أطلقت مجموعة من الشباب في ال 21 من مارس/ آذار الماضي في تزامن مقصود مع عيدي الشباب والاستقلال في تونس، مبادرة شبابيّة اختاروا لها اسم "بيرصا" Byrsa هدفها تكريس قيم المواطنة والاهتمام بالشأن العام وتنظيم احتجاجات التونسيين الذين يشعرون بحالة من عدم الرضا على الوضع السائد في بلدهم. ورغم أنّ "حركة بيرصا" تبدو للوهلة الأولى بإمكانات بشريّة وماديّة متواضعة، إلا أنّ إفادات مؤسسيها ل"إيلاف" كشفت عن برنامج طموح غايته "البحث في مستقبل أفضل لتونس" على حدّ تعبيرهم. تعرّف الشابة عايدة دقي وهي من مؤسّسي حركة "بيرصا" هذه المبادرة قائلة:"بيرصا هي حركة تجمع مواطنين تونسيين مختلفين من حيث جذورهم وتكوينهم ومسيراتهم لكنهم يلتقون جميعا في إرادة النهوض بوطنهم نحو الأفضل وعدم البقاء مكتوفي الأيادي إزاء التحديات التي تجابه وطنهم". وتضيف عايدة ل"إيلاف": الفكرة الأساسية التي تقوم عليها بيرصا والتي فرضت نفسها- هي توفّر قناعة بأنّ غالبية التونسيين كمواطنين ووطنيين غير راضين على الطريقة التي تدار بها الأمور في بلادهم. ونحن نلمس حالة عدم الرضا هذه لدى الأفراد بالرغم من أنها لم تتحول إلي حركة احتجاج منظمة، بيرصا جاءت لكي تجمع كل تلك الطاقات الراغبة في التغيير والإصلاح ، بالرغم من أنّ تلك الطاقات ضلت طويلا لا تدري مع من وكيف يكون هذا الإصلاح، بتعبير أوضح، بيرصا هي الهيكل الذي سيُجمع تلك الطاقات ومن ثمة التفاعل والعمل بصفة جماعية بهدف استرداد الحرية، الحقوق والكرامة للتونسيين كافة". قد تحيل كلمات الشباب المتحمّس إلى أننا أمام مشروع حزب سياسيّ، لكنّ المشرفين على مبادرة "بيرصا" يؤكدون أن لا ارتباط لهم بأية جهة سياسيّة سواء كانت رسميّة أو معارضة. يقوم عمل "بيرصا" على التفاعل والنقاش وإعداد الاستفتاءات والاستبيانات في قضايا تهمّ الشأن العام، إلا أنّ الرقابة في تونس حجبت صفحات المبادرة على الانترنت دون تقديم مبرّرات ويبدو أنّ الشباب الذي أسّس الحركة الفتيّة، يخوض منذ البداية "معركة الاستقلاليّة"، فالجدل يدور فيما بينهم حول "الخطاب" المستعمل وضرورة "التمايز" عن التيارات السياسيّة التقليدية التي أثبتت التجارب فشلها في تحقيق ما ترنو إليه "بيرصا"، وأولها عدم القدرة على جعل الشباب التونسيّ مهتما بالشأن العام. وتشير بيانات رسميّة صدرت في العام 2008 إلى أن شباب تونس يعزف عن السياسة والعمل الجمعياتيّ ويمقت التنظم في أطر قانونيّة. وتبلغ نسبة العزف أكثر من 70 بالمائة بين الشباب التونسيّ حسب إحصاءات الحكومة، في حين تقدر مصادر أخرى مستقلة أنّ النسبة تفوق هذا العدد بكثير، خصوصا مع اقتران اسم السياسة في مخيلة الشاب التونسيّ بالخوف والرهبة من السجن عززتها التقارير التي تتحدّث عن مضايقة أحزاب المعارضة وسجن كوادرها وحرمانهم من حق الشغل. وكما كان متوقعا، استنادا إلى أعمار أصحاب المبادرة وميولاتهم، حضي العمل الافتراضيّ لحركة بيرصا بنصيب الأسد. ويستغلّ المشرفون على "بيرصا" إقبال التونسيين على الشبكات الاجتماعيّة حيث لا رقابة غير الرقابة الذاتيّة ليمرروا رسائلهم ويتفاعلوا مع الملايين من مستعملي الانترنت. يزيد حامّي وأسماء منصر، من الشباب المُسيّر والساهر على موقع الحركة على شبكة الانترنت وصفحاتها على تويتر وفايسبوك، يؤكدان ل"إيلاف" أنّ "بيرصا" لا تتوانى عن استعمال كل السبل المتاحة التي تجعلها تحتك بالمجتمع التونسي بما في ذلك النشاطات الميدانية وباستعمال الشبكات الاجتماعية مثل فايسبوك و تويتر والمدوّنات، تارة بكتابة المقالات و تارة بتصوير مقاطع الفيديو وطورا باللقاءات الفردية والاجتماعات العامة وغيرها من الوسائل". واستنادا إلى حامّي ومنصر، فإنّ بيرصا "تسعى إلى تحسيس المواطنين التونسيين في الداخل والخارج مستعملة في ذلك كل الوسائل التي تساهم في خدمة القضايا الوطنية وهي لا تستثني أية وسيلة تساعد على تحقيق ذلك." وعادة ما تثار التساؤلات عن جدوى العمل الافتراضيّ في تحقيق أهداف تطلّب عملا ميدانيا ضخما على غرار "تكريس قيم الانتماء والمواطنة ومجابهة الاستبداد وافتكاك الحقوق واسترداد الكرامة". وينفي سليم بن حسن وهو من المبادرين لتأسيس "بيرصا" أن يكون هنالك تعارضا بين العمل الافتراضيّ والاستفادة من التكنولوجيات الحديثة، وبين العمل الميدانيّ على الواقع. ويقول سليم ل"إيلاف":"يعتقد كثيرون أن هنالك تعارضا بين العمل على الفضاء الافتراضي والعمل على ارض الواقع في حين انه، حسب رأينا، ليس صحيحا فالعمل عبر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية مثل فايسبوك و تويتر يساعد على تحسيس المواطنين في بلادنا نظرا إلى العدد الكبير من المواطنين الذي يستعملون الانترنت، لذلك نحن و بواسطتها نوجه خطابنا مباشرة إلى التونسيين و نحن نلمس ثمار هذا العمل و نتائجه من خلال تجاوب عدد كبير من المبحرين مع ما نطرحه من قضايا تعنيهم بشكل مباشر وهذا التفاعل على الفضاء الإلكتروني يساعد في توعية جيل الشباب. ولا ننسى أن التفاعل على الانترنت لن يُعوض عملنا الميداني بل هما عملان مكملان لبعضهما، ويمكن أن نضرب مثلا لأهمية الانترنت والشبكات الاجتماعيّة اليوم بالمكانة التي كانت لتلك الشبكات ودورها في انتخابات الديمقراطيات الغربية". وعلى الرغم من "تواضع" المجهود الذي يقوم به الشباب المسيّر لحركة "بيرصا" إلى حدّ الآن والقائم على التفاعل والنقاش وإعداد الاستفتاءات والاستبيانات في قضايا تهمّ الشأن العام، إلا أنّ صدر الرقابة في تونس ضاق ذرعا بهذا العمل. وعمدت الرقابة إلى حجب الروابط التي تؤدّي إلى موقع "بيرصا" على شبكة الانترنت، كما لم يعد بإمكان مستعملي شبكة فايسبوك الولوج إلى صفحة الحركة دون استعمال أحد وسائل فكّ الحجب. وبالرغم من استياء الفريق المسيّر من هذا السلوك الرقابيّ، فالثابت أنه لم يفتّ في عضدهم، فمعظمهم يؤكّد على ضرورة" مواصلة المسيرة التي بدأها هذا الفريق على اعتبار أنّ الطموحات الكبيرة تجابه بتحديات أكبر" ولعلّ الرقابة والحجب أولى تلك التحديات التي تنتظر هذا المجهود الشبابيّ. جريدة ايلاف-الخميس 23 سبتمبر 2010