لن أخوض في هذا الموضع اطلاقا في شرعية الحق العربي والاسلامي على أرضه وسمائه ومياهه,ولن أذهب مذهبا بعيدا في تقدير حجم ماأصاب البشرية من اختلال موازين العدل والانسانية والكرامة أمام ماأصاب العالم الحر بمفهومه الحقيقي من ذهول وصدمة قبالة مشاهد بيروت وصور وصيدا والجنوب والضفة وغزة وهي تحرق وتدمر بصواريخ وأسلحة لم تعرفها البشرية من قبل.. لا أريد هنا أن أتحدث عن أسباب اندلاع الحرب المفتوحة على لبنان واخر ماتبقى من أراضي ملتهمة وقصص صمود انساني في وجه أكبر الات الدمار و"الحداثة العسكرية" التي عرفها العصر,غير أني أجد أن صدى ماوقع من عملية تخريب لمجتمعاتنا المدنية العربية والاسلامية لم يكن في حدود رقعة الجغرافيا التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو وانما في اطار مسلسل مايحدث اليوم لعالمنا من اعادة تشكيل ورسم معالم جغرافية وسياسية على أساس من القوة وليس من الحق والعدل. المسلسل التدميري الذي تمر به المنطقة العربية في قلبها اليوم ,وتحديدا في مثلثها النابض على جميع الأراضي المحتلة والمحروقة ,ليس له من مبرر أخلاقي ولاقانوني ولاشرعي سوى ماقيل لنا بأنه دفاع عن النفس,لتستوي بذلك كفة روح جنديين مختطفين أو ثلاثة مع مصير شعبين وبلدهما بالكامل. ولست هنا في معرض تبرير أي خطف أو اخلالات أمنية كبرى تمر بها المنطقة فلا شك أن الجميع معني بتحقيق السلام العادل والشامل والكامل ولكن على أساس من اعادة الحقوق لأصحابها وايقاف الة الالتهام للأرواح والأراضي والممتلكات والتاريخ والوجدان وايقاف الأذى عن الشجر والحجر والانسان. أي مصير هذا يراد اليوم للبنان بعد أن وقف على رجليه من جديد وأعاد النهوض المدني والعمراني لمدة راوحت العقدين,لتخلد بذمته ديون تقدر بأربعين مليار دولار وأرواح قدرت بعشرات الالاف من الجرحى والقتلى تحت أنقاض الحروب الأهلية والمواجهات العسكرية مع من جاء بنية التدمير أو الاحتلال! اليوم يرسل بلبنان وشعبه من جديد الى الأكفان وقصص الخراب والدمار التي يتسلى بها العسكريون في مقابل الاستجابة الى منطق الانتقام والتشفي المغذى بروح القداسة والأديان التي جعل الله تعالى منها مشكاة خير وبناء وسلام وليس دليل قتل عشوائي وحرق للأخضر واليابس بعيدا عن معاني الرقي الروحي والمادي الذي ابتعث من أجله الرسل والأنبياء... أي شرعية دولية هاته التي تبيح قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير بلد بأكمله وحضارة عريقة رسمت تاريخ وحاضر بلدان البحر الأبيض المتوسط وجزء كبير من حاضرة العالم!؟أي شرعية دولية يعامل فيها الانسان على أساس دينه وأصله ومنبته وليس على أساس انتمائه الى الحاضرة الكونية والعالمية بقطع النظر عن الأصل والفصل واللسان..!؟ لم تبدأ قصة التدمير والتخريب هاته على أرض لبنان وفلسطين وانما بدأت يوم أن أريد لمجتمعاتنا الأهلية والمدنية العربية والاسلامية القتل البطيء تمريرا للمجزة الكبرى للقيم والمثل بدءا بوءد حلم الديمقراطيات العربية والاسلامية وصولا الى قتل الانسان ظلما وعدوانا والاستيلاء على الجغرافيا والتاريخ من أجل اعادة تشكيل العالم والمنطقة... ان حالة القمع الرهيب التي تعرضت لها المجتمعات المدنية العربية والاسلامية والتي وصلت الى حد تحويل أحزاب كبرى وظواهر اجتماعية نابضة الى حالة سجنية أو حالة مهجرية تموت قهرا عبر اقتلاعها من سياق فعلها الاجتماعي والمدني الطبيعي ,هو الذي مهد لتغييب دور الشارع العربي والاسلامي كجزء من معادلة ضغط على الرسميين والحكومات من أجل الذود عن الأرض والعرض والكرامة... اننا نلتفت اليوم الى الجزء الأكبر والفاعل من المعارضات المدنية والمجتمعات الأهلية العربية,فنجده اما وراء القضبان أو وراء حدود الأوطان أو نجده منهكا بعذابات المراقبة الادارية أو الأمراض التي حملها معه من رحلته السجنية,وبالتالي نجد أنفسنا اليوم أمام بلدان عربية بلا قلب نابض ولا ضمير متحرك أمام استفراد القوى الكبرى بحكومات ضعيفة تلقت من شروط السكوت على جرائم حقوق انسانها العربي ماتضيق به كل كراسات الشروط السياسية في أي معادلة علاقات اقليمية أو دولية... ان المقدمة الحقيقية والشرط الأهم من أجل اعادة الاعتبار لمنطقة حصينة ومنيعة في وجه أي طموح استعماري جديد أو أي طموح توسعي أو عدواني من قبل المتربصين بأي شبر من المنطقة هو وضع حد للانقسامات الداخلية بين المعارضات والحكومات والمعارضات في علاقتها ببعضها البعض على أرضية من الاصلاح السياسي الجاد والحقيقي الشامل وبالتالي دمقرطة الأنظمة على أساس هادئ وعادل ينهي حالة الخصومة المستمرة منذ الاستقلال الأول بين حكومات لاتريد شرعية الانتخاب وشعوب تتوق الى التمثيل السياسي الشرعي ولو في حده الأدنى... ان الهزيمة اليوم لم تعد ذات جذور عسكرية فقط وانما أصبحت مغذاة بحالة الانهيار والتاكل الداخلي نتيجة تصفية المجتمعات المدنية العربية,والتي بدأت بفعل الضربات المتتالية والمؤلمة التي تلقتها تفشل في تعبئة الشارع العربي والاسلامي من أجل ضمان الدعم الناجع والحقيقي في معركة الصمود الحضاري والانساني في وجه الة القلع والتدمير والقصف والقتل التي يواجهها اللبنانيون والفلسطينيون كأمثلة متقدمة على طلائع المواجهة بين حضارات الم تتدافع توازنا وتعادلية في القوى فانها محمولة بحكم سنن الكون وطبائع البشر على الصدام الذي قد يأخذ في أكثر من واجهة طابعه العسكري غير المحمود.