: كان الحدث ليلة البارحة الأحد 17 يناير 2010 , مباشرا على فضائية تونس 7 , فلم يحصل في تاريخ اعلامنا الرسمي والمرئي تحديدا أن تطور الحوار الى تلك الملاسنة الشجاعة والجريئة بين مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم السيد فوزي البنزرتي وبين معد ومقدم برنامج ستاد 7 السيد معز بن غربية ... قبل أيام وفي برنامجه الاخر "الحق معاك" , استطاع نفس المذيع وباسناد من فريق من المحامين ومعد ومخرج بثقل ونفوذ السيد سامي الفهري , استطاع هؤلاء في برنامجهم المذكور الاطاحة بشيخ مدينة تونس ورئيس بلديتها برغم تعيين هذا الأخير من قبل رئيس الجمهورية .. انطلق البارحة برنامج "ستاد 7 ", بعد ساعتين تقريبا من نهاية مقابلة تونس والغابون بنتيجة سلبية , صفرا لصفر , وكان الهجوم لاذعا على الفريق الوطني الشاب , فالأسهم كانت موجهة لأعضاء المنتخب وللمدرب على حد سواء , ومصادرها كانت متراوحة المنبع مابين لاعبين سابقين أو محللين فنيين أو حتى رجال عرفوا بنشاطهم في حقل المحاماة ثم سرعان مااختطفتهم أضواء الاعلام ليصبحوا متفرغين على ذمة سلسلة من البرامج التلفزية الشهيرة... بعد تعادلين في مقابلتي زامبيا والغابون , بدت الجماهير الرياضية في تونس قلقة على مشاركة المنتخب , اذ بات مصير الفريق في تصفيات أمم افريقيا مرهونا بأداء تونس والكاميرون على حد سواء ... خسرت تونس قبل أسابيع بطاقة تأهلها لنهائيات كأس العالم مع المدرب البرتغالي كويلهو , وتم اختيار الأستاذ فوزي البنزرتي , وبطلب جماهيري , كمدرب وطني للفريق قبيل أسابيع من انطلاق الألعاب الافريقية .. قبل أيام أو لنقل أسابيع أيضا, كانت وسائل الاعلام التونسية تشيد باقتدار السيد البنزرتي , فالرجل تحصل على ألقاب وبطولات على المستوى الوطني والعربي وربما الافريقي مع الأندية التونسية ... , وكان الجميع قد شرب كأس المرارة على أيادي رومير وكويلهو واخرين سبقوهم في الاشراف على حظوظ المنتخب... ابتزت الخزينة الرياضية والمال العام على أيدي هؤلاء المدربين الأجانب , وتم القبول بشروطهم طمعا في تشريف تونس في أهم محفل رياضي عالمي .., وكان أداء المنتخب في كل مرة , أكثر من مخيب..! فوزي البنزرتي , كان أستاذا لي نهاية الثمانينات في مادة الرياضة البدنية , ولم أعرف عنه مع أبناء جيلي بمدينة صفاقس حين درس بمعهد 15 نوفمبر 1955 , الا الذكريات الجميلة , فهو رجل خلوق ومتواضع وشغوف الى النخاع بلعبة كرة القدم .., وقد قضينا معه أيامها أروع الذكريات ..ولازال ميله الى الانضباط وابتسامته وقربه منا الينا كأستاذ أروع ماحملته عن حقبة من الزمن الجميل ... جلس الأستاذ البنزرتي البارحة في مواجهة الدقائق المحرجة حين كان البث مباشرا من مقر اقامته بلوبانغو , فقد سبقه الى الاستجواب قائد المنتخب كريم حاجي , وقد كان الأخير في مواجهة الهجوم الكاسح , حتى انتقل الحديث بعدها الى قناة حنبعل واتهامات لها بتشويه صورة المنتخب ... كان البنزرتي محيطا من البداية بالمناخ الاعلامي العام الذي يتابع مشاركة تونس يوميا ولساعات طوال على شاشات التلفزة , ثم أطلق العنان مع بداية تدخله الى اتهامات مضادة وجهها للاعلام التونسي بالمساهمة في تحطيم معنويات فريق شاب ... تحدث عن جهود يومية يبذلها عناصر الفريق , وعن تضحيات يبذلونها من أجل الدفاع عن الراية الوطنية , قال بأنه لن يسمح لأي كان بالتشكيك في وطنيته أو في وطنية عناصر المنتخب.. أشار الى الامكانات الكروية في تونس , والى امكانات الفرق المنازلة في المجموعة.. تحدث عن انسحاب مماثل للمنتخب المصري من تصفيات كأس العالم , وعن وقوف الاعلام المصري في معاضدة فريقه الوطني وعن اسناد شامل للفريق , كان على رأسه الرئيس حسني مبارك ... عاد للتأكيد كما كان حديثه منذ المنطلق عن فشل اعلامي ذريع في التحليل الرياضي , اذ وضع الجمهور أمام غياب عنصر الاحصاء في التقويم , ثم أكد على رغبة تونسية شاملة في جلد الذات وعلى مختلف الأصعدة ... انها اشكالية تونسية عويصة , فالتونسي لايعجبه أي شيء ..!, والتونسيون يسعون دائما للبحث الدائم عن الأخطاء والثغرات دون الوقوف على المحاسن والايجابيات , وتفهم ظروف اللاعبين في مشاركة دولية وفي سن يطغى عليها عنصر التشبيب... كان الأستاذ البنزرتي في حالة غضب شديد طبعا , وأنهى لقاءه الاعلامي المباشر بالقول بأنه لم يسع الى تدريب المنتخب ولم يجري لاهثا وراء ذلك ..وبأنه يرغب في انهاء المقابلة , وقام أخيرا بنزع السماعة ووقف منهيا للقائه التلفزي المباشر ... دقائق محرجة في تاريخ التلفزة التونسية , وقناة تونس 7 , ومن ألطاف الله أن الحديث لم يكن في الشأن السياسي العام ... بعيد ذلك عاد الحديث الى المقدم التلفزي السيد معز بن غربية , الذي شن هجوما عنيفا على الأستاذ البنزرتي واتهمه بالتهرب من الاجابة على أسئلة الاعلاميين وضيوف الحصة , وذكر بأن الطريقة التي أدار بها الأخير الحوار لم تكن لائقة ... أهم تعليق بعدها كان في تقديري للمحامي أ. فتحي المولدي الذي قال في لحظة تفلت وغضب بأن وضع الاعلام في تونس لدينا سيء وهو دائما الى الوراء , لأنه يخفي الحقائق عن الجماهير ولايطرح الأسئلة الحقيقة أو الاشكالات الملحة .., ثم أصر على حق معدي البرنامج وضيوفه في طرح مايرونه من أسئلة على السيد البنزرتي... كان الحوار ناريا وغير عادي وغير متوقع بالنسبة للقناة التونسية الرسمية , وقد وضع التونسيين والتونسيات أمام اشكالات تونسية حقيقية ... وعودة الى مدرب الفريق وقصة المنتخب , فان التقدير موضوعيا سيكون خاطئا بالحكم عليه بعد تعادلين , اذ ستبقى مقابلته مع المنتخب الكاميروني حاسمة ... ثم ان الفترة التي أمسك فيها البنزرتي بحظوظ الفريق لم تتجاوز الأسابيع , والمطلوب كان بحجم تتويج دولي... يمكن محاسبة الأستاذ البنزرتي بعد سنتين أو ثلاث أو أربع , حين تكون تونس أمام استحقاقات رياضية دولية جديدة , اذ يستحيل على أي مدرب أن يصنع تتويجا وتألقا وانسجاما وانصهارا بين اللاعبين في أسابيع قليلة ... وأحسب أن الانتظارات والطموحات في هذا الظرف هي أكبر من عناصر المنتخب , ولا حتى أبرع وأنجب مدرب على الصعيد الدولي... وحينئذ فانه من حق الاعلام المتخصص أن يثير تساؤلات مشروعة على أداء بعض عناصر المنتخب , غير أن المقارنة بين التعليقات على أداء الفريق وماتابعته من تعليقات ألمانية على قناة الأويرو سبور , كشفت لي عن حجم كبير من الجلد الذاتي في التعامل مع الأداء التونسي , الذي شهد نجاحات كما اخفاقات ..., اذ أن الاعلام الأوروبي كان ينظر للمنتخب والسيد البنزرتي بنظر متأسسة على الاحترام بناء على الأسابيع القليلة التي تم فيها اعادة تشكيل الفريق التونسي ... وبعيدا عن الرياضة هذه المرة , وقريبا من السياسة فانني تمنيت على قناة تونس 7 وأخواتها , التعاطي وبنفس الجرأة والشجاعة مع مسؤولينا على مختلف الأصعدة , ولايعني ذلك التجريح أو السباب طبعا , لكن تحريك المياه الاسنة وفتح الملفات الراكدة وتشكيل سلطة رابعة حقيقية في مواجهة السلطات الثلاث... ربما يكون اعلامنا مضخما وعن قصد للحدث الرياضي , فالرياضة باتت وسيلة لدعم المنجز السياسي وابراز صورة الحاكم , فائزا ومنتصرا , غير أن هزيمة الفريق أو اندحاره المبكر من التصفيات لن تعني هزيمة سياسية للطبقة الحاكمة .., وأحسب أن هزائمنا الحقيقية تأتي من حقول الثقافة والاجتماع والعلم والتقانة والاقتصاد والسياسة ..., ومتى تعافت هذه القطاعات واستوت على جوديها , فستقفز الرياضة حتما وتنحت بدورها مشاهد متعددة للوحة الانتصار ... *كاتب واعلامي تونسي مقيم بألمانيا : [email protected]