في خطوتين متزامنتين أكد السفير الأميركي المنتهية مهامه روبرت غوداك أن تونس أصبحت ناضجة لإصلاحات سياسية وخاصة في مجالي الحريات والإعلام، فيما اعتبر زميله السفير المعين غوردان غراي أن "الانتخابات القادمة تشكل فرصة هامة للولايات المتحدة لتشجيع الحكومة التونسية على تحقيق الشفافية"، وهما موقفان يُؤشران إلى أن واشنطن تعتبر الحريات تحديا رئيسيا في تونس في المرحلة المقبلة. كان السفير غوداك يتحدث في لقاء توديعي مع عدد محدود من الإعلاميين، واستمع خلاله باهتمام وبقلب مفتوح لكل الأسئلة بما فيها المساءلات المحرجة عن سياسة الإدارة السابقة في العراق وفلسطين، فضلا عن التساؤل عن ميقات تطبيق وعود الرئيس أوباما بتصحيح السياسات الأميركية إزاء العالمين العربي والإسلامي. وقال السفير غوداك الذي احتك عن قرب طيلة ثلاث سنوات بالعناصر الفاعلة في الدولة والمعارضة والمجتمع المدني إنه يشعر من خلال جولاته في مختلف المناطق ومجالسته للتونسيين، مسؤولين ومواطنين، أن البلاد مؤهلة لأن تحقق قفزات على طريق الإصلاحات الديموقراطية، مع اغتباطه بتطور التعاون الإقتصادي الثنائي خلال السنوات الأخيرة، وتنويهه خاصة بتعاون السلطات التونسية في مكافحة الإرهاب، من دون إعطاء تفصيلات أخرى، عدا الإشارة إلى المساعدة في تدريب 4600 ضابط تونسي. وكان لافتا تشديد السفير غوداك على أنه بالرغم من وجود نسبة من الفقر في تونس فهو مُعجب بحجم التقدم الذي تحقق في مجال التعليم والصحة والبنية الأساسية وحقوق المرأة، ما يجعل البلد مؤهلا حسب رأيه للتقدم أيضا في المجال السياسي. وتمنى أن تكون الإنتخابات المقبلة "فرصة لتكريس المبادئ المشتركة بيننا (يقصد الحريات والديموقراطية) وتحقيق ما ينتظره التونسيون وما يريدوه". ودافع زميله المعين غوردن غراي خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي يوم 7 تموز (يوليو) الجاري على أفكار مماثلة. كانت الجلسة مخصصة طبقا للتقاليد الأميركية لدراسة ترشيح غراي لمنصب سفير في تونس، وصرح خلالها السفير المُعين في معرض رده على الأسئلة والاستفسارات بأن "حقوق الإنسان لا تقف عند يوم الانتخابات بل تتواصل بعدها لتشمل الحق في تكوين الجمعيات وحرية التعبير وحرية التجمع". ودل هذا التركيز على موضوع الإصلاحات على الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لمسألة الديموقراطية في تونس في هذه المرحلة، بغض الطرف عن الدوافع والمبررات. وما يؤكد أنها تولي اهتماما خاصا لهذه المسألة ما جاء في كلمة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جون كيري أثناء الإستماع إلى دفاع السفير غراي عن مهمته الجديدة في تونس، إذ قال "إن تونس تحتل مرتبة متأخرة جدا في مجال حقوق الإنسان، حتى بالقياس إلى بعض جيرانها". والسيناتور الديموقراطي كيري ليس شخصية سياسية عادية في الولاياتالمتحدة فهو المرشح السابق للرئاسة في وجه جورج والكر بوش. ماذا قال كيري عن تونس في مداخلته خلال جلسة تعيين السفير؟ قال الكثير عن ضرورة توسيع حرية الصحافة وصيانة الحريات وحقوق الإنسان، ويمكن تلخيص مجمل ما قاله في هذه الجملة القصيرة "إن التقدم في الميدان السياسي ضروري لكي تؤمّن تونس على مستقبلها". بهذا المعنى يمكن القول إن الموقف الرسمي الأميركي من تونس يتسم بسمتين رئيسيتين: أولاهما أن الإدارة الأميركية تتطرق علنا إلى مسألة الحريات والديموقراطية ولا تناقشها في المكاتب المغلقة، على عكس الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين، الذين أكدوا في مناسبات عدة أنهم لا يطرحون هذه المسائل في العلن، تفاديا لإحراج السلطات التونسية. وثانيتهما أن إعطاء الحكومة التونسية الحجم الأكبر للتعاون الإستخباراتي والعسكري في العلاقات الثنائية مع واشنطن، في إطار حرب الرئيس السابق بوش على الإرهاب، فقد كثيرا من مبرراته في ضوء الرؤية المغايرة التي عبر عنها بوضوح خلفه أوباما. وهذا يُرشح ربما موضوع الإصلاحات لتبوإ مكانة أكبر في الفترة القادمة. مع ذلك يُقر المسؤولون الأميركيون بأن تحقيق الديموقراطية هي رسالة موكولة لأصحاب البلد وأن أي مسار في هذا الإتجاه لا يكون نابعا من نسيج المجتمع ومن صُنع نخبه، سيكون مآله الإضمحلال.