لم يتوقع فريق بوش هذه الأزمة. ربما يعود السبب إلى نشوء أزمات كثيرة في الوقت نفسه. فالعراق يتجه نحو الحرب الأهلية، وإيران تزداد جرأة يوما بعد يوم، وصواريخ كوريا الشمالية تثير غضب شرق آسيا. لكن الرئيس كان منشغلا بقمة الدول الصناعية الكبرى الثماني المضطربة التي استضافها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. صحيح أن المبعوثين الأمريكيين في الشرق الأوسط - ديفيد ويلش وإليوت أبرامز - كانا في المنطقة عندما بدأت المعارك. لكن معارفهما اللبنانيين طمأنوهما إلى أن حسن نصر الله، زعيم حزب الله، لا ينوي "إثارة مشاكل" فيما تتنازع حماس وإسرائيل بشأن جندي إسرائيلي مأسور، وفقا لدبلوماسي أمريكي كبير ذكر هذه التفاصيل شرط عدم نشر اسمه. وقال المسؤول لنيوزويك: "مرت ست سنوات ونصف السنة من الهدوء أو الاستقرار بين حزب الله وإسرائيل. لم أتوقع ذلك مطلقا". وإذا كان الأمر كذلك، فقد كان هذا المسؤول مضللا، وكذلك الرئيس الأمريكي، ولهذا السبب تم الاشتباه فورا بأن إيران وسوريا هما المحرضتان الخارجيتان. وفي طريقهما إلى روسيا، تحرك بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بسرعة لاحتواء الحرب، لكنهما دعما حق إسرائيل في متابعة هجماتها ضد حزب الله. وأجرى الرئيس، من على متن الطائرة الرئاسية إير فورس وان، مجموعة من الاتصالات مع حلفائه العرب، وخصوصا مصر والأردن، محاولا إقناعهم بأن اختراق حزب الله للحدود هو انتهاك واضح للقانون الدولي. أراد بوش أن يعرف القادة العرب أنه يحث إسرائيل على تجنب أي أعمال قد تطيح الحكومة اللبنانية وتسمح لسوريا باستعادة سيطرتها على جارتها. لكن في المقابل، حثهم على الضغط على حزب الله في اجتماع طارئ للجامعة العربية في القاهرة. وفي مقابلة خاصة، أخبر بوش نيوزيوك أنه قال للقادة العرب: "لنحرص على ألا تكون نتيجة هذا الاجتماع الإدانة المعهودة لإسرائيل، لأن ذلك يتجاهل المذنب الرئيسي"، أي حزب الله وحماس. وقد سعد بوش بأن حلفاء أمريكا الأساسيين قدموا دعمهم. وأصدر السعوديون بيانا يلوم حزب الله ضمنيا على الاعتداءات، جاء فيه "من الضروري التمييز بين المقاومة الشرعية [للاحتلال] والمغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة". وردّد الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني عبدالله الثاني، هذا الرأي أيضا في بيان مشترك من القاهرة. لكن على المدى البعيد، فإن الاتصالات التي لم يجرها بوش - أو لم يستطع إجراءها - هي التي يمكن أن تحدث فرقا وتؤدي إلى احتواء هذا النزاع الجديد في الشرق الأوسط. في سياسته القاضية بعزل المجموعات والدول المؤيدة للإرهاب، لا علاقة لإدارة بوش بأي من الأحزاب الأخرى المتحاربة أو الدول التي وراءها. وهذا يعني عدم وجود حوار، حتى بطرق غير مباشرة، مع إيران وسوريا وحزب الله وحماس. وقد قال مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى أيضا إن بوش ورايس لا ينويان تعيين مبعوث خاص في هذه المرحلة. (ويلش، الذي أجرى اجتماعات طوال النهار مع مسؤولين إسرائيليين والرئيس الفلسطيني محمود عباس، انطلق إلى ليبيا في رحلة مقررة مسبقا خلال عطلة نهاية الأسبوع). نتيجة لذلك، يجب على الرئيس أن يراقب الوضع ويأمل خيرا في حين أن إرثه الشرق أوسطي - هدفه تغيير منطقة تشكل مصدرا أساسيا للإرهاب الإسلامي - معرض للخطر. على المحك أيضا استراتيجيته لعزل إيران، مع تزايد التوتر بين واشنطن وأوروبا بسبب أعمال إسرائيل. يقول عماد مصطفى، السفير السوري في واشنطن، مؤكدا أن حكومته لم تتلق اتصالات أمريكية باستثناء طلب تأشيرات دخول للأمريكيين الهاربين من لبنان إلى دمشق: "في الماضي، عند حصول أزمة في الشرق الأوسط، كانت الولاياتالمتحدة ترسل فورا مبعوثا رفيع المستوى. هذه المرة، كل ما تفعله الولاياتالمتحدة هو إلقاء اللوم والمسؤولية على الفرقاء. لا تقوم بأي شيء آخر". هذا غير صحيح. فالدبلوماسيون الأمريكيون يعملون جاهدين لمنع الإسرائيليين من قتل اللبنانيين الأبرياء، بالرغم من دعوة بعض المتشددين الإسرائيليين إلى جعل الضربات "كارثية"، وفقا لأحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين. وقد قال: "ينوي الإسرائيليون إلحاق الأذى بحزب الله، وهذا أمر جيد على الأرجح. لا أظن أنه يجب الدعوة إلى وقف إطلاق النار الآن. لكننا نقول إن [الضربات] يجب ألا تكون من دون ضوابط وعشوائية". وفي الحقيقة، يطلب بوش إلى إسرائيل أن تلطف نسختها الخاصة من "مبدأ بوش"، الذي يحمل البلدان مسؤولية وجود مجموعات إرهابية فيها. السبب هو أن الديموقراطية الناشئة في لبنان هي أمل بوش الأكبر بأن تكون نموذجا في المنطقة. وقد قال ويلش لنيوزويك في مقابلة هاتفية من القدس: "في هذه الحالة، نحن لا نحمل لبنان المسؤولية. ونفرق بين الحكومة التي يقودها [رئيس الوزراء فؤاد] السنيورة وحزب الله. ولهذا السبب تحدث الرئيس عن الدفاع عن الديموقراطية في لبنان". وقال ويلش إن الجزء الآخر من الاستراتيجية الأمريكية هو منع نصر الله من تحويل هذا التحالف المحتمل مع حماس بشأن الأسرى الإسرائيليين إلى جبهة موحدة، بدعم من إيران وسوريا. (قبل هجوم حزب الله، كانت حماس وإسرائيل على وشك التوصل إلى اتفاقية لتبادل الأسرى، برعاية مصر. وقد اشتكت القاهرة لاحقا إلى الأمريكيين سرا بالقول إنها تعتقد أن نصر الله وإيران وسوريا ضغطوا على حماس لكي تتراجع عن الاتفاقية). وأضاف ويلش: "نريد أن نحرص على عدم إعطاء الإيرانيين والسيد نصر الله، ومعاونه خالد مشعل [قائد حماس المنفي إلى سوريا] ما يريدونه، وهو الربط بين الأمرين. لا أعلم، إذا كان ذلك ممكنا أم لا، لكن يجب أن يكون ممكنا. يجب أن تعالج مسألة غزة وتحل على حدة". السؤال المطروح: هل سيصدق الشارع العربي هذا الكلام؟ يراقب المسؤولون الأمريكيون عن كثب الرأي العام اللبناني، الذي كان شاكرا حتى الآن لواشنطن. فأمريكا وفرنسا أجبرتا سوريا على سحب جيشها من لبنان، الدولة الخاضعة لسيطرة دمشق منذ زمن بعيد، بعد الاغتيال المشبوه لرئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. (إحدى النقائص هي أن حزب الله المدعوم من سوريا انتخب في البرلمان البرلماني الجديد، الذي تحمله إسرائيل المسؤولية جزئيا). يقول آرون ميلر، وهو مبعوث أمريكي سابق رفيع المستوى في الشرق الأوسط يعمل الآن في مركز وودرو ويلسون في واشنطن: "تواجه الإدارة الأمريكية الآن وضعا يقصف فيه الإسرائيليون الحكومة اللبنانية المعتدلة المعادية لسوريا. هذه العملية برمتها تغذي المشاعر المعادية لإسرائيل والمعادية لأمريكا". وقد قال مسؤول لبناني كبير، أصر على عدم نشر اسمه بسبب روابطه الحساسة بواشنطن، إن الضغوط الأمريكية على الإسرائيليين كانت هامشية. وأضاف بمرارة: "عمليا، ما يقولونه للإسرائيليين هو، بدلا من نسف جسر بخمس قنابل، فلتكن أربع قنابل". إن بوش يعرف تماما أن الأجندتين الأساسيتين لرئاسته - مناهضة الإرهاب ونشر الديموقراطية - معرضتان للتصادم في لبنان. يقول مسؤول إسرائيلي كبير إنه لا عجب في أن بلده يتلقى إشارات متضاربة من واشنطن: "نحن نحصل على الدعم، ويُطلب إلينا الاعتدال. لكن ما من ضغوط في هذه المرحلة". لا شك في أن الإسرائيليين ذكروا الإدارة بأنهم حذروا واشنطن السنة الماضية من أنها تتسرع في تشجيع الانتخابات الفلسطينية، وأن الديموقراطية الفورية ستقوي حماس، إلا أن فريق بوش تجاهل هذا التحذير. لكن حتى المسؤول الإسرائيلي يقول إن تصاعد وتيرة الحرب سيتطلب وسيطا من طرف ثالث. ويقول إن واشنطن قد تكون مناسبة لهذه المهمة، أو ربما الأممالمتحدة (ثمة بعثة للأمم المتحدة في طريقها إلى الشرق الأوسط). يقول: "هذا ما سيتطلبه الأمر. لكن من سيكون الأول في تحقيق ذلك؟" ذات يوم قريبا، قد يضطر بوش إلى التفكير في هذا السؤال. بمشاركة ريتشارد وولف، المسافر على متن الطائرة الرئاسية إير فورس وان، وكيفن بيرينو في القدس *نقلا عن العدد الأخير للنيوس ويك العربية.