أصحاب الهمم هم شخصيات إسلامية صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فجاهدوا بالعلم والكلمة والسيف لنشر دعوة الإسلام ولنصرة الدين والدعوة، ونحن نتحدّث عنهم لما في ذكر أحوال كلّ واحد من هؤلاء من غنية للمطّلع، وباعث على الإئتساء لمن تنفع فيه الذكرى إن شاء الله. ولعل نقيض أصحاب الهمم أصحاب الخسة الذين يمثل إبليس أبرز مثال لهم، كما يقول الإمام ابن الجوزي، فإنه كان متعبدا مؤذّنا للملائكة، ثم رضي لخساسة همته ولحسده لآدم الذي فضّله الله عليه بمدة يسيرة يعلم سرعة انقضائها فقال:“أنظرني إلى يوم يبعثون" (الأعراف، 12) وصارت لذته في إيقاع العاصي بالذنب كأنه يغيظ الحق بذلك ولجهله بالحق أنه يتأثر، وجهل أن الحق سبحانه لا يتأثر ولا يؤذيه شيء، ولا ينفعه، لأنه الغني بنفسه، ثم نسي قرب عقابه الدائم فلا غفلة ولا جهالة كجهالته وما أعجب قول القائل في إبليس: عجبت من إبليس في نخوته وخبث ما أظهَرَ من نيته تَاهَ على آدم في سَجْدَةٍ وصار قَوَّادًا لِذرّيََّتِه والهمة، كما يصفها الإمام الغزالي، هي إجماع قلب المهتم وجمعه لنيل مقصده بالتوجه إليه دون غيره، من غير قلب قاصده لسواه. وصاحب الهمة لا يكون همه في مقصده لنيل أغراض متفرّقة، كمن أراد أعمالا لا يقع في يده غير عمل واحد. والهمم هي فرع من فروع النفس على قدر وضع النفس وارتفاعها. إن همة كلّ أحَد على قدر نفسه في علوّها وطهارتها". وهي عالية على قدر علو همة حاملها كما قال المتنبي على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم أو كما قيل إذا كانت النفوس عظاما تعبت في حملها الأجسام قال الغزالي : نيل المقاصد من غير همة غمّ عمن تعلّق بها، لأن اكتساب الهمم ونيل مقاصدها للعلماء يتم بالدرس والمواظبة والجوع والصبر، كما يروى عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: "هموا بمعالي الأمور لتنالوها، فإني لم أكن للخلافة أهلا فهممت بها فنلتها" وقال الإمام علي وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فإن أطعمت تاقت وإلاّ تسلَّّّّّّّّّّّّّّّت وقال المتنبي يحرض الناس على طلب المعالي اطلب العز في لظى وذر الذلّ ولو كان في جنان الخلود كما قال شاعر عزيز النفس كريمها عليّ ثياب لو يقاس جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الورى كانت أَجَلَّ وأَكْبَرا وما ضّرَّ نَصْلَ السيف إخلاق عهده إذا كان عَضْبًا حيث وجَّهْتَهُ فَرَى قال الغزالي: واعلم أن الناس بك لائذون لطلب منافعهم، وكلّ أحد يريدك لنفسه إلا الله، فإنه يريدك لك، فكن معه ولازمه ولا تستهويك الأماني، فالظل لا بد أن يزول ولو عمرت ما عاش آدم. فجاهد نفسك، أخي القارئ، واتبع شرعك فلا تخالف نبيّك وأكرم كتابك فهو هدية الله إليك. وأصحاب الهمم الذين اخترناهم لم يكونوا من الصحابة رضوان الله عليهم، حتى لا يقول قائل هؤلاء ربّوا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فهم لا بد أن يكونوا كذلك، وليسوا من الأئمة الأربعة المشهود لهم بعلو الهمة والفضل. وإنما هم مجموعة قد يكون البعض منهم معروفا مشهورا وقد يكون منهم شخصيات مغمورة أو غير معروفة ولكن هناك جامع مهم يربط الواحد بالآخر وهو همتهم العالية وتصديهم للإسهام في حل قضايا عصرهم ونبوغهم على غيرهم في العلم أو في الفقه أو في السياسة أو الأدب أو في غيرها... وسنحاول في هذا الشهر الكريم أن نقدم بعض أمثلة للقارئ لعلّها تكون حافزا ودافعا نحو المزيد من تهذيب النفس وتأديبها. حسن الطرابلسي باحث في الفكر الإسلامي ألمانيا