بصوت متهدج وبوقفات للتأكيد على الكلمات التي ينطقها، يقول محمد ماهل رئيس الاتحاد الإسلامي في أميركا اللاتينية: "أنا أعتقد، بل أرى مرأى العين، أن أميركا اللاتينية بدأت تستيقظ الآن وتنظر إلى المشكلات في الشرق الأوسط بعيون أخرى، وفي إطار الحرب العراقية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي." يشير ماهل هنا إلى التظاهرات التي خرجت طوال الأسابيع القليلة الماضية في العديد من المدن الأميركية اللاتينية ومنها العاصمة البرازيلية بوينس أيرس بدعوة من التنظيمات العربية والإسلامية ضد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة ولبنان. يقول ماهل: "الهوة الشاسعة بين أميركا اللاتينية والعرب قد بدأت تتناقص. هذه التظاهرات التي نظمناها تعبير عن موقفنا، يضم الاتحاد بالطبع العديد من المنظمات العربية والإسلامية، لكن ما أثار انتباهنا هو أن الاتحادات العمالية والعديد من المنظمات غير الحكومية قد استجابت لدعوتنا للتظاهر، بعبارة أخرى، لم تكن هذه المظاهرات عربية إسلامية صرفة بأية حال." ويوضح محمد ماهل بجلاء أن إدانتهم للاستخدام الإسرائيلي للعنف في غزة ولبنان لا يعني بالضرورة تأييدهم لحركة حماس أو حزب الله: " دعني أعقد مقارنة، يعيش في غزة مليون ونصف المليون نسمة في مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترا مربعا، هذا الوضع لا يمكن احتماله بأية معايير ديموغرافية مقبولة، كيف يمكن لأحد أن يتصور ألا يكون للناس رد فعل في مثل هذا الوضع؟ يمكن لكل زائر لغزة أن يرى الأوضاع الإنسانية الرديئة التي يعيش فيها الفلسطينيون." " يمكنك أن تقول إنني لا أتفق مع حزب الله وحماس، لكن لابد من حل نهائي لهذه المأساة التي يتعرض لها مليون ونصف المليون فلسطيني في ظروف إنسانية لا تُحتمل، لابد أن تتوفر لهم الفرصة للعيش بكرامة مثل كل بني البشر. هل هذه المظاهرات من أجل حزب الله أو حماس؟ ما أستطيع أن أقوله شخصيا هو أنها من أجل العقلانية والعدالة والأيمان.. العدالة الحقيقة، ليست تلك التي المطعونة بالنفاق." غطت سماء التظاهرات الأخيرة التي دعت إليها المنظمات العربية والإسلامية في بوينس إيرس أمواج من الأعلام اللبنانية والأرجنتينية والشعارات التي تدعو للوقف الفوري لقتل الفلسطينيين واللبنانيين. في ساحة بيسو دي مايو التاريخية تُلى على مئات المتظاهرين بيان يصف ما يحدث في لبنان وغزة بالمذبحة، ويدعو حكومة الرئيس نستور كرشنر باتخاذ موقف واضح منها. مثل الأرجنتين تماما، فضلت معظم حكومات أميركا اللاتينية أن تلوذ بالصمت تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط وتجنب زعمائها التعبير عن مواقفهم علنا. الرئيس الكوستاريكي أوسكار إرياس، الحائز على جائزة نوبل، والفنزويلي هوجو شافيز كانا استثناء على هذه القاعدة. بالرغم من الموقف الصامت للحكومات في أميركا اللاتينية فإن محمد ماهل مقتنع بأن هنالك شعورا عاما في القارة الأميركية الجنوبية بأن الشرق الأوسط تشهد حربا غير عادلة، واستخداما مفرطا للقوة من طرف إسرائيل، وهذا يدفع الكثير من الناس للاتصال بمكاتبنا تعبيرا عن تضامنهم معنا. بالأمس كان لدينا مؤتمر لا صلة له إطلاقا بما يحدث في الشرق الأوسط، لكن معظم الدبلوماسيين والمثقفين الذي شاركوا في المؤتمر انتهزوا تلك الفرصة للإعراب عن التضامن معنا ضد العنف الإسرائيلي غير المبرر ضد الفلسطينيين واللبنانيين." ويرى ماهل أن هذا الاهتمام الجديد في أميركا اللاتينية تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط نتج جزئيا عن التقارب بين الطرفين الذي عمل له الرئيس البرازيلي لولا: "هناك ظاهرتان، إذا نظرنا إلى الوضع من الزاوية السياسية، اعتقد أن مبادرة الرئيس كانت أداة ملائمة جدا لها أهميتها الاستراتيجية سياسيا واقتصاديا في التواصل بين أميركا الجنوبية والعرب. كما كانت المشاركة الكبيرة للزعماء العرب في القمة العربية اللاتينية في البرازيل تعبيرا واضحا عن الأهمية الكبيرة التي يوليها العرب لهذه القارة. ودعني أشدد أيضا على أن الشرق الأوسط والخليج منطقة ثرية جدا ولأميركا اللاتينية مصالح تجارية هامة ماثلة ومحتملة هناك." كل ذلك قرّب من وجهات نظر الطرفين في العديد من القضايا، ووفر فهما أفضل للمشكلات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط. هنالك أيضا عامل مهم آخر، وهو أن هنالك أعدادا كبيرة من المواطنين ذوي الأصول العربية في الكثير من بلدان أميركا اللاتينية ومن الأجيال الثالثة والرابعة من المهاجرين في بلد مثل البرازيل، لكن ذلك ليس هو الحال في الأرجنتين وفنزويلا اللتين تشهدان موجات من المهاجرين العرب حاليا؛ مما يساعد أيضا في تفهم أفضل لمشكلات الشرق الأوسط. والآن، الحقيقة هي أن المنظمات العربية والإسلامية بدأت تكسر حلقة الصمت التي تحيط بالأوضاع في الشرق الأوسط، وليس أدل على ذلك من المظاهرات غير المسبوقة ذات الصلة بالصراع في الشرق الأوسط: "نحن نتطلع دائما إلى أن تنتهي هذه الصراعات في أقرب وقت ممكن بما يرضى كل الأطراف. عندما تبدأ مثل هذه النزاعات فلا أحد يستطيع كبح جماحها ووضع حد لها. نحن لا نريد للتظاهرات أن تتحول إلى العنف؛ لأن العنف لا يجدي فتيلا، لكننا نريد أن يعرف الجميع هنا قدر السخط والنقمة التي تسود وسط العرب والمسلمين في أميركا اللاتينية." بابلو جوميز: إذاعة هولندا العالمية ترجمة: محمد عبد الحميد الرحمن