رغم مرور أكثر من شهر عن الشريط الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة الوثائقية حول عملية "اغتيال حشاد" ما زالت ردود الفعل على هذا الشريط متواصلة إلى الآن. بل إن الشريط، وفق عدد من المراقبين هنا في تونس، أعاد قضية حشاد إلى واجهة الأحداث وكأن الاغتيال تم منذ زمن قريب. فبعد الإعلان عن عزم بعض الجهات التونسية محاكمة القتلة بناء على الشهادة التي قدمها "أنطوان موليرو" العميل في منظمة اليد الحمراء والتي اعترف فيها بمسؤولية المنظمة ومن ورائها الحكومة الفرنسية في عملية الاغتيال، تحولت قضية حشاد إلى موضوع لعدد كبير من الندوات الفكرية والسياسية. وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك الحملة الإعلامية التي رافقت بث الشريط يمكن القول إن قضية اغتيال حشاد، وبعيدا عن أي توظيف سياسي لها، باتت قضية الموسم في تونس. آخر الأنباء في هذا المجال حملت إلينا، ومن فرنسا نفسها هذه المرة، نبأ عن اعتزام مجموعة من الناشطين السياسيين المقيمين في العاصمة الفرنسية باريس، إنشاء منظمة أطلقوا عليها اسم "الحقيقة والعدالة لفرحات حشاد". وقال الداعون إلى هذه المبادرة إن الإعلان عن تأسيس هذه المنظمة يأتي "تفاعلا مع التصريحات الاستفزازية الخطيرة التي أدلى بها أحد أعضاء المنظمة الإرهابية (اليد الحمراء) لقناة الجزيرة الوثائقية خلال شهر ديسمبر من العام الماضي الذي أكد ليس ضلوع أعلى السلط الفرنسية فحسب ممثلة في شخص "رئيس المجلس"، أي الوزير الأول وقتئذ، في عملية الاغتيال الدنيئة التي ذهب ضحيتها الشهيد الرمز فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر 1952، وإنما أيضا تبنّيه المطلق لهذه الجريمة النكراء بالقول (لو كان لي أن أعيد صنيعي لأعدته)". وأضاف أصحاب المبادرة في بيان حصلت "العرب" على نسخة منه "وعملا منا على المحافظة على ذاكرتنا الجمعية واقتناعا منا بضرورة وضع حد نهائي لحالة الإفلات من العقاب التي تمتع بها باطلا، على امتداد أكثر من نصف قرن، أمثال السيد "ميلرو" وشعورا منا كذلك بأن العلاقات الودية والأخوية بين الشعوب لا تبنى على الكذب والزور والتهرب اللامشروع من تحمل المسؤولية القانونية والتاريخية وإنما تؤسس على الحقيقة والعدالة المنصفة خاصة للطرف المعتدى عليه، بعيدا كل البعد عن عقلية التشفي أو الاقتصاص.... فلقد قررنا استعمال كل الوسائل والإجراءات القانونية لإعلاء الحقيقة وإنصاف الشهيد". وإلى جانب التحرك القانوني من أجل محاكمة القتلة، وبالإضافة إلى الحملة الإعلامية التي تشنها منذ شهر تقريبا الصحف التونسية ضد مرتكبي هذه الجريمة ومن يقف وراءهم، أصبح الشريط الذي بثته الجزيرة محور سجالات تاريخية بين عدد من الكتاب والمفكرين وخاصة المؤرخين التونسيين الذي استغلوا هذه المناسبة لإعادة النبش في الملفات التاريخية لهذه القضية. وشكل تعبير عدد من النقابيين عن استعدادهم لتقديم وثائق لم يكشف عنها من قبل، وذات علاقة وطيدة بالقضية، فرصة لهؤلاء المؤرخين لإعادة النظر في ملف اغتيال حشاد بناء على ما كشفه الشريط الذي قدمته الجزيرة وبناء أيضا على ما تضمنته الوثائق الجديدة من معطيات.