: رفض السيد البشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان في تصريحات له أمام مجلس المستشارين، نشرتها صحيفة "الصباح" التونسية يوم الجمعة 11 ديسمبر 09 الحديث عن وجود مهجرين تونسيين في الخارج يطالبون ب"حق العودة". وقال في معرض حديثه للمجلس الموقر "ليس هناك مغرّبون تونسيون، وبالتالي ليس هناك حق عودة بل هناك أشخاص مطلوبون أمام العدالة وعوض المثول أمام القضاء آثروا الهروب من العدالة وصدرت ضدهم أحكام غيابية". وأضاف "من حقهم الرجوع الى وطنهم ولا يمنعهم أحد من ذلك، لكن النظام القضائي التونسي مثله مثل غيره يقتضي اعتراض من صدر ضده حكم غيابي وذلك بصفة حضورية وهي اجراءات عادية ولا اشكال فيها". ونوه السيد البشير التكاري الى أن جميع المحاكمات التي تجرى في محاكم تونس محاكمات عادلة، وقال بأن "القانون يطبّق على الجميع على أساس المساواة مع توفير جميع الضمانات"، حسب قوله. أردنا من خلال هذه المصافحة التعليق على كلام السيد الوزير الذي فيه مجانبة للحقيقة , فنحن أمام بلد لازال القضاء فيه يكابد من أجل البحث عن استقلاليته .., وهو أمر معلوم سبق أن نوه اليه قضاة بارزون من أمثال الأستاذ مختار اليحياوي الرئيس السابق للمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة وكذلك أعضاء بارزون في المكتب الشرعي الأسبق لجمعية القضاة ... حين نتوجه بالسؤال عن استقلالية القضاء وعدالته الى فرسان المحاماة رجالا ونساء فانهم سيقطعون بأن علة البيت القضائي تكمن في تدخل جهات خارجة عن الجهاز في استصدار الأحكام , وأحسب أن الجميع موقن بألا كلمة للقضاء حين تتصل جهات عليا بالقاضي الموقر لتطلب منه اتباع التعليمات بخصوص قضايا معارضين بارزين أو منفيين سياسيين . عدت شخصيا الى تونس مطلع شهر جانفي 2009 واعترضت بصفتي مغتربا سياسيا على أحكام صدرت بشأني غيابيا بعد مغادرتي للبلاد مطلع سنة 1992. فوجئت بشكل مثير للدهشة باستصدار الأحكام ضدي سنوات 1998 و2001 و2004 برغم عدم وطئي للبلاد منذ مايزيد عن السبعة عشر سنة !!! وفي كواليس القضاء بالعاصمة تونس وفي أجواء ترقب غلق ملفات سياسية مثيرة لأكثر من نقطة استفهام , أكد لنا قاضي موقر بأن المحكمة لم تصدر الحكم بل ان نص الحكم الاعتراضي جاء بناء على طلب من جهة أمنية لاأرى داعيا لذكرها... عشت ببلد اقامتي الأوروبي كل هذه المدة ولم أحدث نفسي يوما بمخالفة القانون , ووقفت سنة 2003 أمام القضاء الأوروبي ليحكم لي باسنادي حق اللجوء السياسي بناء على تحر قام به قضاة نزهاء كان من بينهم ألمانيان من حملة شهادة الدكتوراة في القانون الاداري والقضايا ذات الصبغة السياسية .. لازلت أذكر بشاشة القضاة الأوروبيين وسعة صدرهم على مدار ساعة ونصف ..حين كان رئيسهم يتمنى لو اتسع الوقت من أجل الاصغاء لي بخصوص ظروف مغادرتي للبلد في أجواء سياسية مشحونة مطلع التسعينات من القرن الماضي... قال القاضي الأوروبي يومها لأول مرة أقنعني شاب تونسي بأن ثمة مشكلة حقيقية في بلد لايعرف عنه الكثيرون الا صورته السياحية ... حين تحدثت يومها أمام القضاة الأوروبيين بكى الحضور في القاعة وأمسك بعض القضاة دموعهم حين سألني رئيس القضاة عن شعوري بعد تأخر النظر في طلبي لمدة راوحت 11 سنة من الانتظار... انتهت الجلسة أمام خمسة من القضاة الأوروبيين واستمتع رئيس المحكمة بالاستماع لي بلغة غوته , بل ألح علي بحضور جلسة أخرى لمضطهدين سياسيين جاؤوا محتمين بالعدل من نفس الربوع الجغرافية ... وبعد دقائق تذكرت ابني المريض يومها وغادرت مبنى المحكمة ولم أر شرطيا واحدا يقف أمام مبنى أشهد لرجاله ونسائه بكثير من العدل والانصاف... الحديث عن الاستقلال الحقيقي للقضاء هو علامة فارقة في دولة الحق والقانون , وأظن أننا في تونس مازلنا بعيدين بمسافات ماراطونية طويلة عن العدل المنشود ..والا فمامعنى أن يكتب السيد عبد العزيز الجريدي في جريدة "الحدث" سابقا أو "كل الناس" اليوم ماطاب ولذ من افتراءات ساقطة بحق شخصيات وطنية وعامة ولاتحرك السلطة القضائية ساكنا في حين أنها تقف بالمرصاد لمعارضين بارزين أو رجال اعلام أو حتى فرسان في حقل الحقوق والمحاماة ؟! روت لي سيدة تونسية اليوم أن جهة غير معلومة قامت بتهديم جزئي لحمام أثري داخل مدينة سوسة العتيقة برغم تضمين الحمام المذكور ضمن خارطة الاثار الوطنية وبرغم وجود قرار بحماية الأثر المذكور من أي اعتداء معماري يشوه خارطة الاثار بجوهرة الساحل التونسية..., ورغم ذلك فقد أقدمت جهة يبدو أنها فوق القانون بتهديم متدرج للحمام وقبته الأثرية الرائعة من أجل تشييد مباني على الطراز المعماري الأكثر حداثة...! طبعا في مثل هذه الحالات يغيب القضاء لأن المعني بالنزاع جهة قد تكون نافذة .., في حين أن لحم المعارضين وحرياتهم تصبح مستباحة مادام هؤلاء لايغنون نفس المعزوفة الرسمية للسلطة ... الدستور التونسي والقوانين الأساسية والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الانسان ضمنت للتونسيين والتونسيات حقهم في الاختلاف والمغايرة .., غير أن البعض يسمح لنفسه في بلدنا بالاعلان عن تنظيم مسلح لتصفية المعارضين دون أن تحرك السلطة القضائية أي ساكن !!! , بل ان البعض يتهجم على مواطنين تونسيين على أعمدة الصحف ويحرض على قتلهم بتهمة العمالة لاسرائيل دون حجة أو دليل دون أن نرى من جديد أي أثر للسلطة القضائية ..!!! هذا هو للأسف واقع الحال حين نطالب بدور فعال ومستقل للقضاء بعيدا عن تدخل الجهات الأمنية أو السياسية في املاء أو ترجيح كفة الأحكام ..., ومالم نمتلك الجرأة فى معالجة هذا الواقع فان العدل أو الأحكام العادلة التي تحدث عنها السيد الوزير ستظل مجرد تصريح اعلامي يأخذه البعض على محمل دعاية تمارسها الكثير من الأنظمة السياسية... العدل سيدي الوزير هو أساس العمران , والظلم مؤذن بخرابه , وأظن أنه من باب العدل غلق ملف سياسي مضت عليه قرابة العقدين .., اذ ليس من الانسانية في شيء الاصرار على توصيف مواطنيكم وشركائكم في هذا الوطن بالفارين من العدالة !... لو كانت هناك فعلا عدالة لما أصر على اقصاء مواطنين تونسيين من المشاركة في الفضاء السياسي , ولو كانت هناك عدالة لما وقعت اعتقالات مست عشرات الالاف من التونسيين في حقبة التسعينات ..ولو كانت هناك عدالة لما تم غض الطرف عن استعمال اليات التعذيب مع نشطاء سياسيين من الحقل المعارض... امل أن نتجاوز جميعا قوسا تاريخيا مؤلما , فتلك حقبة ولت وانتهت , ولافائدة الان من نكئ الجراح , فلست الان في حاجة الى التذكير بحجم الخسارة التي لحقت تونس حين تم اجهاض أحلام نخب واسعة في تحقيق ماتوافق عليه التونسيون في موضوع التنمية السياسية في الوثيقة التاريخية المهجورة والمسماة بالميثاق الوطني ... لقد حان الوقت للتجاوز ..وحان الوقت لطي سجلات الماضي الأليم , ولاأرى من الحكمة بمكان أن تتمسك السلطة بالحديث عن سجناء الحق العام في مقام الحديث عن سجناء الرأي , أو بالحديث عن الفارين من العدالة في مقام الحديث عن معارضين يساريين أو اسلاميين أو ليبراليين..., كما أنني لاأرى من الحكمة بمكان أن يفتش معارضون في دفاتر شخصية لحياة مسؤولين سياسيين أو زوجاتهم من أجل نسف شرعية سلطة حاكمة تقوم على تسيير شؤون البلد منذ أكثر من عقدين سواء أحببنا أم كرهنا ... ليس من الحكمة أن يخوض معارضون في الحياة الشخصية لزوجة رئيس الجمهورية أو صهره , سواء كان ذلك من منطلق توسيع مساحات الاشتباك أو من باب الحسد والغيرة , كما أنه ليس من العقل بمكان أن يتحدث بعض المقربين من السلطة عن عمالة معارضين وطنيين للدولة العبرية ..فحين يقع الشطط والميل والجنوح تفسد السياسة وتتعفن منابعها... والمعذرة سيدي الوزير , فقد أردت الاصلاح , وماتوفيقي الا بالله ...