يكاد لا يخلو يوم هذه الفترة، وفي أكثر من دولة عربية، من مقال في هذه الصحيفة أو تلك يشهّر بقناة 'الجزيرة' وينعتها والدولة التي تمولها والبلد الذي يحتضنها بأقذع الأوصاف، حتى إن احدى القنوات التلفزيونية الخاصة في إحدى هذه الدول خصصت لها برنامجا كاملا عبارة عن ثلاث ساعات متواصلة من الردح. لقطر ونظامها رجالاته الذين هم أولى وأنسب بالدفاع عنها، أما عن 'الجزيرة' فلا بد أولا من القول إنها ليست مشروعا إعلاميا معصوما ولا هو فوق النقد، وهو على كل لم يزعم يوما أنه لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من بقية جنباته. هو ببساطة تلفزيون له ما له وعليه ما عليه، ولعل ما لا يعلمه كثيرون أن العاملين فيه هم الأكثر صرامة في نقده في اجتماعاتهم وهيئاتهم وبحضور كبار المسؤولين دون تردد أو مجاملة. المشكلة إذن ليست في نقد هذه المحطة، فهي بأمس الحاجة إليه إذ يكفيها تخمة المديح طوال هذه السنوات، ولكن في الطريقة المبتذلة التي يتم بها ذلك وفي الصحف والصحافيين الذين تولوا هذه المهمة والذين ما عرف عنهم سوى أنهم يكتبون ويخرسون بالأوامر. وبعضهم اشتهر بتقاريره إلى الجهات الرسمية أكثر من مقالاته التي ينشرها. ويكفي أن يُسأل رجل الشارع عن رأيه في هذه الأقلام الجاهزة دوما للتكليفات الرسمية وكذلك عن رأيه في القناة ليعرف هؤلاء بالضبط المكانة التي لهم عند الناس ومكانة المحطة حتى وإن كان للكثيرين عنها عدة مآخذ. لو جاء هذا النقد من صحف مرموقة وأقلام ذات سمعة ومصداقية لكان لزاما على المحطة أن ترصده بعناية وتتوقف عنده ولم لا تأخذ بالكثير مما قيل لأنه السبيل الحقيقي لإصلاح هناتها وتحسين نوعية أدائها، ولو كان ما يكتب يمكن تصنيفه في خانة النقد التلفزيوني لكان جديرا بالتمعن والتدبر من القائمين على المحطة، لكن ما يجري هو حملات منظمة بأوامر عليا مما يكشف بالضبط مدى استقلالية القرار التي ينعم بها كتبة مقالات الردح والتي يندبون غيابها عن المحطة. الطريف في الأمر كله أن بعض هؤلاء الكتاب لم يجد من مقاربة مقنعة للتهجم على المحطة سوى القول إنها كانت جيدة في انطلاقتها ولكنها الآن انحرفت عن مسارها الأصلي مع أن الكل يعرف أن هذه المحطة ولدت مكروهة عند هؤلاء ومن يأتمرون بأمرهم منذ يومها الأول لأنها باختصار النقيض المهني للإعلام البائس الذي يمارسونه وللبيئة الإعلامية الرسمية المخنقة التي يسبّحون بحمدها. الشيء الوحيد المحزن في موسم الهجوم على 'الجزيرة' هذا أن بعضه شارك فيه صحافيون سابقون في 'الجزيرة' بمستويات مختلفة. إذ رأى بعضهم كتابة المقالات والإدلاء بمقابلات، وهم أحرار في ذلك على كل حال، فيما اختار البعض الآخر شتم المحطة وسيلة استرزاق حقيقية إذ باتت تؤمن له الدعوات الرسمية والحفاوة الكاملة التي أعمت البصائر إلى درجة القول إن مراسلي الجزيرة في بعض مناطق النزاع يطلقون قنابل صوتية لجعل تقاريرهم أكثر إثارة!. ويبقى السؤال المحير هو لماذا لم تؤد هذه الغيرة الجياشة على المعايير الإعلامية الأصيلة، التي أبداها كل المشاركين في هذا الموسم، والتي تنكرت لها 'الجزيرة' كما يقولون، إلى أي تحسين في أداء الإعلام الوطني لدى هؤلاء؟ ولماذا ما زال المواطن العربي يثق في هذه المحطة ويتابعها ويعرض عن صحافته الصفراء وتلفزيونه التعيس؟ أفيدونا أفادكم الله