" أطلقت مفوضية الإتحاد الأوروبي عن طريق بعثتها المحلية بتونس استبيانا إلكترونيا موجها للتونسيين عبر موقعه الإلكتروني الرسمي وفي صفحته بالموقع الإجتماعي فايس بوك،لمعرفة آرائهم حول مرتبة الشريك المتقدم الذي يمكن أن يمنحها الإتحاد الأوروبي لتونس" الصباح 27 نوفمبر 2010. لقد جرت العادة أن تتعامل الدول مع بعضها وفق آليات محددة تقتضيها المصالح المشتركة وتحفظ لكل دولة سيادتها وحرية قرارها، جرت العادة أن تتعامل الحكومات مع الحكومات باعتبارها ممثلة بشكل من الأشكال لشعب تتولى تصريف شؤونه وترعى مصالحه.ليس من العادة أن تستفتي دولة شعبَ دولة أخرى في مدى استعداده لتعمل المستفتي مع حكومته بل وفي مدى قبوله بمنح دولته مرتبة الشريك المتقدم. لقد سبق وفي أكثر من مرة أن تعطل قرار الإتحاد الأوروبي منح تونس مرتبة الشريك المتقدم بسبب مؤاخذات متعلقة بحقوق الإنسان وأوضاع الحريات العامة. ربما يكون من حق أي دولة أو اتحاد دول تقدير مدى سماح أوضاع شركائه المحتملين بإقامة علاقات شراكة ذات جدوى في مستواه الإقتصادي خاصة حيث يبحث المستثمرون عادة عن الدول التي تتوفر على مستوى من الإستقرار يسمح بالإستثمار وتوسيع الأنشطة الإقتصادية... وأما أن يطلق الشركاءُ أولئك استبيانا لمعرفة رأي المواطنين في إعطاء بلدهم مرتبة الشريك المتقدم فذاك مما نظنه خارجا عن آداب التعامل اللائق بين الدول... إنها محاولة غير مهذبة للتدخل في مقتضيات السيادة الوطنية حيث يفترض أن تتعامل حكومة أي دولة مع غيرها من حكومات الدول الأخرى على اعتبارها ممثلة للشعب أما التجرؤ على الذهاب مباشرة إلى الشعوب بعملية سبر آراء فذاك مما لا يُقبل وينتظر أن يمتنع المواطنون التونسيون عن الإستجابة لهذا الإستبيان ويُنتظر أيضا أن تعترض عليه النخبة والأحزابُ السياسية رفضا لأي مدخل من مداخل التدخل في الشأن الداخلي. كما يُنتظر أن تعترض السلطة وعلى لسان مسؤوليها وبوضوح وفي وسائل الإعلام على إجراء هذا الإستفتاء حتى وإن تأكدت من أن المواطنين سيصوتون بالأغلبية لرغبتها في الحصول على مرتبة الشريك المتقدم. فالأمر لا يتعلق بتحقيق هدف ما وإنما يتعلق بالمدخل إلى ذاك الهدف. أعتقد أننا قُبالة نوع جديد من أنواع الإبتزاز يتجاوز الشروط التقليدية المتعلقة بالحريات والحقوق ليُصبح تسللا ناعمًا إلى الساحة الوطنية. إن الوطنيين في أي مكان يمكن أن يوجهوا نقدهم بجدية ووضوح لآداء أنظمة حكمهم ولكنهم لا يقبلون بأن يُدلوا بشهادة لأطراف خارجية قد تستعملها وسائل للإبتزاز والتدخل في الشأن الوطني... ومثل هذا الإستبيان إذا ما قدر لهُ أن يقع وأن ينخرط فيه التونسيون وهو مستبعدٌ فإنهُ قد يُغري بإطلاق استبيانات أخرى في موضوعات وقضايا هي أكثر التصاقا بعناوين السيادة الوطنية. صحيفة "الوطن" التونسية العدد 166 الصادر في 3 ديسمبر 2010 المصدر بريد الفجرنيوز