عاجل: الهيئة المديرة للنادي الإفريقي تعلن استقالتها    فرنسا: تقليص الرحلات الجوية بنسبة 40% في مطار باريس-أورلي    اقتراح جملة من التوصيات لتحويل ولاية قفصة إلى وجهة سياحية    كاس تونس: الملعب التونسي يترشح للنصف النهائي    'كعكة الرئيس'.. فيلم عراقي يحاكي حكم صدام بمهرجان 'كان'    تونس تعزز شراكتها مع منظمة الصحة العالمية لتطوير اللقاحات والتكوين والبحث في الصناعات الدوائية المتقدمة    النادي الإفريقي يشرع في إجراءات فسخ عقد بيتوني    لطيفة العرفاوي تستفتي جمهورها لاختيار عنوان البومها الجديد    طقس الليلة: الحرارة تتراوح بين 16 و27 درجة    الاتحاد المنستيري والترجي الرياضي يرافقان اتحاد بن قردان لنصف نهائي الكأس    المندوبية الجهوية للتربية بسليانة تنظم المهرجان الاقليمي لنوادي "أفلاطون" في دورته الأولى    إتيكيت استخدام الهاتف في الأماكن العامة    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    نابل تأسيس أول شركة جهوية لخدمات النقل "فاطمة الزهراء"    تحذير من ارتفاع نسبة التدخين بين الأطفال: مشروع جديد للوقاية في المدارس    زيارة تاريخية لوزير الخارجية التونسي إلى قطر    ارتفاع صابة الغلال الصيفية ذات النوى في 2025    سمير عبد الحفيظ من طبرقة.. الإقليم الأول مُؤهّل ليكون قطبا جذّابا للتنمية والمشاريع    وسط تكهنات بتوترات مصرية-أمريكية.. السيسي يلتقي كبير مستشاري ترامب    معهد الرصد الجوي.. درجات الحرارة اعلى من المعتاد خلال ماي وجوان وجويلية    كيف تحافظ على صحّتك في الحجّ؟ دليلك الشامل خطوة بخطوة    القيروان: إصابة 3 أشخاص في اصطدام حافلة بمقهى    القيروان : حافلة تصطدم بمقهى    تونس: انخفاض عدد الحجيج المتقدّمين في السن    النسخة 29 من "الكومار الذهبي للجوائز الأدبية"/ بالأسماء..الاعلان عن قائمة المتوجين في المسابقة..    الدخول مجاني اليوم لمباراة منتخب السيدات ضد الطوغو بصفاقس    شجرة نخيل تهوي على ضيف بمهرجان كان السينمائي نقل إثرها إلى المستشفى    الدبيبة.. الككلي كان يسيطر على 6 مصارف ومن يُخَالِفُهُ يدخله السجن او المقبرة    غدا: غدا: إنطلاق رزنامة اختبارات الثلاثي الثالث للمرحلة الابتدائية    المعهد الفلكي المصري يكشف موعد عيد الأضحى    العدوان الهمجي وتدمير المستشفيات مستمر.. أكثر من 120 شهيدا في غزّة منذ فجر اليوم    فضيحة "الشهائد المزورة" تهز المغرب.. شبكة فساد تطال حتى القضاء!    السخيري هدّاف مع آينتراخت فرانكفورت ويضمن المشاركة في رابطة الأبطال    علي معلول يغادر الملعب غاضبا بعد هدف فوز الأهلي المصري على البنك الأهلي    بعد طغيان المادة على كل المبادئ .. الربح السريع يسقط القيم    يوم دراسي للترويج للسياحة بالقصرين    تحسّن الوضع المائي في تونس: سدود تقترب من مليار متر مكعّب بعد الأمطار الأخيرة    مجموعات غنائيّة هاوية بصفاقس ابدعت في آدائها ….الازهر التونسي    صفاقس : الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 18" …دورة واعدة لأكبر معارض البناء في تونس    طقس الليلة    القصرين: وزير السياحة يعلن حيدرة بلدية سياحية    عاجل/ العدوان على غزّة: مفاوضات جديدة في قطر دون شروط مسبقة أو مقترحات    عاجل/ قمة بغداد: عبّاس يدعو المقاومة الى تسليم سلاحها    حادث مرور قاتل في القيروان.. #خبر_عاجل    تعداد السكّان: أبرز الأرقام.. #خبر_عاجل    النفيضة: سيدي سعيدان تحتفل بثروتها الخزفية    تونس: شلل في حركة الميترو رقم 1 و 6    جندوبة: يوم مفتوح لتحسيس وتقصي أمراض الكلى    عاجل/ تعداد سكّان تونس: الإناث يتجاوزن الذكور بهذه النسبة..    دراسة: المشي يخفض خطر الإصابة ب 13 نوعا من السرطان    وفد صيني يزور القيروان    برنامج مقابلات ربع نهائي كأس تونس لكرة القدم    القمة العربية في بغداد: حضور مكثف ووزير الخارجية التونسي ينوب قيس سعيد    "موديز" تخفّض التصنيف الائتماني لأمريكا والبيت الأبيض يرُد بحدّة.. #خبر_عاجل    أي مستقبل للمؤثّرين؟    نهائي كأس تونس لكرة القدم يوم 1 جوان في ملعب رادس    الملتقى العربي للنص المعاصر من 23 إلى 25 ماي 2025    دعاء يوم الجمعة للأبناء وزيادة الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس : من وحي عودة النعوش !


:
قبل سنوات قليلة كان أحد أصدقائي المنفيين في معاناة شديدة مع مرض عضال ألم بزوجته التي رافقته رحلة الاغتراب والمنفى من تونس نحو ألمانيا ...
كنت ألتقيه بين الفينة والأخرى لأرى ثباتا قل نظره من الزوجة التي كانت تعلم بأنها تقف في مواجهة مرض السرطان الذي عجز الطب الحديث عن مقاومة أعراضه وتداعياته حين يتفشى في خلايا الجسم ...
بعد سنوات قليلة غادرت الزوجة المناضلة الحياة الدنيا وقد تركت وراءها زوجا وابنتين يحق للوطن أن يفتخر بهم حين يكون الميراث بحجم ماتركته من خلق عظيم وتربية وعلو همة ...
كان صديقي الذي دخل في حقبة الستينات شاعرا وطنيا بامتياز , ومؤرخا شعبيا لقصص المقاومة أيام الاستعمار الفرنسي , فقد عايش الرجل حقبة هامة من تاريخ الوطن , وحمل معه عطرها ونداها في رفض الظلم والجور ...
تمسك صديقي العزيز بقيم الايمان وتجلد صبرا بمصابه في فراق قسري للوطن , ولم يزده مصابه في فراق الزوجة الا علو خلق ورفعة شأن ...
كانت لحظات عسيرة حين صلينا على الفقيدة بمنفاها في ألمانيا صلاة الجنازة , وقد تحلى زوجها بمقتضيات قوة الايمان حين رأى زوجته تغادر في نعشها الغريب وحيدة باتجاه تونس !!! , اذ رفض ممثلو الديبلوماسية التونسية تمكين الأخير من مصاحبة الجثة في وداع أخير لرفيقة العمر !!!
تجدد المشهد ليلة البارحة وبطريقة مثيرة للاشمئزاز . حين عادت جثة المواطن التونسي محمد منصف السعودي من منفاها بالسودان الى مطار تونس قرطاج , حيث تم ايقاف شقيقه لساعات حين توجه الى المطار ليلقي نظرة الوداع الأخير على نعش أخيه ...
محمد منصف السعودي غادر كما تؤكد ذلك مصادر المعارضة التونسية تونس سنة 1990 باتجاه الخرطوم قصد اتمام دراسته العليا , ليستقر به المشوار منفيا منذ ذلك التاريخ ...
ألم به المرض في منفاه ونخره دون سابق انذار , ليستقر على بواعث الأمل والايمان حين تمسك بالحياة ذاكرا وشاكرا لخالقه الى حدود لحظة الفراق ...
حرم الأخير من جواز سفره التونسي حتى وهو على فراش المرض والاحتضار , وتشفت فيه مصالح بلده خوفا وذعرا من جثث الموتى حين تعود الى تراب الوطن مصحوبة بعبق الشهداء مخلدة لملحمة الرفض والثبات في زمن الهزيمة والجور...
لحظات انسانية ستمر علينا جميعا حاكما ومحكوما , وليس لنا من واعظ الا هادم اللذات ..., فالموت هالة قدسية يقف أمام جبروتها الجميع مستسلما وخاضعا لأحكام الرحيل حين يترجل الفرسان أو حتى بائعو الضمير أو قاهرو الانسان ممن أثاروا الأرض وعمروها , فكانت آثار جورهم شاهدة عليهم حتى بعد آلاف السنين من مسالك "ارم ذات العماد" التي لم يخلق مثلها في البلاد ...
كيف لايتعظ الظالم من الموت ؟! , وكيف لايتعظ طويل العمر من الموت ؟! , كيف لايتعظ صاحب الجاه من الموت ؟! , وكيف لايتعظ صاحب المال من الموت ! , فالموت كان علينا عند ربنا حتما مقضيا ...
حين يتصرف هؤلاء مع جثث الموتى بطريقة سادية , وحين تعامل نعوش مواطنينا خطرا محدقا بالأمن القومي , آن لنا أن نلعن الظلم والقهر والاستبداد مليون مرة ..., فمرارة هذه اللحظات تعود بالذاكرة الى اخراج سجين الرأي من سجنه للوقوف على قبر زوجته أو أمه ثم اعادته مكبلا بقيود التسلط الى حيث سجنه ...!
لحظات عايشها مناضلون بارزون وسجناء رأي سابقون من أمثال المهندس عبد الكريم الهاروني ود.أحمد لبيض ..., وقصص أخرى رواها لي أصحابها حين حدثوني عن وضعهم في السجن طيلة أيام التعزية , بعيد فقدانهم لأعز حبيب !
مشهد "ديمقراطي" تونسي تجلله الشعارات المزيفة , وحديث التنمية ومواصلة مشوار الاصلاح يمر علينا سمعيا وبصريا في ظل استمرار نزيف الوطن بالامعان في الانتقام من نعوش مواطنيه ...!
لست أدري ان كان الانتقام من نعوش الموتى خطة مدرجة في اطار سياسة تجفيف الينابيع ؟, أم أنها ظاهرة سادية فاسدة تحتاج للتنقيب والبحث بين كتب وآثار فرويد ؟!
لا أظن أن تجفيف منابع الثقافة والتاريخ يمران عبر تغييب الذاكرة وراء نعوش قادمة من المنفى , ولاأحسب أن فرويد في قبره يعجز عن تفسير هذا الانتقام المرضي , ليس لعجز معرفي فيه , ولكن مخافة أن تشمله أيادي الانتقام والسادية حين يستسلم نعشه وميراثه الجسدي لمقتضيات الرقود ...!
انا لله وانا اليه راجعون ...
كتبه مرسل الكسيبي* بتاريخ 20 أكتوبر 2010
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.