تكتسي ظاهرةُ الرشوة والمحسوبية اليوم في تونس خطورة بالغة على سلامة المجتمع وتماسكه ، ذلك أنّها تؤجّجُ الشعور بالظلم والقهر، وتُنهك الفئات الفقيرة ومتوسّطي الحال، وتجعلُ حقوق المُواطن كالشغل والسفر والاستشفاء والسكن قابلة للبيع في مزاد الانتهازيين الذين لا همّ لهم سوى الإثراء غير المشروع على حساب غيرهم من المُستحقّين، ويُداسُ على سائر قيم التراحم والتضامن والتعاون، وتُنتهكُ أبسطُ حقوق الإنسان، ويسودُ قانونُ الغاب، ليكثر الابتزاز والطمع والجشع، وتتغذّى الأنانيّةُ المُفرطةُ عند الكثيرين إلى درجة إقصاء الآخر. ولو بحثنا في تونس عن حالة واحدة تعرضت للظلم فإنك ستصطدم بأمر خطير وهو أن وراء هذا الظلم مسئول في السلطة يمرح أمام أعين أصحاب القرار ولا رادع له ولا قانون يحد من سطوته ولا إعلام قوي يكبح جماحه ولا تطبيق لأبسط قواعد الإنسانية التي تحتم للذات البشرية أن تراجع نفسها وتسأل ألف سؤال" إذا دامت لغيري ما آلت إلي".... وكثيرا ما تسمعُ أينما حللت أقوالا عن "فلانٌ عندو اشكونْ" أو "فلانٌ واصلٌ" وآخر " مدلل من قبل السلطة " وغير ذلك من التعاليق التي يراد منها الظفر بشغل أو بتأشيرة سفر أو بقرض بنكي أو بتسميّة في خطّة إداريّة... والمسألة تزداد خطورة إذا تعلق الأمر بتواطؤ الجهاز الأمني الذي يحظى بمراقبة تامة في الدول المتقدمة فلا نجد على سبيل المثال شرطي يتعمد التطاول على مواطن ويطلب منه مده بورقات مالية تتخطى حاجز الثلاثين دينارا !!!. إنّ مناخ الاستبداد والأحادية والإقصاء والانغلاق ومراقبة وسائل الإعلام وإعطاء الضوء الأخضر لبعض أشباه المسؤولين في السلطة الحاكمة جعل ظاهرة الرشوة والمحسوبية تخيّم على التونسيين عقودا من الزّمن، فأقصيت الكفاءات وكثرت الأخطاء وأصبح اللجوء للقوة أمر مفروض سواء من قبل السلطة او من قبل المواطن العادي الذي يدرك تماما خطورة الوضع ومع ذلك يلتزم أحيانا الصمت في الكثير من الأمور عملا بالمثل الشعبي القائل "إذا كان خصيمك الحاكم آش شكون باش تحاكم؟". الدول المتقدمة استطاعت تحجيم وتقليص الفساد، لأنها نظرت إليه على أنه ظاهرة اجتماعية وأن الآثار المترتبة عليه هي آثار مدمرة ستعرقل عملية التنمية سواء للفرد أو المجتمع، وهذه الدول عندها مساحة كبيرة من الديمقراطية والشفافية والمسائلة، وهى من أهم شروط مقاومة الفساد في العالم المتقدم فلا فرق عندهم بين مسئول كبير ومسئول صغير، ولا يوجد مسئول أكبر من القانون ...فمن السهل جدا أن يستمع إليك وزير ومن السهل جدا أن تقاضيه ... والذي يحدث على مستوى مجتمعنا أن الفساد عندما ينتشر بهذه الصورة الكبيرة ويكون جزء من نسيج الحياة الاجتماعية يحدث لدينا شئ اسمه "ثقافة الفساد" وهى أننا نعلم أن هناك فساد ونتكيف معه لكن لاأحد يتدخل ولاأحد يرسم الحدود الحمراء . والمسألة ليست في اكتشاف الفساد ولكن في إدانته بمعنى أننا لم نسمع إطلاقا في تونس عن أسماء لامعة في عالم المال والاقتصاد والإعلام يتم القبض عليها أو الوقوف بها عند نقطة الإدانة لأن الذي سيقبض عليه أو الذي سيدينه أو الذي سيحاكمه هو نفسه استنجد به للوصول إلى هذا المنصب. بقي أن نشير إلى نقطة واحد موجهة إلى أصحاب القرار وهي انه عوض تكثيف حملات ضد الذين ينتقدون ما آلت إليه حرية إبداء الرأي في تونس، ما المانع من تكثيف حملات ضد المحسوبية والرشوة ومحاسبة مديري الخزائن في الوزرات والمؤسسات العمومية عن كل خطأ إرتكبوه...ما المانع!!؟ عندما أمر الله جبريل بأن يهلك قرية قال جبريل إن بها رجلا صالحا، قال عز وجل: به فابدأ لأنه لم يؤثر فيهم. *جريدة إيلاف الالكترونية- الخميس 10 يونيو 2010