميين الجدد وتأثيراتها التى تجلت فى تيارات وأفراد ومؤسسات، لا يمكن مثلا أن تغيب تأثيراتها فى قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومجموعة نادية مصطفى وسيف الدين عبدالفتاح وأصحاب حولية «أمتى فى العالم»، أو شبكة إسلام أون لاين التى تمثل امتدادا صريحا لهذه المدرسة فى العقد الأخير، وكثير من الأجيال الشابة التى سعت لتنزيل رؤية هذه المدرسة، خاصة فى القضايا الاجتماعية والتنموية.
كما لم يتمكن المؤلف من التقاط التأثيرات التى أحدثها هؤلاء فى جسم الحركة الإسلامية على مدى بعيد، وكذلك فى نشأة تيار الإسلام الاجتماعى، وإن لم يكونوا مسئولين بالضرورة عن المسار الذى أخذه هذا التيار.
ورغم واجهة اقتصاره على دراسة هؤلاء الأعلام ضمن الحالة المصرية فلم يكن هناك ما يمنع فى قراءة مدرستهم وتأثيراتها ضمن امتدادتها الجغرافية سواء فى المغرب العربى، والخليج، أو شرق آسيا والولايات المتحدة وأوربا التى عرفت رحلاتهم ومحاضراتهم فى المؤسسات الإسلامية المختلفة وصار لهم تلامذة كثر.
جهود المسيرى
وأتصور أن الباحث الأمريكى لم يستفد كثيرا من المحاولات التى سبقته فى قراءة خطاب التجديد والوسطية الإسلامية، خاصة أستاذنا الراحل العظيم عبدالمسيرى الذى كان أقرب لفهم منطق المدرسة الفكرية الإسلامية، فى مقالته (معالم الخطاب الإسلامى الجديد) كتب المسيرى عن الخطاب الإسلامى بطريقة أكثر وعيا بفكرة المدرسة التى لا تقوم على حصر عددى لأسماء وإنما اكتشاف لقواسم فكرية ومنهجية مشتركة يمكن أن تمثلها شخصيات ومجموعات لا يمكن حصرها بطريقة بيكر التى اتبعها فى كتابه.
فى مقالته القصيرة لكن بالغة الأهمية يميز المسيرى بين خطابين إسلاميين بحسب الموقف من قضية الحداثة الغربية التى كان موقف الخطاب الإسلامى أكثر عمقا وتركيبية وفهما لطبيعتها، ويقترح المسيرى مجموعة سمات للخطاب الإسلامى الجديد أهمها: رفض المركزية الغربية، الرؤية المتكاملة والانفتاح النقدى، القدرة على الاستفادة من الحداثة الغربية، القدرة على إدراك أبعاد إنسانية جديدة.
القدرة على اكتشاف الإمكانات الخلاقة للمنظومة الإسلامية، أسلمة المعرفة الإنسانية، تأسيس معجم حضارى متكامل ومستقل، التمييز والفصل بين إنجازات الغرب وبين رؤيته القيمية، إدراك المكون والبعد الحضارى للظواهر والأشياء المستحدثة، تأسيس رؤية إسلامية مستقلة فى التنمية، طرح النسبية الإسلامية كبديل عن النسبية المطلقة فى الغرب، الإيمان بالحركة والتدافع كأساس للحياة، خطاب جذرى توليدى استكشافى، إدراك مشكلات ما بعد الحداثة، تجاوز الإطلاقات المتناقضة والسماح بالفراغات والتعددية، القدرة على الرؤية المتكاملة للشريعة وإنزالها على الواقع المعاصر،، الاهتمام بالأمة بديلا عن الدولة المركزية، محاولة تطوير رؤية إسلامية شاملة للفنون، تجاوز المنظور الغربى فى قراءة التاريخ.
وقد حاول المسيرى أن يقدم نماذج لشخصيات تمثل هذا الخطاب، ولم يقتصر على جيل الأساتذة وإنما ضم أسماء لشباب فى عقدهم الرابع، كما لم يقتصر على مصر وإنما شمل العالمين العربى والإسلامى بل والمقيمين بالغرب.
لم يلتفت الباحث لهذه المقالة المهمة رغم أنها صدرت قبل أن ينتهى من كتابه بنحو عامين (تقريبا عام 2001)، كما لم يتوقف عند المقالة الأخرى التى كتبها جمال الدين عطية تفاعلا مع مقالة المسيرى، وهى لا تقل أهمية عنها، وقد وضع حركة التجديد الإسلامى الحديثة فى مسارها التاريخى المتصل من الأفغانى ومحمد عبده حتى نهاية القرن، ومن شبه القارة الهندية وحتى أمريكا، وقدم فيها سردا لأهم الشخصيات والمؤسسات والأفكار التى انتظمت بحركة التجديد وسارت بها.
ملء الفراغ
وثمة مشكل آخر لا يتحمل المؤلف مسئوليته ويتمثل فى توقيت صدوره ثم تأخر ترجمته للعربية، فحين صدر الكتاب بالإنجليزية (2003) كان العالم كله قد دخل رغبا ورهبا فى حرب ثقافية قادها بوش ضد الإسلام بعد تفجيرات سبتمبر وما تلاها من غزو أفغانستان (2001) وغزو العراق (2003).
وهو ما لم يتمكن المؤلف من الإحاطة به وبتفاعلات «الإسلاميون الجدد» معه فجاءت معالجته ضعيفة ومرتبكة يعبر عنها قلة الصفحات التى تناولت الحدث على خطورته، أما حين صدرت الترجمة (نهاية 2008) فقد كانت مياه كثيرة جرت فى الحالة الإسلامية فى مصر غيرت الخريطة الإسلامية جذريا حتى كادت تتجاوز القضايا التى ناقشها الكتاب فيما لم يعد الموضوع نفسه كما كان عليه وقت إنجاز الكتاب وربما لم تعد له نفس الأهمية كمفتاح لفهم الحالة الإسلامية فى مصر؛ كما كان من قبل.
لم تعد حالة الاستقطاب الإسلامى العلمانى كما كانت عليه قبل عقدين، ولم يعد الصراع على أيدولوجيا كلية بل حول تفاصيل وقضايا جزئية وكثيرا ما يعاد تشكيل معسكرى المواجهة وكثيرا ما يلتقى الخصوم تحت راية واحدة فى معارك اليوم، كما نرى فى قضايا الإصلاح السياسى..وتبدو «كفاية» نموذجا معبرا على ما جرى.
وحدثت تغييرات جذرية فى خريطة الحالة الإسلامية لم يعد معها الإسلاميون الجدد فى صدارة المشهد كما كان الأمر، تعاظم صعود الحالة السلفية التى نشأت بعيدا عن تأثير هؤلاء وربما بالضد منهم، ملأ السلفيون المشهد الإسلامى وصار له وسطية سلفية وسلفيون جدد يقومون بالدور الذى كان يقوم به الإسلاميون الجدد (هذا ما يفعله سلمان بن فهد العودة وعائض القرنى مثلا).
وحدثت ثورة اتصال صنعت ظاهرة التدين الجديد ونجوم الدعاة الجدد الذين على سطحيتهم وقلة بضاعتهم ( هم فى الحقيقة مقدمو برامج دينية ليس أكثر) ملئوا الساحة الإسلامية وشغلوا قلوب الجماهير التى لا يعرف معظمها هؤلاء الأعلام الكبار الذين كانوا يوما ما (جددا)!
كما ظهرت تحديات جديدة يبدو أن استجابة «الإسلاميون الجدد» لها لم تكن بنفس سابقتها، لم يعد الإصلاح السياسى شأنا داخليا وظهر سؤال الإصلاح من الداخل أم الخارج، وتغيرت قضية الإسلام الحضارى ورؤيته البسيطة لغير المسلمين فى المجتمع المسلمين بعد عولمة قضايا الأقليات الدينية (أقباط المهجر)، وحتى وحدة الأمة نفسها صارت محل نظر بعد الحرب المذهبية واجتياح المدن طائفيا فى العراق ولبنان.
أيضا لم يعد الغرب مكانا بعيدا عنا بعد أن حضر إلينا بنفسه (غزو أفغانستان والعراق..)، ولم يعد الحوار الدينى مع الغرب (الحوار الإسلامى المسيحى) حول قضايا لاهوتية أو سياسية، بل دخلت قضايا حرية الإبداع والتعبير.
لقد كانت الأسئلة كثيرة ومتسارعة بأكبر من طاقة الحالة الإسلامية على الاستيعاب ولم تكن استجابة «الإسلاميون الجدد» بما يملأ الفراغ، بل بدت أحيانا غير متوقعة أو متسقة مع المستقر والمنتظر منهم، بدا «الحكيم» البشرى أكثر الناس تشددا فى التعامل مع الملف القبطى الذى طالما رعى حماه، بعدما رأى انتهاك فكرة الدولة والجماعة الوطنية نفسها فى قضية وفاء قسطنطين.
وأوقف «العوا» الحوار مع الفاتيكان وهو ممن وضعوا لبناته الأولى بعد أن فاض الكأس بخطأ لا يغتفر من رأس الفاتيكان، وصار «هويدى» فى مربع أكثر خصوم النظام السياسى تشددا، أما «القرضاوى» زعيم مدرسة الوسطية فقد فتح الجرح الطائفى الذى لم يكن يحتمل المزيد من السكوت بعد أن صارت تطارده أنباء التشيع الممنهج والممول.
كانت استجابة هذه المجموعة الفريدة ملتبسة مرة وصادمة مرة أخرى (مثل فتواهم بجواز قتال المسلم الأمريكى فى الجيش بلاده فى أفغانستان)، وغيرت أحيانا من موقع المجموعة فى مربع الوسطية بعد أن صارت الوسطية نفسها موضوع تنافس من مشروعات سياسية مختلفة صارت تزايد على هؤلاء الأعلام وترى فيهم خروجا على الوسطية (أقله وفق المفهوم الأمريكى عشية الحرب على الإرهاب).
لكن حدث أخيرا (بعد معركة القرضاوى مع الشيعة) أن التغيير طال حتى من فكرة أن «الإسلاميون الجدد» مازالوا مجموعة واحدة تحمل مشروعا فكريا واحدا وتربطهم صلات شخصية وثيقة.
الثلاثاء 7 يوليو 2009
الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.