منذ ساعات الصباح الأولى ، ضربت أعداد هامة من الشرطة بكل أنواعها حصارا مشددا على كل المداخل المؤدية إلى المحكمة الابتدائية بسوسة مانعة الطلبة و عائلاتهم و نشطاء المجتمع المدني من حضور الجلسة المخصصة لمحاكمة طلبة سوسة في القضية التي باتت تعرف بقضية " المطعم الجامعي " ، لكن إصرار الحضور على كسر الحصار كان أقوى من إصرار البوليس على فرضه و كانت إرادة الحرية أشد و أقوى من إرادة الاستبداد حيث تمكن الجميع من الوصول إلى باب المحكمة الرئيس ، الذي و بصورة استثنائية وجدوه مغلقا بالسلاسل الحديدية و الأقفال يحرسه عشرات أعوان البوليس ... و بعد مشادات على درجة كبيرة من العنف المادي و اللفظي بين الطلبة و البوليس تحول الطريق المحاذي للمحكمة إلى فضاء لإجتماع عام تداول على الكلمة فيه كل الأطراف السياسية و الفكرية المكونة للإتحاد العام لطلبة تونس و أولياء الطلبة ( حميدة الدريدي ، فتحية و مصطفى بن ضية ) و ممثلي المجتمع المدني الجهوي و بعض الضيوف الذين أصروا على الحضور لتأكيد المساندة و التضامن . و لما احتدت الحماسة في هذا الإجتماع و في محاولة للسيطرة على الوضع عمدت السلطة إلى بعث حظيرة أشغال على مستوى " باب الغربي " و ركزت حواجز حديدية على مستوى مفترق شارع الطاهر صفر في محاولة يائسة و بائسة لعزل الطلبة عن محيطهم الاجتماعي الحيوي ( الشارع ) و قطع الطريق أمامهم حتى لا تصل أصواتهم إلى عامة الناس ، لكن أصوات الحرية المتعالية و المتصاعدة في هذا الإجتماع ...صوت أحمد شاكر و رشيد و وائل ...كانت مدوية بصدقيتها استطاعت أن تصل إلى آذان المواطنين شيبا وشبابا و قد أصر بعض الأجانب على الوقوف و متابعة الاجتماع و فهم القضية ...لقد استطاع طلبة الإتحاد و ممثلي المجتمع المدني أن يحولوا المحكمة الابتدائية بسوسة إلى سجن مغلق لا يدخله أحد و لا يخرج منه أحد . و في لحظة مفاجأة من ناحية و فارقة من ناحية ثانية خرج المحامون الذين كانوا ينوبون طلبة سوسة من المحكمة رافعين الشعارات ليتحول الفضاء الخارجي للمحكمة إلى فضاء حاضن لإجتماع عام ثان لا يفصله عن الأول سوى الصور الحديدي للمحكمة ...اجتماع تداول على الكلمة فيه عديد المحامين الذين أبلغوا الحضور بمقاطعتهم للجلسة بعد أن رفض القاضي الجالس تدوين ملاحظات لسان الدفاع من جهة و تزويرها من جهة ثانية مؤكدين على الخلفية السياسية لهذه المحاكمة التي لم تتوفر فيها الدرجة الصفر من المحاكمة العادلة شاذبين الزج بالقضاء في تصفية الخصوم الساسيين مؤكدين على عدم نزاهة هذه المحكمة . و قد لاقى إجتماع السادة المحامين و مواقفهم مساندة واسعة من طرف الطلبة و ممثلي المجتمع المدني ترجمت من خلال الشعارات التي رفعوها و التي نوهت بنضالية و استقلالية بعض المحامين و أدانت السلطة و استبدادها . و بعد التصريح بتأجيل القضية إلى جلسة يوم 19 جانفي القادم التحق الحضور بمقر جامعة سوسة للحزب الديمقراطي التقدمي بدعوة من اللجنة الجهوية لمساندة طلبة سوسة و المهدية لتقييم ما حصل و الآستعداد المسبق و الجيد لباقي المشوار . باختصار استطاع الطلبة المسنودين بنشطاء المجتمع المدني و بالمحامين يوم الإربعاء 22 ديسمبر 2010 أن يقلبوا المعادلة و يغيروا الصورة في يوم كان بكل المقاييس يوما مشهودا حيث حولوا الفضاء الخارجي للمحكمة إلى قاعة جلسات لمحاكمة علنية للاسبداد و أذياله ...محاكمة لديوان الخدمات الجامعية بالوسط صاحب الشكوى و الأجهزة الأمنية التي دفعت له بأوامرها حتى يقوم بذلك و أخيرا للجهاز القضائي الذي سخر بدوره في حلقة أخيرة لاستصدار حكما قضائيا يجرم طلبة الإتحاد و يدينهم صورة جديدة رسمها الحضور المتنوع جعلت البعض يقول " من يحاكم من اليوم .