يصادف اليوم مرور 60 يوما على الرابع عشر من يناير 2011، تاريخ فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي من بلاده ايذانا بانهيار نظامه، الذي حكم تونس لمدة 23 عاما وشهرين واسبوع. ورغم كل ما قيل وما يقال عن حقيقة اليوم الاخير لبن علي في قصر قرطاج، مازال الكثير من الحقائق يحتاج الي البحث والتنقيب لتحديد طبيعة الظروف التي رافقت انهيار النظام السابق، وخصوصا ما يتعلق بالدور الخارجي ودور الجيش وطبيعة ما قام به الجنرال رشيد عمار القائد العام لاركان جيش البر ومدير الحرس الرئاسي الجنرال على السرياطي قبل هروب بن علي. ففي مساء الخميس 13 يناير، تحدث بن علي للتونسيين ليقول لهم «فهمتكم» وبدأ يقدم الكثير من التنازلات، منها الاعلان عن قراره بالامتناع عن الترشح لانتخابات 2014 والتأكيد على انه سيولى محاسبة من « غلّطوه» او دفعوا به الى الخطأ. وكان الخطاب الاخير فريدا من نوعه، حيث انه اول خطاب لبن علي مكتوب باللهجة التونسية العاميّة، في خطوة اعد لها وزير الاتصال السابق اسامة الرمضاني، الذي دُعي الى القصر الرئاسي للقيام بدور استشاري للرئيس في اخر ايام الثورة الشعبية. ولم ينم بن علي ليلة الخميس- الجمعة، باكرا كما تعود في العامين الماضيين، وانما بقي يراقب ما يدور من ردود فعل على خطابه، سواء على الميدان او في الخارج. وعند الساعة الثانية والربع فجرا اضطر طبيبه الخاص الدكتور محمد قدّيش الى اعطائه مهدئا حتى ينام «خوفا عليه من اية مضاعفات صحية». فابن علي الذي يعاني منذ اواخر التسعينات من سرطان البروستاتا يشكو كذلك من ضعف في عضلة القلب ولا يتحمل اي نوع من الارهاق وخاصة النفسي. يقول وزير الدفاع رضا قريرة: «ليلة 13 - 14 يناير اعلمني احد الضباط بأن هناك حركة غريبة تدور، حيث تولّى عدد من ضباط الامن تسليم اسلحتهم لثكنات الجيش، ما جعلني اوجه اوامري بعدم استلام الاسلحة خوفا من ان تكون هناك مؤامرة تستهدف القوات المسلحة، وقد اتصلت في تلك الليلة بالوزير الاول محمد الغنوشي ووزير الداخلية احمد فريعة لاعلامها بالامر بعد ان تعذر عليّ الاتصال بالرئيس بسبب تأخر الوقت». ويضيف قريرة: «وفي الصباح ابلغت الرئيس بالأمر، وبتخوفاتي، فقال لي: لا تهول الموضوع، انها فقط اجراءات فردية من رجال امن يخافون من ان يفتك المواطنون اسلحتهم». وفي حوالي الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم، كان بن علي على الهاتف مع الوزير الاول محمد الغنوشي الذي اعطاه صورة متكاملة عن كل ما يدور في البلاد وعن التطورات الميدانية وما تقوم به الحكومة لإيجاد منافذ اقتصادية لحل قضية البطالة والتنمية في المناطق الداخلية المتفجرة. وفي تلك اللحظات كان بن علي يعتقد ان ما وعد به مساء الخميس يمكن ان يؤتي اكله يوم الجمعة، لذا اتصل بالامين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي محمد الغرياني يطلب منه تحريك الهياكل التجمعية في مسيرات مؤيدة لاجراءات الدولة المعلن عنها في 13 يناير. وعند الساعة التاسعة صباحا، وصلت الى القصر غزوة بن علي، من زوجته نعيمة الكافي، لتقول لوالدها الرئيس بلهجة حادة ان لا حل امامه الا ان يعلن للشعب طلاقه من ليلى ومحاكمة افراد اسرتها وكل من يثبت التحقيق تورطه في قضايا الفساد. اجتماع عاصف وخبر زائف انتبه بن علي جيدا لما قالته ابنته، و عند الساعة العاشرة والربع دعا الى اجتماع طارئ مع عدد من مستشاريه و خاصة عبد الوهاب عبدالله وعبدالعزيز بن ضياء والسرياطي. وكان الاجتماع عاصفا اتهم فيه الرئيس المخلوع الجميع بأنهم كانوا وراء توريطه مع الشعب، وانهم السبب الحقيقي لما يحدث، واعترف بأن «الطرابلسية» عاثوا فسادا وانه سيبحث عن حل حاسم للوضع مهما كان حجم التضحية. في تلك اللحظات حاول بن ضياء الدفاع عن ليلى طرابلسي، ما جعل بن علي يصرخ بوجهه بقوه ويطرده من الاجتماع بعد ان شتمه بكلمات نابية. واثناء الاجتماع خرج السرياطي من القاعة لاجراء اتصالات. وعند منتصف النهار، دخل السرياطي على بن علي ليبلغه بأنه علم بوجود مؤامرة كبرى ضده، تتمثل في ان انزالا جويا معاديا سيتم بساحة القصر الرئاسي، وأن رجال امن ملثمين سيهجمون على القصر بأسلحة رشاشة وقنابل لاغتيال الرئيس، احس بن علي بالخطورة وعصف به الخوف فبادر بالاتصال بوزير الدفاع لسؤاله عن الموضوع وعمن يمكن ان يكون وراء الخطة التي تستهدف حياته. أوامر عليا عند الساعة الثالثة ظهرا، اتجه أكثر من 40 فردا من اسرة طرابلسي الى مطار تونسقرطاج الدولي ليستقلوا طائرة تابعة لشركة بلحسن طرابلسي شقيق زوجة الرئيس، إلا أن آمر الأمن في المطار منعهم من ذلك وقال لهم انها أوامر عليا. واتصل مدير الأمن الرئاسي بالرئيس المخلوع ليحذره من محاولة انقلابية ضده، ونصحه بأن يغادر الى جزيرة جربة الهادئة والقريبة من ليبيا في انتظار وضوح الرؤية وانكشاف حقيقة ما يدور في البلاد. وافق بن علي، وطلب من الوزير الاول محمد الغنوشي نيابته في ادارة شؤون البلاد حسب الفصل 26 من الدستور، ثم أمر بإعداد طائرة خاصة، ودعا زوجته وابنه محمد زين العابدين وابنته الصغرى حليمة لمرافقته. ودعت ليلى شقيقتها الأقرب جليلة واتجه الجميع إلى المطار.