في وقت تشهد الساحة التونسية هوة بين الأحزاب والتواجد في الشارع، يكتنف الغموض المشهد السياسي في تونس مع اقتراب موعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي المقررة في 24 يوليو المقبل، يأتي ذلك مع تزايد قوة الحركة الإسلامية توازيا مع انقسام في أحزاب البعث والناصريين. ويتساءل المراقبون عما ستسفر عنه تلك الانتخابات من نتائج تمثل التواجد الحقيقي للقوى السياسية التونسية، لاسيما في وجود هوة بين تلك الأحزاب المعترف بها وبين الشارع التونسي باستثناء «حزب النهضة» الإسلامي المتغلغل في الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية خاصة في الجنوب، حيث مدينة الحامّة مسقط رأس زعيمه راشد الغنوشي وكذلك «الحزب التقدمي الديمقراطي» الذي يرى التونسيون في زعيمه احمد نجيب الشابي سياسيا حكيما واجه النظام السابق من الداخل، إضافة إلى حزب العمال الشيوعي التونسي والذي يجد لنفسه حضورا في بعض الفئات الطلابية والعمالية وخاصة بمنطقة الحوض المنجمي. ويزيد من قوة الحركية الإسلامية في هذا الصراع، انقسام البعثيين إلى أربعة أحزاب ثلاثة منها من الجناح العراقي وواحد من الجناح السوري، فضلا عن انقسام الناصريين إلى أربعة أحزاب أيضا تتصارع فيما بينها. فجوة مع الشارع ويوجد حاليا أكثر من 14 حزبا معترفا به يعاني اغلبها من فقدان الحضور الشعبي، كما يفتقد اغلب مؤسسي هذه الأحزاب إلى الحضور في ذاكرة الناس عكس الإسلاميين الذي عانى حوالي 30 ألفا منهم من السجن والتعذيب والمطاردة في عهد النظام السابق. وتواجه الأحزاب الليبرالية حالة من اللامبالاة في بلاد ادّعى حكامها السابقون أنهم ليبراليون متأثرون بالنموذج الغربي خاصة الفرنسي والأميركي. ويواجه أنصار «حزب التجمع الدستوري الديمقراطي» مصيرا مجهولا حتى الآن عقب تعرضه للحل، فالبعض ربما يتوجه إلى أحزاب منبثقة عنه تحت قيادة حافظت على احترام التونسيين لها أمثال مثل محمد جغام وكمال مرجان وسالم المكي، فيما يبقى مصير الآخرين قيد الغموض. أما البورقيبيون من أنصار «الحزب الاشتراكي الدستوري»، قبل أن يصبح «التجمع الدستوري الديمقراطي» في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فإنهم بصدد لملمة أوراقهم وجمع صفوفهم في أكثر من حركة تعتبر أن مهمتها الأولى هي الحفاظ على ارث الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الفكري والنضالي والعلماني والتحديثي. ورغم دخول الحزب صراعا من اجل تحقيق الوجود في عهد الثورة، يعاني «حزب التجديد»، الشيوعي سابقا، بقيادة احمد إبراهيم من محاولات تهميش تقودها تيارات يسارية منافسة يصل عددها إلى أكثر من 10 أحزاب. وقد اتضح ذلك من خلال مضايقات لزعيم الحزب في داخل البلاد خاصة بمدينة صفاقس التي تعرض للطرد منها أثناء اجتماع سياسي. وعانى «حزب الديمقراطيين الاشتراكيين»، اعرق احزاب المعارضة، من انقسام داخلي جعله في مهب ريح الأحداث، وهو ما تعاني منه أحزاب أخرى مثل «حزب الوحدة الشعبية» و«الحزب التقدمي الاجتماعي» و «الاتحاد الديمقراطي الوحدوي». برامج أشخاص وتؤشر الدلائل الى أن انتخابات يوليو ستكون انتخابات شخصيات لا أحزاب، حيث سيقف البعض من السياسيين المعروفين وراء التحالفات القبلية والمناطقية والفئوية والمهنية وسيكون ل«الاتحاد العام التونسي للشغل» دور كبير في تأطير توجهات الرأي العام كما سيكون للإعلام خاصة الفضائي منه دور مهم في تحديد اختيارات المواطنين لممثليهم في المجلس التأسيسي. إشارة إلى ما تقدم، فإن المستقلين سيشكلون حضورا بقوة، لا سيما نجوم المجتمع من رجال الأعمال والفنانين والرياضيين والمسؤولين السابقين المشهود لهم بالأمانة، كذلك سيمثل الصراع الأكبر بين الإسلاميين ورموز الجناح البورقيبي من الحزب الحاكم سابقا المنحل وكذلك رموز اليسار المدعومين بغطاء الاتحاد العام التونسي للشغل، والشخصيات الوطنية العامة.