يمثل هذا القانون انتكاسة جديدة في طريق التطور بأوضاع الحقوق والحريات وخطرا أكيدا على تطلعات شعب في التطور والنماء وخسارة تفوق كل ما نحلم من تحصيله من مرتبة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي.. ذلك أن المصالح المالية والاقتصادية الآنية لا تشترى ولا تقايض بخنق الحريات وقمع حقوق شعب ولا بالحد من تطلعاته وطموحاته على مدى أجيال.. هذا نص في الموضوع للدكتور مصطفى بن جعفر، وأملي أن يحظى مشروع هذا التقيح بكل المتابعة والتحليل والتنبيه لنتائجه واستتباعاته والتنديد به بكل الوسائل والعمل بإصرار على دفعه ورفضه.
: يأتي مشروع القانون الذي أقرّه مجلس الوزراء المنعقد يوم 19 ماي 2010 و الذي يقضي بإضافة فقرة جديدة للفصل 61 مكرّر من المجلّة الجنائية يعاقب بمقتضاها "كلّ تونسي يتعمد ربط اتصالات مع جهات أجنبية للتحريض على الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد التونسية وتعتبر مصالح حيوية للبلاد كل ما يتعلّق بأمنها الاقتصادي". إنّ الغموض المقصود الذي صبغ صياغة هذا المشروع يفتح المجال واسعا لكل التأويلات و يجعل من هذا القانون –إذا ما وقعت المصادقة عليه- أداة إضافية لتجريم الرأي المخالف و محاكمة النوايا و التضييق على ما تبقى من حرية التعبير و حرية ربط علاقات خارجية على المستوى الشخصي أو التنظيمي – الحزبي أو النقابي أو الجمعياتي- و يقضي في نهاية الأمر بالعزلة و التهميش على كل مكونات المجتمع بحيث لا تبقى القدرة على التحرك إلا بين أيدي الحكومة و حزبها. فالهدف خطير من حيث كونه يقود بالتأكيد إلى التكلس و الجمود أي إلى ضدّ كل ما يعني الحياة...علما و أن هذا الهدف مستحيل المنال مهما كان حجم الإمكانات المادية و التقنية المسخرة من أجل تحقيقه..لأن جسور الاتصال بالعالم تتطور يوما بيوم .. بل ساعة بساعة.. بسرعة مذهلة.. و كل محاولة للحدّ منها أو محاصرتها مآلها الفشل لأنها تندرج ضد التطور البشري و التقدم العلمي.. يبدو حسب " المصادر العليمة" أن مشروع الحكومة يستهدف عددا ضئيلا جدّا من الأشخاص "المتهمين" - حسب منظورها - بعرقلة حصول تونس على مرتبة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي؟؟ و بما أن "دولة القانون" لا تكتفي بسن القوانين الزجرية و تطبيقها عبر القنوات القضائية فحسب، فقد تزامن إقرار الحكومة للمشروع مع حملة شعواء عبر وسائل الإعلام الرسمية و الصحف المأجورة في اتجاه التخوين و الترهيب و انتهاك الأعراض. و من حقنا أن نتساءل: أليس الهدف الرئيسي لهذه الحملة صرف النظر عن القضايا الحقيقية المطروحة بإلحاح على الحكومة و المتعلقة أساسا بالإصلاح الديمقراطي؟؟ هل الهدف من هذا الصّخب تلهية الرأي العام حتى لا يركز اهتمامه على المشاكل التي أساءت لصورة تونس في الخارج و أضرت بشرعية و مصداقية الحكومة في الداخل : ..محاصرة أحزاب المعارضة و إقصاؤها من فضاءات الاجتماع و الاتصال العمومية..سن قوانين على المقاس تحرم رموز المعارضة من المشاركة في الشأن السياسي عموما و في المحطات الانتخابية الرئيسية خصوصا ..تنظيم انتخابات شكلية... انتشار الفساد.. انتهاك الحريات الأساسية..محاصرة شبكة الأنترنات.... تعطيل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان... تأزم وضع الاتحاد العام لطلبة تونس...تدهور الوضع الاجتماعي..تفاقم البطالة..غلاء المعيشة...؟؟؟ و بعيدا عن هذه الجعجعة التي لا تهمّنا و لا تخدم لا من قريب و لا من بعيد مصلحة تونس فإننا نؤكد ما سبق أن عبرنا عنه من أن المصالح العليا للبلاد، و من ضمنها المصالح الاقتصادية، لا تحتمل أي مساومة و لا يمكن أن تكون محل مزايدة من أي طرف كان؛ كما أكدنا مرارا أن طبيعة علاقات تونس الدولية، و من ضمنها الحصول على مرتبة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، تحدّدها الإرادة التونسية، وأن الأفضل لنا - عوض البحث عن كبش فداء لتبرير ما تشهده هذه العلاقات في بعض المجالات من تعثّر - أن نأخذ بزمام المبادرة في اتجاه توسيع فضاء الحريات و مقاومة الفساد الذي ينخر أسس اقتصادنا و إقرار الإصلاحات السياسية التي ينتظرها شعبنا و تحتمها المصلحة الوطنية التي لا يصحّ اختزالها في مصلحة المتنفذين.. !.إنّ أمرنا بأيدينا..فلماذا لا نبادر بالإصلاح؟